نقص البحارة يعيق الطموح الأمريكي لإحياء أسطولها التجاري
في السنوات الأخيرة، بات واضحا أن الإدارات الأمريكية، سواء الديمقراطية أو الجمهورية، تتفق على نقطة جوهرية مفادها أن الضعف الإستراتيجي في السياسة التجارية يعود في جزء منه إلى نقص حاد في عدد السفن الأمريكية العابرة للمحيطات.
مع وصول الرئيس دونالد ترمب إلى البيت الأبيض مطلع هذا العام، تعززت تلك القناعات بشكل لافت؛ ووقع ترمب في الأيام الأولى من ولايته أمرا تنفيذيا يهدف إلى إحياء صناعة السفن محليا وتحفيز الطلب على السفن التي ترفع العلم الأمريكي، على أن تكون أطقم هذه السفن من البحارة الأمريكيين.
تنظر الإدارة الحالية إلى هذا الأمر على أنه جزء أساسي من إستراتيجية الأمن القومي للبلاد، إذ يلعب الأسطول التجاري دورا حيويا في نقل المعدات والإمدادات العسكرية، وكذلك التجارة المدنية.
وقد يحدث نجاح هذا التوجه تحولا كبيرا في ميزان المنافسة البحرية بين الصين والولايات المتحدة من وجهة نظر بول دانيل، رئيس قسم الشحن الدولي في شركة "هاوليستيك" للنقل البحري، خصوصا أن الصين تهيمن حاليا على الصناعة.
بيد أن تحقيق هذا التحول يتطلب معالجة عدد من الثغرات، أبرزها النقص الحاد في الكوادر البشرية المؤهلة.
عدد البحارة المؤهلين تحد رئيسي للولاية المتحدة
يرى خبراء أن التحدي الرئيسي لإحياء واشنطن أسطولها التجاري لا يكمن في القدرات الإنتاجية أو التمويل، إذ تملك الموارد والتكنولوجيا اللازمة لمنافسة الصين خلال فترة وجيزة.
تكمن المشكلة الحقيقية من وجهة نظرهم في نقص البحارة الأمريكيين المؤهلين، حيث تراجع عددهم من نحو ألف في ستينيات القرن الماضي إلى نحو 10 آلاف فقط حاليا.
هذا التراجع في عدد البحارة المؤهلين نتج ظروف العمل الصعبة، وضعف التوازن بين الحياة المهنية والشخصية، وهو ما يعرقل قدرة الولايات المتحدة على تشكيل أسطول تجاري متكامل.
تظهر دراسات أن هناك نحو 60 ألف سفينة شحن تجاري حول العالم، عدد ضئيل منها فقط يرفع العلم الأمريكي أو يعمل على متنه بحارة أمريكيون.
وهناك جهود لتخريج بحارة جدد والتصدي للتحديات التي يواجهها البحارة، بما في ذلك تطوير برامج تدريب جديدة والترويج للمهنة. يشمل هذا تجنيد البحرية الأمريكية البحارة عبر حملة لجذب الشباب إلى الخدمة.
الأسطول التجاري الأمريكي يحمل أهمية إستراتيجية
يثير وضع الولايات المتحدة الحالي فيما يتعلق بعدد البحارة والسفن تساؤلات عدة حول قدرتها على تأمين وارداتها الحيوية خلال أوقات الطوارئ أو الأزمات العالمية.
في هذا السياق، لا يعد الأسطول التجاري الخاص ضروريا فقط لاقتصاد الولايات المتحدة، بل للجيش الأمريكي أيضا، وفقا لما قالته لـ "الاقتصادية" الدكتورة سوريتشا ديكن، أستاذة اقتصاديات النقل.
تعتمد قيادة النقل البحري العسكرية في وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" على البحارة التجاريين لنقل الإمدادات في السلم والحرب.
وتخلت القيادة الأمريكية في العام الماضي عن 17 سفينة أمريكية، أي ما يعادل 6% من قدراتها اللوجستية، بسبب نقص في عدد البحارة، بحسب ديكن.