صفقة خط أنابيب نيويورك تنقل المواجهة إلى ماساتشوستس

طاقة الرياح البحرية عنصر حيوي لشبكات كهرباء الشمال الشرقي الأمريكي

  • نيو إنجلاند تسجل أعلى فواتير كهرباء بين الولايات الأمريكية المتصلة بالشبكة
  • مشاريع طاقة الرياح البحرية تواجه عراقيل سياسية ومالية بطريقة متزايدة
  • حاكمة ماساتشوستس تقدم مشروع قانون لخفض فواتير الطاقة بقيمة 10 مليارات دولار

يبدو أن حاكمة نيويورك، كاثي هوشول، أبرمت صفقة مع الرئيس دونالد ترمب، تتضمن دعمها لخط أنابيب غاز طبيعي جديد مقابل رفعه الحظر عن مشروع لطاقة الرياح البحرية. بهذه الخطوة، ربما تكون هوشول قد حولت أنظار ترمب نحو بوسطن.

كان ترمب أعلن في وقت سابق من العام الحالي، ضمن إحدى أوامره التنفيذية العديدة المتعلقة بالطاقة، عن رغبته في إنشاء خطوط أنابيب غاز جديدة في منطقة نيو إنغلاند. عملياً، يعني ذلك نقل الغاز من منطقة الآبالاش عبر نيويورك، من خلال إحياء مشروعات أنابيب مقترحة سابقاً كانت قد أُحبطت بسبب معارضة الولاية، مثل خط أنابيب كونستيتيوشن الذي يستهدف وادي هدسون، أو مشروع "تعزيز الإمداد شمال شرق" الذي يصل إلى جزيرة لونج آيلاند.

مصادر الكهرباء

التحول الظاهر في موقف هوشول نحو دعم خط أنابيب جديد، يضع نظراءها في نيو إنحلاند في موقف صعب. فمثل نيويورك، تعتمد تلك الولايات على طاقة الرياح البحرية لتزويد شبكاتها بالكهرباء، بل وبدرجة أكبر. ويُعد ارتفاع فواتير الطاقة قضية سياسية نشطة في نيو إنجلاند، خصوصاً في ولاية ماساتشوستس، التي تشهد حالياً بداية سباق انتخابي مهم للفوز بمنصب الحاكم. مع تصعيد ترمب لحملته ضد طاقة الرياح، يظهر عامل جديد مؤثر بقوة قد يتسبب في زعزعة للاستقرار.

على المستوى العام، تسعى الولايات الشمالية الشرقية لإزالة الكربون من قطاع الكهرباء عبر تقليل الاعتماد على الغاز، وتعزيز استخدام البطاريات ومصادر الطاقة المتجددة، مع الاعتماد بشكل كبير على طاقة الرياح البحرية. كما يُتوقع من شبكات الكهرباء هناك أن تتحمل أعباء إضافية ناتجة عن التوسع في السيارات الكهربائية ومضخات الحرارة التي ستحل محل أنظمة التدفئة التي تعمل بالغاز والنفط.

يُعد هذا التحول أكثر صعوبة بالنسبة إلى نيو إنجلاند، حيث إن نحو نصف إنتاج الكهرباء السنوي في المنطقة يعتمد على الغاز. وخلال الشتاء، تُعطى الأولوية لاستخدام الغاز في التدفئة المنزلية والتجارية، ما يُقلّص الكمية المتاحة لشبكة الكهرباء. وفي فترات ذروة الاستهلاك، تلجأ الشبكة إلى استخدام النفط. يشير سام بروثويل، نائب رئيس شركة الاستشارات "إم سي آر جروب" (MCR Group)، إلى صباح 21 يناير من العام الجاري، حينما انخفضت درجات الحرارة في بوسطن إلى ما دون الصفر، وكان النفط هو المصدر الأكبر للكهرباء في الشبكة.

فواتير الكهرباء

رغم أن مثل هذه الساعات تُعد نادرة نسبياً -إذ لم يُشكل النفط سوى 0.3% من إجمالي توليد الكهرباء في العام الماضي- فإنها تقوّض سمعة نيو إنجلاند البيئية وتُظهر حجم الضغوط المتزايدة على شبكتها، التي تُعد الأغلى من حيث متوسط أسعار الكهرباء وفواتير الاستهلاك الشهري في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية (باستثناء ألاسكا وهاواي.

تشكل الأسعار المرتفعة للكهرباء عبئاً يشبه الضرائب على أحد الأدوات الأساسية لإزالة الكربون، وهي كهربة الطاقة. تتوقع هيئة التشغيل المستقلة لشبكة نيو إنجلاند، أن يرتفع الحمل الأقصى في الشتاء بنسبة تقارب الثلث، أي ما يعادل 6.4 جيجاوات، خلال العقد المقبل، ما يعادل تقريباً إضافة ولاية كونيتيكت جديدة إلى الشبكة. يرجع ذلك بشكل كبير إلى توقع ارتفاع أحمال التدفئة الكهربائية والسيارات الكهربائية بمقدار 21 ضعفاً.

في الوقت نفسه، تشير التقييمات طويلة الأجل الصادرة عن "مؤسسة موثوقية الكهرباء لأمريكا الشمالية" إلى أن شبكة نيو إنجلاند تواجه "مخاطر مرتفعة" من حيث نقص الإمدادات خلال الطقس القاسي، بسبب النمو القوي في الطلب واستمرار القيود على البنية التحتية للغاز الطبيعي في الشتاء. (تُصنف شبكة نيويورك تحت بند "المخاطر العادية").

وبما أن فترات ذروة الطلب في الشتاء تتزامن مع انخفاض إنتاج الطاقة الشمسية، فإن التوربينات البحرية تمثل محوراً رئيسياً في خطط الولايات لموازنة الطلب مع إزالة الكربون من الكهرباء. غير أن هذه التوربينات تواجه ضغوطاً كبيرة حتى قبل تدخل ترمب.

عقبات طاقة الرياح

تُعد طاقة الرياح البحرية قطاعاً ناشئاً في الولايات المتحدة، يتطلب استثمارات ضخمة مقدماً. عانى خلال العامين الماضيين من ارتفاع التكاليف وأسعار الفائدة، ما أدى إلى إلغاء عدة مشروعات كبيرة في الشمال الشرقي أو تجميدها بانتظار إعادة التفاوض على اتفاقات شراء الكهرباء. زادت الانتقادات بعد أن جرفت الأمواج شظايا من توربين رياح مكسور إلى شواطئ نانتوكيت الصيف الماضي.

الأهم من ذلك أن الغالبية العظمى من السعة الإنتاجية التي تستهدفها ولايات الشمال الشرقي ما زالت في مراحل ما قبل البناء، أو لم تُطرح بعد للمناقصة أو تحصل على التصاريح. من خلال تجميد مشروع شركة "إكوينور" قبالة ساحل لونج آيلاند، أظهر ترمب استعداده لتعطيل مشروعات حتى في مراحل التنفيذ، بل الحصول على مكاسب سياسية جراء ذلك. يفاقم هذا مناخ الحذر حول القطاع، ويمهد لتكرار تلك الإستراتيجية مع جيران نيويورك.

يبدو أن حاكمة ماساتشوستس، ماورا هيلي، تدرك حجم الموقف، إذ طرحت الأسبوع الماضي مشروع قانون يهدف إلى خفض فواتير الطاقة بقيمة 10 مليارات دولار من خلال عدة إجراءات. مثلها مثل حال حاكم ولاية كاليفورنيا، جافين نيوسوم، تُحاول هيلي الموازنة بين هموم المعيشة المباشرة والأهداف المتعلقة بالمناخ وأمن الطاقة، حيث إنها مقبلة على انتخابات إعادة العام المقبل في ولاية ديمقراطية تميل أحياناً إلى انتخاب حكام جمهوريين، وشهدت زيادة في نسبة التصويت لمصلحة ترمب في نوفمبر الماضي. أعلن مايك كينالي، أول مرشح جمهوري بارز، دعمه الواضح لخطوط أنابيب الغاز الجديدة.

هيلي في مأزق

سيكون من الصعب على هيلي أن تتراجع وتدعم أنابيب جديدة. خلال 2016، حين كانت تشغل منصب النائب العام للولاية، نجحت في إيقاف خطة لتمويل مشروع "أكسس نورث إيست" من خلال مساهمة شركات الكهرباء. كما أن من أول قراراتها بعد توليها منصب الحاكم خلال 2023 كان إصدار أمر بإنشاء منصب "رئيس شؤون المناخ" في الولاية. علاوة على ذلك، فإن التراجع عن مشاريع الرياح البحرية -تتمتع بعوامل تشغيل أعلى من مصادر الطاقة المتجددة الأخرى، خصوصاً في الشتاء- قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الكهرباء في نيو إنجلاند على المدى الطويل، بحسب سامرات كاسينا، المحلل الرئيسي في "وود ماكنزي". تُعرف هيلي كذلك بمعارضتها العلنية لترمب.

يظل السؤال ما إذا كان أي مطور لمشاريع خطوط الأنابيب مستعداً للاستثمار في بنية تحتية تستمر لعقود من الزمن في سوق إقليمية يُنظر فيها إلى الغاز الطبيعي بعين الريبة الشديدة. (في الواقع، ربما تأمل هوشول أن يكون ذلك هو سر فوزها بلا تكلفة). رغم ذلك، من اللافت أن مشروع قانون هيلي أشار إلى احتمال الاستعانة بمفاعلات نووية صغيرة، ليس فقط لأنها ما تزال على بعد عدة دورات انتخابية من إمكان تنفيذها، بل لأن الطاقة النووية كانت تاريخياً "بعبع" نيو إنجلاند قبل أن تُصبح مصادر الوقود الأحفوري هي الهدف الجديد. مع ترمب الذي عطل فعلياً أهداف طاقة الرياح البحرية، ووسط استمرار ارتفاع فواتير الكهرباء، تواجه خطط الطاقة في نيو إنجلاند اختباراً حقيقياً وصعباً.

خاص "بلومبرغ"

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي