صراع الموانئ بين أمريكا والصين يصل إلى نقاط الاختناق البحري
لم يعد التنافس بين الصين والولايات المتحدة على الموانئ التجارية مجرد سباق اقتصادي، بل تحول إلى صراع إستراتيجي يشكل مستقبل التجارة الدولية ويزيد من هشاشة سلاسل الإمداد العالمية، وفق ما ذكره خبراء لـ"الاقتصادية".
والموانئ تعد بوابات حيوية للاقتصادات العالمية، حيث تمر عبرها نحو 80% من حجم التجارة الدولية من حيث الوزن، وما يقارب 70% من قيمتها المالية.
وقالت الدكتورة لورين فيريس، أستاذة التجارة الدولية، إن "تعزيز الصين لقدرتها التنافسية الصناعية والاستثمار الإستراتيجي في الموانئ يمكنها من تشكيل سلاسل التوريد العالمية وتقليص مخاطر التقلبات الجيوسياسية".
وشرعت الصين منذ مطلع الألفية الثالثة في توسيع نفوذها البحري ضمن إطار مبادرة "الحزام والطريق" التي أطلقتها عام 2013، ومنذ ذلك الحين ضخت بكين استثمارات طائلة في البنية التحتية للموانئ في جميع أنحاء العالم.
تشير الأرقام المتاحة إلى أن الصين شاركت في 129 مشروعا للموانئ حول العالم، تمتد هذه المشاريع في جميع القارات باستثناء القارة القطبية الجنوبية، وتشمل توليفة متنوعة من العقود القانونية من امتلاك حصص في بعض الموانئ إلى امتلاك الأغلبية فيها، أو عقود إيجار طويلة الأجل، أو شراكات تشغيلية.
وخلال العام الماضي، تعاقدت الكيانات الصينية على أعمال بناءٍ بقيمة تقارب 71 مليار دولار، واستثمرت ما يقرب من 51 مليار دولار في دول مبادرة "الحزام والطريق"، وعلى الرغم من أن هذه الأموال لم توجه بالكامل إلى الموانئ، فإن حصة كبيرة منها استخدمت في بنية تحتية تعدُ مكونا أساسيا للاستثمار في الموانئ.
ومع توسع الاستثمار الصيني في الموانئ، ارتفعت حصتها من إجمالي الشحن العالمي لتقارب 13 في المائة، بينما تهيمن على 27٪ من تجارة الحاويات عبر المحيطات. وقد استحوذت الموانئ الصينية على 4 من المراكز الخمسة الأولى عالميا من حيث حجم حركة الحاويات العام الماضي، و6 من المراكز العشرة الأولى.
كما شهدت موانئ دولية تدارها شركات صينية نموا ملحوظا؛ ففي ميناء بيرايوس اليوناني، ورغم الأزمة الاقتصادية في اليونان، سجلت شركة COSCO الصينية زيادة قدرها نحو 10٪ في حجم الحاويات العام الماضي.
من جانبه، وصف البروفيسور واتسون جونز، أستاذ الاقتصاد العالمي، هذا التنافس بأنه "رمز لصراع أوسع"، مشيرا إلى أن "الصين تعتمد على رأس المال الحكومي والتكامل لضمان السيطرة على طرق التجارة، في حين تحشد الولايات المتحدة رأس المال الخاص وتحالفاتها الدولية للتصدي لهذا النفوذ المتصاعد".
وقال البروفيسور جونز: "الصدام بين الطرفين في نقاط الاختناق الإستراتيجية يزيد من التوتر المرتبط بسلاسل التوريد ويجعلها أكثر عرضة للصدمات الجيوسياسية".
ومع اشتداد المنافسة التجارية بين الصين والولايات المتحدة، تبرز السيطرة على الموانئ التجارية كجبهة حاسمة في هذا الصراع؛ فالموانئ ليست مجرد بوابات للبضائع، بل هي نقاط عبور يتدفق من خلالها النفوذ الاقتصادي، وتشكل سلاسل الإمداد العالمية، وتتولى الخدمات اللوجستية سواء المدنية أو العسكرية.
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حافظت الولايات المتحدة على هيمنة شبه مطلقة على الممرات البحرية وموانئ المحيطين الأطلسي والهادئ عبر شبكة من الاستثمارات والتحالفات الإستراتيجية التي تأسست خلال الحرب الباردة.
بطبيعة الحال لم تسمح الولايات المتحدة للإستراتيجية الصينية في تعزيز سطوتها على الموانئ العالمية بأن تمر مرور الكرام، فكثفت واشنطن استثماراتها في الموانئ عبر آلية مختلفة.
الاهتمام الأمريكي يأتي رغم الفجوة التمويلية الحالية لتحديث الموانئ الأمريكية، المقدرة بنحو 38 مليار دولار للفترة من 2024 إلى 2033. ومع ذلك لم يمنع هذا العجز المالي القطاع الخاص الأمريكي من الاستحواذ على 45 منشأة بحرية في أكثر من 20 دولة حول العالم.