كريس براينت: رفع سن التقاعد يتطلب إطالة متوسط العمر الصحي

إطالة متوسط العمر الصحي يساعد على تقبل الرأي العام لرفع سنّ التقاعد، بشرط أن يُرفق بجهود حكومية جادة لمعالجة انعدام المساواة

  • رفع سنّ التقاعد لا ينجح دون تحسين الصحة العامة وتقليص الفجوة بين متوسط العمر ومتوسط سنوات الحياة الصحية.
  • ربط التقاعد بمتوسط العمر الصحي قد يكون أكثر عدالة، خصوصاً في ظل تأثير التفاوتات الطبقية في الصحة والأعمار.

أبرز قرار الدنمارك رفع سن التقاعد القانوني إلى 70 عاماً للمولودين بعد 1970، ليصبح الأعلى في أوروبا، واقعاً بديهياً وربما مقلقاً هو أن معظمنا مقبل على سنوات عمل أطول، ما يفرض علينا الحفاظ على الصحة لفترة أطول. رغم أن ربط سنّ التقاعد بارتفاع متوسط العمر يبدو منطقياً بقدر ما، يمكن لهذا التوجّه أن يفاقم التفاوتات الصحية، إذ إن الفئات الأقل دخلاً أكثر عرضة للإصابة بالأمراض والوفاة المبكرة مقارنةً بالميسورين. لذا فإن الأجدى التركيز على إطالة متوسط العمر الصحي للجميع.

ردم الفجوة بين إطالة العمر والحياة الصحية

يمكن لردم الفجوة بين متوسط العمر ومتوسط سنوات الحياة الصحية أن يحشد دعم الرأي العام لرفع سنّ التقاعد. فمن شأن ذلك أن يقلّص عدد السنوات التي يعاني خلالها الأفراد من المرض الشديد والعجز، ويطيل فترة التمتع بالحياة سواء مع الأحفاد أو في ملاعب الغولف أو صالات البينجو.
كذلك، يوفّر هذا التوجّه مكاسب مالية للحكومات، لإسهامه في خفض كلفة المعاشات التقاعدية ونفقات علاج الأمراض المزمنة ورعاية كبار السن، مع الحفاظ على قدرة الأفراد على العمل لفترة أطول.
عندما طرحت ألمانيا بقيادة أوتو فون بسمارك أول نظام للضمان الاجتماعي في العالم 1889، حدّدت سنّ التقاعد عند 70 عاماً أيضاً، وكان ذلك حين لم يكن كثير من المواطنين الألمان يعيشون لأزيد من 45 عاماً.
أما اليوم، يبلغ متوسط عمر الألمان نحو 78 عاماً للرجال و83 للنساء، ما يعني أن الرجال يحصلون على معاش تقاعدي من الدولة لنحو 19 عاماً، والنساء لنحو 22 عاماً، أي بزيادة نحو 60% مقارنةً مع 1980.
تباطأت وتيرة ارتفاع متوسط العمر في السنوات الماضية، ولا يقتصر السبب على جائحة كورونا. فبحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لم يعد من يبلغون 65 عاماً يضيفون سوى عام واحد فقط إلى متوسط أعمارهم مع كل عقد، مقارنة مع عام ونصف العام سابقاً.
ومع ذلك، يبقى معظمنا مرشّحاً ليعيش أطول من آبائنا وأجدادنا. (مثلاً، وفق الحاسبة الإلكترونية التابعة للحكومة البريطانية، يُتوقع أن يصل كاتب هذا المقال، وقد بلغ من العمر 42 عاماً، إلى سنّ 84، مع احتمال نسبته واحد إلى أربعة أن يصل إلى عمر 93. ولنأمل خيراً).

ربط سن التقاعد بمتوسط العمر

فيما أن هذه بشائر خير، لكنها تفاقم الضغوط على أنظمة الضمان الاجتماعي المموّلة من إسهامات العاملين الحاليين، في ظلّ اختلال التوازن المتزايد بين أعداد المتقاعدين والعاملين.
تزمع ألمانيا رفع سنّ التقاعد القانوني إلى 67 عاماً بحلول 2031، غير أن الحكومة الجديدة اختارت تأجيل اتخاذ القرار السياسي الحساس المتعلق بالمرحلة اللاحقة لذلك.
قد يكون من الأجدى ربط سنّ التقاعد بمتوسط العمر المتوقع، على غرار ما تقوم به الدنمارك، لتجنّب السجالات المتكرّرة حول تمديد سنوات العمل. (خصوصاً أن الإصلاحات التي رفعت سنّ التقاعد في فرنسا من 62 إلى 64 عاماً أثارت موجة احتجاجات واسعة في 2023).
اعتمدت الدنمارك في 2006 آلية شبه تلقائية لتعديل سنّ التقاعد، واستلهمت منها عدّة دول أوروبية أنظمة مشابهة تقوم على الربط بين متغيرين. وفق النموذج الدنماركي، يُقابل كل عام إضافي في متوسط العمر بعام كامل من العمل، استناداً إلى قاعدة تفترض أن متوسط سنوات التقاعد يجب أن يبلغ 14.5 عاماً.
لكن هذا النهج يُعد صارماً مقارنة بدول مثل البرتغال وفنلندا التي تُطبّق قاعدة يُمدَّد فيها سنّ التقاعد بمعدل ثلثي كل سنة إضافية في متوسط العمر المتوقع، أي ما يعادل 8 أشهر من العمل الإضافي عن كل سنة إضافية يُتوقَّع أن يعيشها الفرد، ما يجنّب تقليص نسبة سنوات التقاعد.

تفاوت طبقي

نظرياً، يُفترض أن يكون معظمنا قادراً على العمل لفترة أطول، إذ إننا عموماً أفضل صحةً من أسلافنا حين كانوا في المرحلة العمرية نفسها. في تقرير صدر في أبريل، أشار صندوق النقد الدولي إلى بيانات شملت 41 دولة متقدّمة وناشئة، تفيد بأن القدرات الإدراكية لمن يبلغون 70 عاماً في 2022 تعادل، في المتوسط، قدرات من كانوا في سنّ 53 عاماً في 2000. أما من حيث اللياقة البدنية، فيُقارن السبعيني في 2022 بمن كان في السادسة والخمسين قبل عقدين.
عليه، لا يبدو هناك من مبرر مقنع لاستمرار التمييز العمري في سوق العمل.
لكن الصورة ليست وردية برمتها، إذ تشير بعض الأدلة إلى أن الأجيال الجديدة تسجّل معدلات أعلى من الإصابة بأمراض مزمنة مثل السكري. ورغم أننا نعيش لسنوات أطول، لكننا نعاني خلال كثير من تلك السنوات الإضافية من صحة سيئة.
وقد أظهرت دراسة نُشرت في ديسمبر على منصة (JAMA Network Open) أن الفجوة بين عدد سنوات الحياة الصحية ومتوسط العمر الإجمالي اتسعت خلال العقدين الماضيين، لتبلغ 9.6 سنوات مقارنة مع 8.5 سنوات سابقاً، وذلك في 183 دولة عضواً في منظمة الصحة العالمية. وسجّلت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أكبر الفجوات، بواقع 12.4 سنة و11.3 سنة على التوالي.
كذلك، فإن الأشخاص الميسورون والأعلى تعليماً يتقدمون في السنّ وهم بصحة أفضل من نظرائهم الأقلّ حظوظاً. لقد أظهرت بيانات مؤسسة HealthFoundation في 2022، أن النساء الستينيات في إنجلترا ممن ينتمين إلى الشريحة الأكثر حرماناً، يعانين من معدلات أمراض تكاد تماثل ما تعانيه نسوة أثرى بلغن سن 76 عاماً. أما الرجال في المناطق المحرومة، فيتوفّون قبل أقرانهم في المناطق الثرية بنحو 10 سنوات.

ربط التقاعد بمتوسط العمر الصحي

يُعدّ تدهور الحالة الصحية من الأسباب الرئيسية التي تدفع الناس إلى الخروج مبكراً من سوق العمل، ما يعرّضهم لخطر الفقر. كما أن رفع سنّ التقاعد القانوني قد يكون مجحفاً، إذ إن الميسورين غالباً ما يستفيدون من المعاشات التقاعدية لفترة أطول مقارنةً مع الفئات الأقل دخلاً.
زد على ذلك أن مطالبة عامل بناء بأن يعمل على سقالات حتى سنّ السبعين لا تُقارن بمطالبة موظف مكتبي بمواصلة العمل في مكتب. رغم صعوبة تحديد سنّ تقاعد يراعي هذا التنوّع في طبيعة المهن، يمكن لمزيج من إعانات العجز وبرامج إعادة التأهيل والتدريب أن يسهم في معالجة هذا التحدّي.
لكن، لماذا لا يُربط سنّ التقاعد بمتوسط العمر الصحي بدلاً من متوسط العمر الإجمالي؟ كما يقترح أندرو جيه. سكوت، المتخصّص في دراسات إطالة العمر.
يقول سكوت، مدير قسم الاقتصاد في "معهد إليسون للتقنية" في أوكسفورد، في رسالة إلكترونية: "لو حدّدنا هدفاً وطنياً لمتوسط سنوات الحياة الصحية، لكان التركيز أكبر على الحدّ من التفاوتات. فنظام الرعاية الصحية الحالي يركّز بشكل مفرط على الأمراض، وهذا يختلف تماماً عن الحفاظ على صحة الناس".

دعم أسلوب الحياة الصحي

للأسف، لا يُخصَّص سوى ما بين 1% و6% من إجمالي الإنفاق الصحي في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية للحفاظ على الصحة والوقاية، بحسب صندوق النقد الدولي.
بالتالي، ينبغي أن تحتل حملات التوعية الغذائية موقعاً متقدماً في سياسات الصحة العامة، ويشكل تركيز وزير الصحة الأمريكي، روبرت إف. كينيدي الابن، على مخاطر الأغذية فائقة التصنيع خطوة مشجعة في هذا الاتجاه.
بما أنني من داعمي تمارين القوة –التي تُبطئ فقدان الكتلة العضلية وتعزّز صحة العظام لدى كبار السن– أرى أن على الحكومات تمويل صالات رياضية عامة أو دعم اشتراكاتها، على غرار ما تقوم به سنغافورة.
فالحياة الطويلة والصحية لا يجب أن تبقى امتيازاً حصرياً للفئات الميسورة. وإذا باتت سنوات العمل الأطول أمراً محتوماً لكثيرين، فإن وتيرة الشيخوخة ومدى تدهور الصحة قابلان للتحسين. الأعمار المديدة نعمة، لكن إطالة السنوات التي نتمتع بها بصحة جيدة مكسب أكبر.

خاص "بلومبرغ"

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي