مزيج الطاقة .. نظرة استشرافية

في ظل التحولات العالمية السريعة، بات مزيج الطاقة يشكل محورا رئيسيا في معادلة التنمية المستدامة وأمن الطاقة العالمي، ويقصد بمزيج الطاقة توزيع مصادر الطاقة التي يعتمد عليها العالم لتلبية احتياجاته من الكهرباء والنقل والصناعة وغيرها من الأنشطة الاقتصادية.

ووفقا لأحدث الإحصاءات، فإن الوقود الأحفوري لا يزال يشكل النسبة الأكبر من هذا المزيج، حيث يشكل النفط والغاز والفحم مجتمعة نحو 80% من إجمالي الاستهلاك العالمي للطاقة، حيث يحتل النفط نحو 31% من إجمالي الطاقة المستهلكة، يليه الفحم بنسبة 27%، والغاز الطبيعي بنسبة نحو 22%.

مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، تشكل نحو 7% فقط، في حين تسهم الطاقة النووية نحو 4%. التوجهات المستقبلية تشير إلى تغييرات كبيرة في هذا التوزيع. فمن المتوقع أن تنخفض حصة الوقود الأحفوري إلى ما دون 60% بحلول 2050، مع ارتفاع حصة الطاقة المتجددة إلى نحو 30% إلى 35%، وزيادة مساهمة الطاقة النووية والتقنيات النظيفة الأخرى.

في رأيي، أنه من المبكر جدا الافتراض أن مصادر الطاقة المتجددة ستصل إلى 35% من المزيج العالمي في المدى القصير أو حتى المتوسط، إذ إن هناك تحديات تقنية وهيكلية وتمويلية تعيق هذا التسارع. فعلى الرغم من الزخم السياسي والإعلامي المحيط بها، فإن الطاقة المتجددة لا تزال تعاني من تقلبات في الإنتاج وصعوبات في التخزين والربط بالشبكات.

كما أن تكاليف التصنيع والمواد الأولية اللازمة لتطويرها مثل المعادن النادرة في تزايد مستمر. لذلك، أتحفظ على هذا التوقع المتفائل وأعتقد أنه يتطلب رؤية أكثر واقعية تستند إلى قدرة البنية التحتية الحالية ومدى استعداد الأسواق للتغير بهذا الحجم.

من جانب آخر، تواجه منظومة الطاقة العالمية عقبات متعددة تهدد أمنها واستقرارها. من أبرز هذه العقبات: ضعف الاستثمار في مشروعات البنية التحتية، وتباين السياسات بين الدول، وارتفاع تكاليف المواد الخام، إضافة إلى التوترات الجيوسياسية التي تؤثر في استقرار الإمدادات. كما أن الاعتماد المفرط على مصدر واحد دون تنويع يزيد على هشاشة منظومة الطاقة لأي دولة.

في اعتقادي، لا يمكن تجاوز هذه التحديات إلا من خلال تبني إستراتيجيات استثمار شاملة تشمل جميع أنواع الطاقة، سواء التقليدية أو المتجددة، مع التركيز على رفع كفاءة الإنتاج والاستهلاك. فالعالم لا يزال بحاجة إلى الوقود الأحفوري لضمان استقرار الإمدادات، وفي ذات الوقت لا بد من تسريع وتيرة تطوير الطاقة النظيفة.

من وجهة نظري، استشراف مستقبل الطاقة لا يجب أن يكون رهينا بالتفاؤل وحده، بل يجب أن يبنى على خطط واقعية تجمع بين التدرج، التنوع، والكفاءة، لتجنب الفجوة بين العرض والطلب، وضمان أمن الطاقة العالمي للأجيال المقبلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي