موجة تشييد مبان شاهقة في الرياض.. 100 برج قيد الإنشاء باستثمارات 100 مليار ريال

موجة تشييد مبان شاهقة في الرياض.. 100 برج قيد الإنشاء باستثمارات 100 مليار ريال

وتيرة الإنشاءات في العاصمة السعودية تتسارع بطفرة بناء ضخمة وتحولات عمرانية تعيد تشكيل ملامح الرياض الحديثة، سواء على الأرض بتطوير مشروعات أو في السماء بتشييد أبراج شاهقة.

100 برج تجاري وسكني باستثمارات تصل إلى 100 مليار ريال، في مراحل التشييد النهائية، لتضاف إلى 25 ناطحة سحاب موجودة حاليا في الرياض، بتأثيرات لن تنحصر في جذب الشركات متعددة الجنسيات، بل تمتد إلى تعزيز ثقة المستثمرين، بحسب إحصائيات حديثة ومسؤول في شركة نايت فرانك العالمية وخبراء ورؤساء تنفيذيين لشركات تحدثوا لـ"الاقتصادية".
وبحسب الخبراء، تشهد الرياض تغيرا في أنواع العقارات السكنية والمكتبية، مع توجه المطورين إلى بناء الأبراج في عدة أحياء، فيما تحتل المركز الثالث في عدد الأبراج على مستوى الشرق الأوسط ضمن تصنيف مجلس المباني العالية والموئل الحضري.

أشاروا إلى أنه يسمح بإنشاء ناطحات سحاب دون تقييد على طريق الملك سلمان والشريط التجاري، حيث تحسب مساحة البناء وعدد الأدوار بناء على معامل البناء المخصصة لكل موقع ومن ثم تضرب في مساحة الأرض، مستدلين على ذلك ببناء 30 دورا على أرض مساحتها 3000 متر في طريق الملك سلمان.
أوضحوا أن هذه المشروعات ليست مجرد مبان شاهقة، بل مراكز للسياحة والأعمال والمراكز التجارية والفنادق، تسهم في تنويع الاقتصاد، وتدعم قطاعات عدة كالخدمات المالية والسياحة والتجزئة، وسط توقعات بارتفاع الطلب على المكاتب والشقق السكنية في هذه الأبراج، مع تزايد عدد سكان الرياض واهتمام متزايد بالاستثمار فيها.


ارتفاع متوقع للطلب على الأبراج

هنا يقول محمد عيتاني، الشريك ورئيس مبيعات وتسويق المشروعات السكنية في شركة نايت فرانك الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ورئيس السوق السعودية: إن الرياض تشهد اليوم تغيرا في أنواع العقارات السكنية والمكتبية، مع توجه المطورين إلى بناء الأبراج وناطحات السحاب في عدة أحياء.
وناطحات السحاب تتسم عن الأبراج، بارتفاعها الشاهق الذي لا يقل عن 150 مترا، على عكس الأبراج التي تكون ارتفاعاتها دون ذلك.
وبحسب عيتاني، فإن البناء العامودي يحمل عديدا من الفوائد، أبرزها تركيز الكثافة السكانية في مناطق محددة، وعادة ما تكون هذه الأبراج في مواقع مخدومة يسهل الوصول إليها، مضيفا أن التطوير الذي شهدته مدينة الملك عبدالله المالية إلى جانب بناء الأبراج في عدة أحياء مثل حي الصحافة، أدى إلى إضافة طابع جمالي للعاصمة.

ويبحث المستثمر العالمي اليوم عن مشاروعات مستدامة، صديقة للبيئة، ذات تصميم عصري يواكب تطلعات مدينة مستقبلية مثل الرياض ويجعلها إحدى أبرز العواصم جذبا في العالم.
وتوقع ارتفاع الطلب على المكاتب والشقق السكنية في هذه الأبراج، مع اهتمام متزايد من المستثمرين السعوديين والأجانب بالاستثمار فيها، مع تزايد عدد سكان الرياض إلى 9.5 مليون عام 2030، إلى جانب استضافة المدينة لمعرض إكسبو 2030.
عيتاني أشار إلى أن التصاميم والمرافق المحيطة بالمشروعات تؤدي دورا في جذب المشترين والمستثمرين، بخلاف السياح والزوار، خاصة مع توجه الرياض لتصبح من أفضل 10 مدن في العالم ضمن مستهدفات رؤية 2030، ومواكبة للنهضة البشرية والعمرانية التي تشهدها.

25 ناطحة سحاب تزين سماء العاصمة

وبحسب معلومات "الاقتصادية"، بلغ عدد ناطحات السحاب التي تعلو سماء الرياض 25 ناطحة بها أكثر من 35 طابقا، وبارتفاع لا يقل عن 150 مترا، وفقا للتصنيف العالمي للمباني.
ويتمركز أبرزها في مركز الملك عبدالله المالي إضافة إلى مباني المملكة والفيصلية، وعلى الصعيد العالمي تتصدر هونج كونج مدن العالم بأكثر من 500 ناطحة سحاب.
فيما تشير التوقعات إلى تزايد أعداد الأبراج في الرياض مقارنة بالنمو الاقتصادي في المدينة خلال الفترة الحالية والسنوات المقبلة.

تحول يعزز مركز الرياض الاقتصادي

قال الرئيس التنفيذي لشركة آد للهندسة، المهندس عيسى التميمي: إن الأبراج الـ100 التي تشهد الرياض بناؤها تشمل القطاعات السكنية والتجارية والفندقية، مع مشروعات كبرى تعيد تعريف skyline.
وتطوير الأبراج السكنية والتجارية أصبح ركيزة أساسية في جذب الاستثمارات وتعزيز مكانة الرياض كمركز اقتصادي عالمي، بما يدعم تدفق رؤوس الأموال، وبما يتماشى مع رؤية السعودية 2030.
وستشهد العاصمة السعودية تطورات كبيرة بالتزامن مع استعدادها لاستضافة "إكسبو 2030" وكأس العالم لكرة القدم 2034.

التميمي أشار إلى أن انتشار الأبراج يشجع على تدفق الاستثمارات وتوفير بيئات عمل متطورة تلبي متطلبات الشركات العالمية، خاصة في ظل برنامج "المقرات الإقليمية" الذي جذب عديدا من الشركات متعددة الجنسيات إلى الرياض.
وأطلقت السعودية مشروعات عقارية وبنية تحتية بقيمة 1.3 تريليون دولار خلال الثمانية أعوام الماضية، كجزء من خطتها لتنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط، بحسب تقرير حديث لمجموعة الاستشارات العقارية "نايت فرانك".

بيئات متكاملة للسكن والعمل والترفيه

تعتمد التصاميم الحديثة على مزج التراث المحلي مع التقنيات المعمارية المتقدمة، ما يخلق طابعا فريدا يعكس هوية الرياض، بمعايير للاستدامة وكفاءة الطاقة، ما يعزز التنمية الحضرية الذكية، بحسب الرئيس التنفيذي لشركة آد للهندسة.
التميمي أضاف أن الأبراج تسهم في رسم ملامح جديدة للعاصمة، وتحولها من مدينة ذات مبان منخفضة إلى مبان حضرية تعكس التقدم والحداثة، توفر بيئات متكاملة للسكن والعمل والترفيه، ما يعزز جودة الحياة ويربط الرياض بالمدن العالمية.

لفت إلى أن انتشار الأبراج في الرياض يمثل تحولا إستراتيجيا، يسهم في تحسين البيئة الحضرية وتعزيز مكانة المدينة على الخريطة العالمية.
وارتفع حجم المشروعات العقارية والبنية التحتية في السعودية بنسبة 4 % خلال العام الماضي على أساس سنوي، وهذا يشمل أكثر من مليون وحدة سكنية ومشروعات ضخمة مثل مدينة نيوم المطلة على ساحل البحر الأحمر.

الرياض الثالثة في الشرق الأوسط

من جانبه، ذكر الدكتور فهد العتيبي المستشار في هيئة فنون العمارة والتصميم، أن الرياض احتلت المركز الثالث في عدد الأبراج على مستوى الشرق الأوسط ضمن تصنيف مجلس المباني العالية والموئل الحضري.
بحسب العتيبي، فإن الرياض تشهد موجة كبيرة من بناء الأبراج في الشريط التجاري الذي يقع ما بين طريق الملك فهد والعليا، ويضم حاليا ما يربو على 100 برج.

لم تتنظر الرياض طويلا حتى تدخل سباق الأبراج على مستوى مدن العالم، ففي الستينيات الميلادية ظهرت عدد من العمائر السكنية المرتفعة مثل عمارة العزيزية وزهرة الرياض، التي تعتبر أبراجا بمقاييس المحيط العمراني للمساكن التي لم تكن تتجاوز الطابقين في ذلك الوقت.
وظهرت بعد ذلك مباني غيرت سماء المدينة مثل برج بنك الرياض في البطحاء الذي اعتبر واحدة من أهم الأبراج الذي ظل لفترة طويلة الأبرز في سماء العاصمة، حتى الوصول لبرج مركز الفيصلية الأول من تصميم كينزو تانج مرورا ببرجي الفيصلية والمملكة.

تحديات وفرص في الوقت نفسه

يرى العتيبي، أن للأبراج، حضورا بصريا قويا يجعلها عناصر أيقونية مهمة تشكل سماء المدن، كما لها قدرة في جذب الاستثمار، من خلال خلق بيئة جاذبة للشركات العالمية والمساهمة في رفع قيمة الأراضي المحيطة.
في المقابل، تأثير الأبراج كبير من حيث الضغط على البنية التحتية، وزيادة الكثافات ومن ثم زيادة الحركة المرورية والاستهلاك الكبير للطاقة، حيث تعتبر الأبراج من المباني ذات التكلفة العالية في التشغيل.

وهذا ما اعتبره المستشار في هيئة فنون العمارة والتصميم، تحديات وفرص في نفس الوقت لتقليل الأثر السلبي لهذه النوعية من المباني وزيادة أثرها الإيجابي على مستوى المدينة.
وعلى مدى زمن تطور المباني العالية بدءا من نشأتها في نهاية القرن التاسع عشر في شيكاغو إلى الوقت الحالي، كانت ثنائية الصورة والاقتصاد هي المحرك الرئيس لتصميم هذه النوعية من المباني، وربما تستثني الفترة التي لحقت بالأزمة الاقتصادية في بداية السبعينيات.
والاهتمام بكفاءة تصميم المباني من ناحية ملاءمتها للنسيج العمراني المحيط، وتقليل اعتمادها على وسائل التحكم الصناعي، أدى إلى خفض الطاقة في المباني التي صممت بعد هذا التاريخ.

وذكر أن التجربة الأوربية في بناء ناطحات السحاب كانت مختلفة عن التجربة الأمريكية، حيث تقوم على تصميم مبان ذات كفاءة وتقليل الاعتماد بشكل كبير على التحكم الصناعي في المباني، ومنها أمثلة عديدة قائمة من المباني في لندن وفرانكفورت وروتردام، على هذا النهج الفعال من البناء المستدام.
ومن المهم مراعاة عند بناء المباني العالية ثلاثة عوامل رئيسية الهوية والصورة البصرية، التكامل العمراني والعلاقة مع المحيط، والأداء البيئي ومراعاة الاستدامة البيئية.

توفير مساحات تجارية وفق أعلى المعايير

يرى الخبير في الهندسة المعمارية، المهندس مشاري الراشد، أن هذه الأبراج توفر بيئة جاذبة للشركات العالمية والمستثمرين من خلال تقديم مساحات مكتبية وتجارية وفق أعلى المعايير، إلى جانب تكاملها مع بنية تحتية متطورة، ما يزيد على ثقة المستثمرين ويدفعهم لضخ رؤوس أموالهم في السوق السعودية.
وتصاعد الطلب على هذه المشروعات يسهم في تحفيز قطاعات اقتصادية متعددة مثل العقارات، البناء، والتكنولوجيا، بحسب الراشد.

ومنذ 2016، منحت السعودية عقودا عقارية بقيمة 164 مليار دولار، فيما استحوذ مشروع نيوم على الحصة الأكبر من هذه الاستثمارات، بقيمة 28.7 مليار دولار، مع تركيز الإنفاق بشكل كبير على تطوير مشروع "ذا لاين".
يضيف الراشد، أن انتشار الأبراج يسهم في تغيير ملامح الرياض وجعلها مدينة أكثر حداثة وتطورا، حيث تعكس الطابع العصري والمتقدم للعاصمة، كما أن تصاميمها المعمارية التي تمزج بين الأصالة والحداثة، تساعد على تعزيز هوية الرياض وإبرازها كمدينة عالمية.

تحسين الاستدامة ورفع كفاءة الطاقة

تسهم الأبراج في تحسين المشهد العمراني وتنظيم استخدام المساحات، ما يجعل المدينة أكثر تكاملا وجاذبية، بحسب الراشد.
أشار إلى أن هذه الأبراج لا تقتصر على توفير مساحات سكنية أو تجارية، بل تعكس مستوى التطور العمراني وتسهم في صناعة هوية خاصة للمدينة من خلال تطبيق معايير الكود السلماني.
كما أن اعتماد مفاهيم الاستدامة في التصميم، يسهم في رفع كفاءة الطاقة ويجعل الأبراج جزءا من رؤية المدن الحديثة.
وتحاول السعودية التغلب على التحديات المتعلقة بسلاسل التوريد والعمالة والتكاليف لضمان تحقيق الأهداف المرجوة، في عديد من مشروعات العقارية والبنية التحتية الضخمة.

استقطاب العلامات التجارية الكبرى

الراشد ذكر أن استثمارات هذه الأبراج المليارية تؤدي دورا رئيسيا في جذب رؤوس الأموال المحلية والدولية، وتعزز من تنويع مصادر الدخل ودعم القطاع العقاري كأحد القطاعات المهمة.
أضاف، أن المدن التي تضم الأبراج وناطحات السحاب تسهم في تعزيز الاقتصاد، من خلال توفير بيئة أعمال متطورة تدعم مختلف الشركات من الناشئة إلى الكبرى.
وتجذب هذه المباني الشركات العالمية عبر مراكزها المالية، وتنشط الحركة التجارية من خلال استقطاب العلامات التجارية الكبرى، وزيادة الطلب على قطاع الضيافة، ما ينعكس إيجابا على السياحة والأنشطة الاقتصادية.
ويتوقع أن تضيف السعودية 362 ألف غرفة فندقية جديدة و4.6 مليون متر مربع من المساحات المكتبية، بحلول نهاية العقد لتلبية احتياجات العدد من المتزايد من السياح، ما سيكون عنصرا أساسيا لتحقيق مستهدف استقطاب 150 مليون زائر بحلول 2030.

إنشاءات دون تقييد بارتفاع معين

قال المهندس مشاري الراشد، "يسمح بإنشاء ناطحات سحاب دون تقييد على طريق الملك سلمان والشريط التجاري"، مضيفا أن مساحة البناء وعدد الأدوار تحسب بناء على معامل البناء المخصصة لكل موقع ومن ثم تضرب في مساحة الأرض.
والمعامل الخاص في طريق الملك سلمان يبلغ 3، فيما يبلغ لطريق الملك فهد الشريط التجاري المعامل الخاص 4.25.

الراشد أضاف "لو افتراض عندنا أرض مساحتها 3000 متر على طريق الملك سلمان سيكون لنا مسطحات بناء بإجمالي 9000 متر، ولو قلنا الدور مساحة 300 متر، سيتم بناء 30 دورا، وفي حال بلغت مسطحات البناء على طريق الملك فهد 12750 مترا، يسمح ببناء 43 دورا إذا كانت مساحة الدور 300 متر".
تابع "باختصار عدد الأدوار يحددها مساحة الدور وليس نظام بناء في هذه المواقع"، مشيرا إلى أن الأراضي المحيطة بالمترو في نطاق 800 متر مربع لها استثناءات خاصة في بناء الأدوار، وبعضها يصل معامل البناء فيها إلى 8 وإلى 10.

مساحات خضراء وبنية تحتية ذكية

الأكاديمي المتخصص في الهندسة المعمارية الدكتور عزام العصيمي، لم يغفل أهمية المساحات الخضراء والبنية التحتية الذكية، وقال إنه سيتم تعزيز ذلك من خلال مشروعات ضخمة مثل مشروع “الرياض الكبرى” و"المسار الرياضي"، من خلال إنشاء الأبراج الشاهقة التي تحتضن الأنشطة السكنية والتجارية والسياحية.
أضاف العصيمي، أن الأبراج الحديثة تُعد وجهة مغرية للاستثمارات الأجنبية، حيث تعكس بيئة أعمال متكاملة تدعم الشركات العالمية والمحلية في توسيع أعمالها.
وتسعى المملكة إلى جذب استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 100 مليار دولار بحلول 2030، مع استهداف استضافة 150 مليون سائح سنويا في نفس الفترة.

ووفقا للعصيمي، تعد البنية التحتية المتطورة والمواقع الإستراتيجية والمساحات المخصصة للمكاتب الفاخرة، عوامل معززة لجاذبية الرياض كمركز إقليمي ودولي للاستثمار، ما يفتح آفاقا جديدة لتدفقات رؤوس الأموال الأجنبية ويدعم التنويع الاقتصادي ضمن أهداف رؤية 2030.
المشروعات الضخمة التي تعمل السعودية على إنشائها، تمهد الطريق أمام المملكة لتصبح أكبر سوق للإنشاءات في العالم وسط سعيها للوفاء بتسليم المشروعات قبل المواعيد النهائية.

مبان مستوحاة من التراث السعودي

وتحول الرياض التاريخي يهدف إلى إعادة تشكيل معالمها وهويتها بما يتماشى مع رؤية 2030 التي لا تقتصر على التوسع العمراني فحسب، بل تمتد إلى تحويل العاصمة إلى مدينة عالمية متكاملة، بحسب العصيمي.
من خلال هذه الرؤية، سيتم بناء معالم جديدة تخلد المرحلة التاريخية الحالية، وتبرز الرياض كرمز للتغيير الإيجابي والتنمية الشاملة مع المحافظة على هويتها الثقافية المتأصلة.
وستعكس الهوية الجديدة مكانة العاصمة كواحدة من أكثر المدن تطورا في العالم، بالتركيز على التصاميم المستدامة والابتكارات العمرانية المستوحاة من التراث، مع تعزيز مفهوم الحياة العصرية بتصاميم تلائم الحياة الحضرية المتقدمة دون المساس بجوهر الثقافة السعودية.

الأكثر قراءة