سباق عالمي لإبرام صفقات تجارية قبل انتهاء مهلة رسوم ترمب
بعد انقضاء نصف فترة التجميد التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لمدة 90 يوماً على ما يُعرف برسومه الجمركية "المتبادلة"، لا تزال حالة عدم اليقين الشديد تُخيّم على الشركات والمستهلكين والحكومات المتضررة، ومن غير المتوقع أن توفر الأيام الـ45 المتبقية قدراً كبيراً من الوضوح.
أشار ترمب بنفسه إلى أن المحادثات لن تسفر عن صفقات مع كل دولة قبل الموعد النهائي في يوليو، قائلاً إن 150 دولة "تريد إبرام صفقة"، لكنه أوضح أن العديد منها سيُحدَّد له مستوى الرسوم الخاص به. وقال وزير الخزانة، سكوت بيسنت: "إذا لم يتفاوضوا بنية التوصل لاتفاق تجاري عادل، فسيتلقون رسالة تقول: ’هذه هي النسبة‘".
الرسوم الأعلى باقية ما لم تخفض
قالت كيلي آن شو، الشريكة في شركة "آكين غامب ستراوس هاور آند فيلد" (Akin Gump Strauss Hauer & Feld) والمستشارة التجارية السابقة لدى ترمب، إنها تتوقع الإعلان عن سلسلة من الصفقات قرب نهاية فترة تعليق الرسوم الجمركية في 9 يوليو.
وتابعت: "90 يوماً فترة قصيرة للغاية.. أشعر بأن هذه المفاوضات الحقيقية تجري مع نحو 18 شريكاً تجارياً رئيسياً، ثم بعد 9 يوليو، ستُسلم الدول التي تُركت جانباً وثيقة تحتوي على نسبة رسوم جديدة، يمكنها إما قبولها أو رفضها".
ما هو على المحك في هذه المفاوضات جميعها يتجاوز مجرد إنجاز يضاف إلى سجل سياسة ترمب التجارية، إذ يرى محافظو البنوك المركزية، بمن فيهم الاحتياطي الفيدرالي، أن الرسوم الجمركية- واحتمال زيادتها- تُقيّد النمو، وتُربك الأسواق المالية، وتُسهم في التضخم في أثناء تحديدهم لأسعار الفائدة، لذا كلما طال أمد التوصّل إلى صفقات من شأنها خفض الرسوم، طالت فترة إبقاء الفيدرالي أسعار الفائدة من دون تغيير.
وفيما يلي لمحة عن الرسوم الجمركية التي تُواجه بعضاً من أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، والجهود المبذولة حتى الآن لتفاديها:
المملكة المتحدة 10%
أشاد ترمب بإعلان 8 مايو عن اتفاق مع رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، واصفاً إيّاه بأنه "اتفاق كامل وشامل"، رغم أنه يغطي عدداً محدوداً من القطاعات، ويُبقي على الرسوم الجمركية الأساسية الأمريكية البالغة 10% على السلع.
وقد تضمّن الاتفاق استثناءات لصناعة السيارات والصلب البريطانية، التي تواجه رسوماً أمريكية بنسبة 25%، ما أثار تحذيرات من فقدان وظائف.
ولا يزال من غير الواضح موعد بدء سريان خفض الرسوم الجمركية، فضلاً عن تفاصيل رئيسية مثل حجم الحصة المخصصة لصادرات الصلب البريطانية، وطبيعة المتطلبات الأمنية الأمريكية المتعلقة بملكية مصانع الصلب البريطانية.
الصين 34%
في مواجهة ضغوط متزايدة من الأسواق المالية المضطربة والمستوردين الأميركيين القلقين من نقص المواد وارتفاع التكاليف، أعلن ترمب في 12 مايو أن الولايات المتحدة ستخفض رسومها الجمركية التراكمية البالغة 145% على السلع الصينية خلال فترة الـ90 يوماً، مع الإبقاء على رسم بنسبة 30%، بينما خفّضت الصين ضريبتها على الواردات الأمريكية بنفس النسبة إلى 10%.
وسيُتيح هذا التوقف المؤقت حتى منتصف أغسطس، لواشنطن وبكين عقد سلسلة من المحادثات باستخدام ما وصفه بيسنت بـ"آلية" للتفاوض. قال بيسنت إن "اتفاق المرحلة الأولى" الذي وقّعه ترمب مع الصين في يناير 2020 يشكل نموذجاً للتطلعات الحالية، رغم أن "العالم تغير، والمنتجات تغيرت، واختلف مزيج المنتجات - لذلك أعتقد أن كل شيء مطروح على الطاولة".
الاتحاد الأوروبي 20%
قال بيسنت في 13 مايو، إن الاتحاد الأوروبي يعاني من "مشكلة في اتخاذ إجراءات جماعية" تُعيق مفاوضات التجارة. وبعد أسبوع، أرسل الاتحاد الأوروبي مقترحاً معدّلاً للمحادثات إلى الولايات المتحدة. ومن المقرر عقد مكالمة الجمعة، لكن توقّعات إحراز تقدّم كبير بين واشنطن وبروكسل منخفضة، بحسب ما أفادت به "بلومبرغ نيوز".
وجاءت المقترحات الأخيرة للمفوضية الأوروبية رداً على وثيقة قدّمتها إدارة ترمب إلى الذراع التنفيذية بعد مقترح سابق من الاتحاد الأوروبي. ووصَف مسؤول أوروبي الوثيقة الأمريكية بأنها قائمة رغبات مليئة بالمطالب غير الواقعية.
الهند 26%
اختتم وزير التجارة الهندي، بيوش غويال، زيارة استمرت أربعة أيام إلى واشنطن الأسبوع الماضي، قائلاً يوم الجمعة إنه عقد اجتماعاً "بنّاءً" مع نظيره هوارد لوتنيك. وذكرت "بلومبرغ نيوز" أن المسؤولين الهنود يهدفون إلى التوصّل إلى اتفاق على ثلاث مراحل، مع توقيع اتفاق أولي قبل يوليو.
ستشمل المرحلة الأولى مجالات مثل وصول السلع الصناعية وبعض المنتجات الزراعية إلى الأسواق الأمريكية، ومعالجة الحواجز غير الجمركية. أما المرحلة الثانية فقد تكون أوسع وأكثر تفصيلاً، ويتوقع أن تعقد بين سبتمبر ونوفمبر. ومن المرجّح أن تكون المرحلة النهائية اتفاقاً شاملاً يُبرم بمجرد الحصول على موافقة الكونغرس الأميركي، وربما يكون ذلك في العام المقبل.
تسعى الولايات المتحدة والهند إلى تعزيز التبادل التجاري الثنائي بينهما في ظل تصاعد التوترات مع الصين.
اليابان 24%
يزور مسؤولون تجاريون يابانيون واشنطن هذا الأسبوع لاستئناف المحادثات. وقال كبير المفاوضين، ريوسِي أكازاوا، الذي يقود فريق العمل المعني بالرسوم الجمركية في اليابان، في وقت سابق من الشهر الحالي، إنه يأمل في التوصّل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة في يونيو.
بعيداً عن الرسوم "المتبادلة"، تبرز قضايا جوهرية أخرى بالنسبة إلى اليابان، منها رسم ترمب القطاعي البالغ 25% على واردات السيارات، وعرض شركة "نيبون ستيل" (Nippon Steel Corp) بقيمة 14.1 مليار دولار للاستحواذ على شركة "يونايتد ستيل" (United States Steel Corp).
لكن صناع القرار في طوكيو يفضلون تخصيص وقت أطول، على تقديم تنازلات كبيرة لإنهاء الأمور بسرعة. وقال رئيس الوزراء، شيغيرو إيشيبا، بعد مكالمة مع ترمب الجمعة: لقد دأبنا على المطالبة بإلغاء التدابير الجمركية".
كوريا الجنوبية 25%
تواجد مسؤولون كوريون جنوبيون أيضاً في واشنطن حتى يوم الجمعة لإجراء جولة ثانية من "المناقشات التقنية".
وذكرت "بلومبرغ نيوز" أن وفداً على مستوى فرق العمل أجرى محادثات متابعة. وقد ترأّس الاجتماعات مدير عام سياسات التجارة، تشانغ سونغ-غيل، والتي كانت مصمّمة لمتابعة المحادثات الوزارية التي عُقدت الأسبوع قبل الماضي في كوريا الجنوبية، حيث اتفق الجانبان على التركيز على ستة مجالات: التجارة المتوازنة، التدابير غير الجمركية، الأمن الاقتصادي، التجارة الرقمية، بلد المنشأ للمنتج، والاعتبارات التجارية.
فيتنام 46%
قالت فيتنام الأسبوع الماضي إنها أحرزت تقدماً في الجولة الثانية من المحادثات التجارية مع الولايات المتحدة.
ووفقاً لبيان نُشر على موقع وزارة التجارة، فقد حدّد الجانبان بعد ثلاثة أيام من المفاوضات "مجموعات من القضايا التي تم التوصل بشأنها إلى توافق أو تقارب في وجهات النظر، ومجموعات أخرى بحاجة إلى مزيد من النقاش".
وأضاف البيان أن المحادثات ستستمر في يونيو، بينما ستُكلف فرق فنية بـ"مواصلة تعزيز التفاوض من أجل التوصل إلى اتفاق في أقرب وقت ممكن، بما يتوافق مع تطلعات وشروط كل طرف".
تايلندا 36%
أعربت تايلندا عن استعدادها لإجراء محادثات مع الولايات المتحدة في واشنطن "قريباً"، وفقاً لما صرح به وزير التجارة، بيتشاي ناريبتافان، بعد لقائه مع ممثل التجارة الأميركي، جيمسون غرير، في منتصف مايو.
أمرت رئيسة الوزراء، بيتونغتارن شيناواترا، المسؤولين بتشديد معايير إصدار شهادات المنشأ، في إطار استعداد البلاد للمحادثات مع إدارة ترمب.
وتتوقع تايلندا تقليص فجوة تجارتها مع الولايات المتحدة بما يصل إلى 15 مليار دولار سنوياً، من خلال مبادراتها الأخيرة لمنع إساءة استخدام قواعد المنشأ في الصادرات، بحسب ما أفاد به وزير المالية، بيتشاي شونهفاجيرا.
كندا
تجنّبت كندا حتى الآن الرسوم "المتبادلة" التي فرضها ترمب، رغم أنها استُهدفت بإجراءات تجارية أمريكية أخرى. أبرز هذه الإجراءات هو الأمر التنفيذي المتعلق بالفنتانيل، بعد فرض رسم جمركي بنسبة 25% على معظم الواردات المصنّعة في كندا في 4 مارس. لكن بعد فترة وجيزة، أعفى ترمب السلع المشمولة ضمن اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا (USMCA).
ثم جاءت رسوم ترمب الإضافية على السيارات الأجنبية والصلب والألمنيوم، والتي تُهدد بتقويض السوق الكندية المرتبطة بشدة مع الولايات المتحدة.
ويهدف رئيس الوزراء، مارك كارني، في نهاية المطاف إلى إبرام اتفاق تجاري شامل، يُرجَّح أن يكون نسخة محدّثة من اتفاقية "USMCA". ولا يوجد حالياً جدول زمني محدد للمحادثات الرسمية.
المكسيك
بصفتها الطرف الآخر في اتفاقية (USMCA)، استفادت المكسيك أيضاً من رفع الرسوم الجمركية عن السلع المتبادلة بموجب الاتفاق، والذي يُقدّر وزير الاقتصاد، مارسيلو إبرارد، أنه يُعفي نحو 86% من السلع المتداولة مع الولايات المتحدة.
لكن قطاع السيارات الحيوي لا يزال يواجه رسوماً تقارب 15% على الأجزاء غير الأمريكية في المركبات مكتملة الصنع.
تسعى المكسيك للحصول على معاملة تفضيلية في وقت تتعاون فيه مع الولايات المتحدة بشأن القضايا الأمنية. وقالت الرئيسة، كلوديا شينباوم، يوم الخميس، إنها ناقشت الرسوم الأمريكية على الصلب والألمنيوم خلال آخر مكالمة لها مع ترمب.