هل يعيد تملك الأجانب للعقارات تشكيل القطاع في السعودية؟
يشكل قرار السعودية بفتح قطاعها العقاري للتملك الأجنبي لحظة مفصلية محتملة في مسار الإصلاح المستمر الذي تقوده البلاد ضمن رؤية 2030. فمنذ إطلاق الرؤية في عام 2016، سعت السعودية إلى تنويع اقتصادها بعيداً عن النفط، عبر تحفيز الاستثمار، وإطلاق العنان للنمو في قطاعات جديدة ذات قيمة مضافة مرتفعة. ويُعد القطاع العقاري منذ فترة طويلة ركناً أساسياً في هذه الإستراتيجية. وقد يُسهم إدخال التملك الأجنبي في تسريع وتيرة التطوير داخل القطاع وخارجه.
تأتي هذه الخطوة في وقت يشهد فيه المشهد العقاري السعودي تحولات كبيرة. فقد أطلقت السعودية مشاريع وطنية كبرى مثل: نيوم، والعلا، ومشاريع البحر الأحمر، إلى جانب التوسع في المراكز الحضرية الرئيسية مثل: الرياض وجدة وغيرهم، ما خلق زخماً غير مسبوق في القطاع. في عام 2024، أسهمت أنشطة التشييد والبناء والعقار بنحو 598 مليار ريال سعودي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، ما يمثل أكثر من 13% من حجم الاقتصاد. وتعكس هذه الأرقام تنامي أهمية القطاع الاقتصادية في جهود التنويع الأوسع.
هذا التغير الهادف لمواكبة خطط الإصلاح من شأنه إعطاء دفعة قوية لجذب الاستثمار الأجنبي. فالسعودية لم تعد فقط محل اهتمام شركات الطاقة، وإنما مركز رئيسي ومتنوع للاستثمار، من أسواق الأسهم إلى التصنيع، ومن العقارات شاهقة الارتفاع إلى مواسم الترفيه والسياحة وملاعب الرياضة. لذلك فإن السماح بتملك الأجانب كما هو السائد في أهم المراكز الاستثمارية سيعطي دفعة معنوية للمستثمرين.
ويبقى من غير الواضح ما إذا كان إدخال التملك الأجنبي سيُعيد تشكيل ديناميكيات المستثمرين، لكن الخطوة تتماشى مع الإصلاحات التي تهدف إلى جعل السعودية وجهة أكثر انفتاحاً وجاذبية لرؤوس الأموال والمواهب والابتكار. وعلى غرار المراكز الاستثمارية العالمية التي رحّبت بملكية الأجانب للعقارات، تأمل السعودية أن يُسهم هذا التغيير في دعم المطورين المحليين، وتوسيع الطلب، وفتح آفاق جديدة لنشاطات عقارية متنوعة، من السكنية والتجارية إلى الضيافة والمشاريع متعددة الاستخدامات.
وقد يؤدي السياق الدولي أيضاً دوراً في هذا التحول. فوفقًا لشركة "هينلي أند بارتنرز"، من المتوقع أن تستقطب السعودية أكثر من 2,400 فرد من أصحاب الثروات العالية في عام 2025، ما يضعها بين أبرز الوجهات العالمية لهؤلاء المستثمرين. وبينما تظل هذه مجرد توقعات، إلا أنها تعكس اهتماماً متزايداً بالسعودية كوجهة للعيش والعمل والاستثمار. فمزيج الإصلاحات التنظيمية، والطموحات الاقتصادية، والمشاريع الرائدة قد يُغري الأفراد والشركات الباحثين عن بدائل للأسواق التقليدية، خصوصاً في ظل مناخ عالمي يتسم بعدم اليقين الجيوسياسي وتقلبات على المستوى التجاري والاقتصادي والذي يؤدي إلى تغيير في أنماط الاستثمار.
مع ذلك، فإن النجاح ليس مضموناً. فجذب اهتمام أجنبي فعّال لن يتوقف على تغيير السياسات فقط، بل على مدى وضوح وثبات وتنافسية الإطار التنظيمي الجديد عند تطبيقه. ومن أهم القضايا التي سيتم متابعتها والتركيز عليها هي سهولة الدخول للسوق، والحماية القانونية، والشفافية والتنافسية، وكذلك قدرة المطورين المحليين والجهات التنظيمية على التفاعل وتلبية الأنواع الجديدة من الطلب العقاري المتوقع.
ختامًا فإن السماح بتملك الأجانب للعقارات يُعد بمثابة إعلان توجه السعودية، بما يتماشى مع جهودها الأوسع لتكون مركزاً عالمياً للسياحة والاستثمار والابتكار. ويبقى السؤال: هل ستُترجم هذه السياسة إلى أثر طويل المدى؟ إذا تم تنفيذها بالشكل الصحيح، فقد تُسهم في نمو اقتصادي أقوى، وصنع فرص عمل جديدة، وتطوير عمراني أكثر مرونة واستدامة. وعلى أقل تقدير، فإنها تفتح فصلاً جديداً في قصة العقار السعودية المتغيرة، وهو فصل سيتابعه المستثمرون وصانعو السياسات والمواطنون عن كثب.
مستشارة اقتصادية