هل يخفض قرار ترمب أسعار الأدوية في أمريكا ويرفعها في الخارج؟

هل يخفض قرار ترمب أسعار الأدوية في أمريكا ويرفعها في الخارج؟
"رويترز"

حدد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب سلسلة من الإجراءات الرامية إلى خفض أسعار الأدوية في الولايات المتحدة عبر أمر تنفيذي جديد كان قد أصدره قبل نحو أسبوع.

لكن القرار، الذي حظي بشعبية واسعة بين الأمريكيين، ينطوي على آثار اقتصادية بعيدة المدى، قد تتجاوز الحدود الأمريكية.

يثير هذا القرار وإجراءاته تساؤلا جوهريا حول ما إذا كان سيخفض أسعار الأدوية عالميا، أم سينقل العبء إلى الخارج مقابل تخفيف التكاليف على المستهلك الأمريكي.

كيف يمكن أن يخفض قرار ترمب أسعار الأدوية في أمريكا؟

آلية تسعير الأدوية المعمول بها حاليا في الولايات المتحدة تجعل المستهلكين هناك يدفعون ما يصل إلى ضعفي أو 3 أضعاف ثمن الدواء، مقارنة بالأسعار في دول أخرى مثل فرنسا وألمانيا وكندا.

أما أمر ترمب التنفيذي فيعتمد على نموذج تسعير "الدولة الأكثر رعاية"، الذي ينص على أن تقوم برامج الرعاية الصحية الفيدرالية بشراء الأدوية بثمن لا يتجاوز أدنى سعر مدفوع لها في الدول المتقدمة الأخرى، بحسب ما قاله لـ "الاقتصادية" الدكتور إم. ستيف من جمعية أبحاث ومصنعي الأدوية في المملكة المتحدة.

مواءمة أسعار الأدوية في الولايات المتحدة مع الأسعار العالمية ستمكن إدارة ترمب من توفير مليارات الدولارات في الإنفاق على الرعاية الصحية، بحسب ستيف.

كيف يمكن أن يرفع القرار الأسعار العالمية للأدوية؟

تتوقع الدكتورة جيسيكا رانسوم، أستاذة الاقتصاد الدولي، أن يؤدي هذا القرار إلى ارتفاع أسعار الأدوية عالميا، ولا سيما في الدول التي تتمتع بأسعار دواء منخفضة بفضل الضوابط الحكومية والدعم العام.

ترى أستاذة الاقتصاد الدولي أن من شأن القرار أن يدفع شركات الأدوية الأمريكية إلى السعي للحفاظ على هوامش أرباحها عبر رفع أسعار صادراتها.

وأظهرت دراسة لـ "معهد المراجعة السريرية والاقتصادية" العام الماضي أن مواءمة الأسعار الأمريكية مع مستويات الاتحاد الأوروبي قد تخفض الإنفاق الأمريكي الحكومي على الأدوية بأكثر من 85 مليار دولار سنويا، وفقا لما قالته رانسوم لـ "الاقتصادية".

لكن الدراسة أشارت في المقابل إلى أن هذه المواءمة قد ترفع أسعار الأدوية بما يصل إلى 25% في دول مثل إسبانيا وإيطاليا، إذا أعادت شركات الأدوية هيكلة إستراتيجياتها السعرية عالميا.

جماعات ضغط تعارض قرار ترمب وتحذر من تبعاته

بدت معارضة جماعات الضغط في قطاع الأدوية صريحة منذ لحظة الإعلان عن القرار، إذ حذّرت "جمعية أبحاث ومصنعي الأدوية الأمريكية" من تبعات القرار السلبية، بما في ذلك تراجع الاستثمارات في الابتكار وإمكانية حدوث نقص في الأدوية.

أنفقت الجمعية أكثر من 380 مليون دولار في العام الماضي وحده للضغط على الكونجرس والإدارة الأمريكية لتمرير تشريعات تصب في مصلحة الشركات.

تجادل هذه المجموعات بأن ضوابط الأسعار تقوّض تمويل البحث والتطوير، خاصة في مجالات الأمراض النادرة والخطرة، وفقا لما قالته لـ "الاقتصادية" الدكتور أونيل جريفيث، أستاذ سياسات الصحة.

لكن إدارة ترمب سارعت بالرد بأن الوفورات الناتجة عن خفض الإنفاق الحكومي على الأدوية سيُعاد استثمارها في دعم الابتكار المحلي. وقال جريفيث: "سيحاول ترمب الالتفاف على مقاومة مجموعات الضغط من خلال تعبئة الرأي العام مباشرة".

لضمان نجاح الأمر التنفيذي، ستسعى إدارة ترمب إلى تبسيط اللوائح التنظيمية، وستجبر شركات الأدوية على الإفصاح عن تكاليف البحث والتطوير والفروق السعرية بين الأسواق المحلية والعالمية؛ كما يمكنها تسريع وتيرة استيراد الأدوية من كندا والاتحاد الأوروبي لتوفير بدائل منافسة، بحسب جريفيث.

الرسوم الجمركية قد تعيق جهود خفض الأسعار

لكن الرسوم الجمركية التي أعلنها ترمب قد تعيق نسبيا جهوده لخفض أسعار الدواء في الولايات المتحدة، عبر تقليص قدرة شركات الأدوية غير الأمريكية على امتلاك حصة ملحوظة في السوق الأمريكية ومنافسة نظيراتها الأمريكية داخل أراضيها، بحسب أستاذ سياسات الصحة.

وقال جريفيث: "إذا نجح الأمر التنفيذي، فقد يعيد تشكيل سلسلة توريد الأدوية العالمية، مع آثار طويلة المدى على أنظمة التسعير وحوافز الابتكار حول العالم."

يمثل الأمر التنفيذي الذي أصدره ترمب تحولا من سياسة دوائية سلبية إلى نهج تدخلي، تعلن واشنطن من خلاله عزمها أن تكون جهة مؤثرة في تحديد أسعار الأدوية على المستوى الدولي، لا مجرد متلق للأسعار.

هذه السابقة قد تستمر حتى بعد رحيل ترمب عن البيت الأبيض، وتعيد رسم معالم الاقتصاد الدوائي العالمي لسنوات مقبلة.

الأكثر قراءة