ملهم .. أرض التقنية والصقور والشركات المليارية

حتى سنوات قليلة مضت، لم يكن العالم يعرف عن مَلهم التي تبعد 70 كم شمال غرب الرياض، سوى أنها قرية تتبع محافظة حريملاء، وتشتهر بأماكن سياحية خلّابة مثل وادي شعيب وسد ملهم، وتاريخيًا فهي ذات جذور عريقة، إذ سكنتها قبائل من بكر بن وائل واعتنقوا المسيحية قبل أن يدينوا بالإسلام، ويشارك أهلها بعد ذلك في صنع تاريخ المملكة، بداية من مساندة سعود الكبير، إمام الدولة السعودية الأولى، ووصولًا إلى دعم الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود في توحيد نجد والحجاز. لكن إذا كتبت "ملهم" الآن في أي محرك بحث، لن تقتصر النتائج على التاريخ والجغرافيا، بل ستظهر عناوين مثل (معارض عالمية في ملهم، ملهم أرض الاستثمار) وهكذا، ناهيك عن مكاسب خرافية تبحث عنها شركات التقنية والتكنولوجيا العملاقة، خاصة بعد إعلان المهندس عبد الله بن عامر السواحه، وزير الاتصالات وتقنية المعلومات، مؤخرًا إطلاق استثمارات بقيمة 11.9 مليار دولار لدعم قطاعات التقنيات الناشئة والعميقة والابتكار. هذه الطفرة، نتاج تخطيط السنوات الماضية، تحديدا منذ إطلاق رؤية المملكة 2030، التي استهدفت دعم الاقتصاد غير النفطي ليشكل 65 % من الناتج المحلي، وكان قطاع سوق الاتصالات وتقنية المعلومات في مقدمة القطاعات التي حظيت بدعم أهّلها أن تحقق نموا متسارعا ليصل حجم سوقها حتى 2022 إلى نحو 154 مليار دولار. وسط كل هذا كانت "ملهم" هي أرض الفرص، فتم تجهيز مركز الرياض للمعارض والمؤتمرات فيها، لتُصبح البلدة الهادئة حديث الأوساط العالمية، خاصة بعد توالي المعارض الدولية وكان أولهم معرض "ليب" لدعم التقنيات المستقبلية في 2022، وقد حقق حينها استثمارات بنحو 6.4 مليار دولار، منها إطلاق صندوق "بروسبيرتي 7" بقيمة مليار دولار، واستثمار شركة "نيوم التقنية الرقمية القابضة" بمليار دولار" وغيرها. وفي 2023، استضافت "ملهم" معرض "سيتي سكيب" العالمي، وقد شارك فيه 10 آلاف مستثمر في مجال الأمن السيبراني والبرمجة، وحقق وقتها استثمارات تجاوزت 110 مليارات ريال، فيما وصل عدد زواره 160 ألف زائر، ونتيجة لهذا الإقبال الضخم، كان من الطبيعي أن توقع شركة "سال" في نفس العام، مذكرة تفاهم مع شركة "صلة" من أجل تعزيز وتطوير "ملهم" لوجستيا . ولذلك لم يكن غريبا أن يشهد مؤتمر "ليب 24" الذي عقد منذ أيام في ملهم، استثمارات وصلت إلى 13.4 مليار دولار، منها 5.3 مليار دولار قيمة منطقة سحابية فائقة السعة في المملكة أعلنتها شركة "امازون"، و250 مليون دولار لإنشاء أول مركز عالمي لتطوير البرمجيات أعلنته "آي بي إم"، وأول نموذج ذكاء اصطناعي توليدي في العالم ستطلقه أرامكو، ناهيك عن اسثتمارات أخرى للشركات الناشئة "فرس الرهان" في هذا المؤتمر، إذ حصلت على تمويلات بنحو 888 مليون دولار. وعلى هامش "ليب 24" وقعت "مايكروسوفت" مع الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي "سدايا" مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون وبناء القدرات الوطنية وتطويرها، لتصبح "ملهم" شاهدة على قفزات سوق التقنية في المملكة، التي بلغت قيمتها 183 مليار ريال بنهاية 2023، وبنسبة نمو تجاوزت 9 % عن 2022. هذا التطور، في رأي كثيرين مجرد بداية، فإذا كانت "ملهم" لم ترض إلا بـ"الصقر" لتكون مقرا لناديه ومعرضه الذي شارك فيه 17 دولة عام 2022، فلن تقبل أيضًا إلى أن تكون "صقر التقنية" باحتضانها لكل تلك الثورة المعلوماتية، وإن كان عدد المشاركين من الدول تلك المرة سيتضاعف كثيرا، فـ"ليب 24" وحده جاءه 215 ألف زائر، وهذا ليس غريبا في المملكة التي بلغ حجم الاقتصاد الرقمي فيها 460 مليار ريال، وأوجد وظائف وصلت إلى 354 ألف، لتعزز مكانتها ضمن أسرع 10 دول نموا في هذا القطاع.