سياسات ترمب تربك جنوب شرق آسيا .. والصين تترقب الفرصة

سياسات ترمب تربك جنوب شرق آسيا .. والصين تترقب الفرصة

بعد 5 أشهر فقط من تولي دونالد ترمب الرئاسة في الولايات المتحدة، أصبحت دول جنوب شرق آسيا في حالة من الحيرة والقلق.

تسببت سياسات ترمب التجارية، وقراراته المفاجئة، في هز أسس علاقات واشنطن مع حلفائها في المنطقة، فيما تواصل الولايات المتحدة الإبقاء على وجودها العسكري لمراقبة الصين.

وفقا لصحيفة "ساوث تشاينا مورنينج بوست"، فإن هذه الازدواجية الأمريكية – في الانسحاب الاقتصادي والاندفاع العسكري – غذّت الشعور بـ"عدم موثوقية" الولايات المتحدة في أوساط دول رابطة آسيان، بحسب محللين.

في مؤتمر شانجريلا الدفاعي في سنغافورة، أعلن وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسِث أن الصين تمثل تهديدًا حقيقيًا، مشيرا إلى التدريبات العسكرية الصينية حول تايوان وتزايد المواجهات البحرية في بحر الصين الجنوبي. وناشد حلفاء الولايات المتحدة أن يشاركوا في تحمّل مسؤولية الدفاع، بهدف تمكين واشنطن من التركيز على منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

لكن بينما تُظهر الولايات المتحدة حزمًا عسكريًا، فإنها تسحب يدها اقتصاديًا. ففي أبريل، فرضت إدارة ترمب تعريفات جمركية تراوح بين 10 و49% على صادرات الدول الأعضاء في رابطة آسيان، في خطوة أثارت قلق الاقتصادات المعتمدة على التجارة. إلى جانب ذلك، أُجريت تخفيضات كبيرة ومفاجئة في المساعدات الخارجية، ما أدى إلى إنهاء مشاريع حيوية في مجالات مثل الرعاية الصحية، ودعم المجتمع المدني.

كما أثار حظر دخول مواطني 19 دولة إلى الأراضي الأمريكية – شمل ميانمار ولاوس – مزيدًا من التوتر.

يرى الباحث سارانج شيدوري من معهد كوينسي أن هذه السياسات عززت الاعتقاد في آسيان بعدم موثوقية الموقف الأمريكي. وأضاف أن "الدول ستسعى في الأمد القصير لتخفيف الأضرار، لكنها على المدى الطويل ستمضي في تقليل اعتمادها على السوق الأمريكية"، خصوصًا أن واشنطن تواصل التزاماتها الأمنية لكن بلا وضوح اقتصادي.

الفلبين مثال حيّ على هذا التوازن المعقّد، فقد أعلنت أخيرًا ترحيبها بنشر مزيد من منظومات صواريخ "تايفون" الأمريكية، التي تصل إلى مسافات تقدر بألفي كيلومتر، ما يضع بحر الصين الجنوبي وتايوان وحتى جنوب الصين في مرمى الصواريخ. لكن من جهتها، تسعى مانيلا إلى الحفاظ على سياسة أكثر توازنًا بين واشنطن وبكين.

ويقول شيدوري "إن منطقة جنوب شرق آسيا تملك القدرة، أكثر من غيرها، على تنويع علاقاتها وتقليل اعتمادها على الولايات المتحدة، وإن الظروف الراهنة تشجّعها على اتخاذ خطوات حقيقية في هذا الاتجاه".

بدأت دول آسيان فعليًا في إعادة هيكلة شراكاتها التجارية، لكن يرى فيليكس تشانج من معهد السياسة الخارجية في فيلادلفيا أن الدول لديها تاريخ طويل من الدبلوماسية البراجماتية، وهي لا تزال ترى في واشنطن شريكًا مهمًا للأمن والنمو الاقتصادي.

الولايات المتحدة، بدورها، تظل أحد أكبر الشركاء التجاريين لآسيان، حيث بلغت التجارة الثنائية نحو 477 مليار دولار العام الماضي. كما تستثمر واشنطن بكثافة في قطاعات التكنولوجيا والطاقة والصناعة في المنطقة. ويقول تشانج "إن هذا الاعتماد الاقتصادي المتبادل يعزز استمرارية العلاقة، رغم الاضطرابات السياسية".

أمنيًا، تواصل واشنطن تعزيز وجودها من خلال تدريبات بحرية مشتركة، والتزامات في إطار اجتماعات وزراء دفاع آسيان (ADMM-Plus). ويرى محللون أن هذا الوجود العسكري يبعث طمأنينة لدى بعض الحلفاء التقليديين مثل الفلبين وتايلاند.

لكن هناك من يرى تناقضًا في السلوك الأمريكي. تقول الباحثة هانه نجوين من مجلس يوكوسوكا للدراسات الآسيوية "إن الاعتماد على القوة العسكرية مع تراجع (القوة الناعمة) لا يُرضي دول المنطقة، التي تفضّل علاقة متوازنة تشمل الاقتصاد والتنمية، وليس فقط الأمن والدفاع".

وقد تسبّب انسحاب ترمب من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ عام 2017 في خلق فراغ اقتصادي ملأته الصين تدريجيًا. وهذا ما يزيد من معضلة بعض الدول، وعلى رأسها الفلبين، التي تجد نفسها مضطرة للموازنة بين الضغوط الأمريكية والتقارب الاقتصادي مع بكين.

يرى الباحث لوسيو بلانكو بيتلو أن واشنطن مطالبة بتقديم بدائل ملموسة، مثل فتح الأسواق الأمريكية، وتقديم تمويلات للبنية التحتية، بل وحتى دعم الصناعات الدفاعية المحلية في دول الحلفاء.

وفي حين علّقت الولايات المتحدة تنفيذ الرسوم الجمركية لمدة 90 يومًا، ما أتاح فرصة مؤقتة للتفاوض، إلا أن دول آسيان – من ماليزيا إلى إندونيسيا – بدأت في إعادة ترتيب أولوياتها التجارية والبحث عن شركاء بديلين، وعززت العلاقات مع الصين وأوروبا.

وفي خضم هذا التنافس الأمريكي-الصيني، تظهر مؤشرات على تنامي التعاون بين دول آسيان نفسها، ومع تكتلات دولية مثل مجموعة بريكس، التي انضمت إليها إندونيسيا في يناير، في حين التحقت ماليزيا وتايلاند كشركاء.
في النهاية، يبدو أن دول جنوب شرق آسيا تتبنى سياسة متعددة الأقطاب وتسعى للتكامل الإقليمي لتقليل الاعتماد على أي طرف واحد، في وقت لا يبدو فيه أن ترمب – أو واشنطن – أهل للثقة المطلقة.

الأكثر قراءة