كيف استبق حكام السعودية نظرية هيغل؟ .. لا اقتصاد قوي بدون دولة قوية
كيف استبق حكام السعودية نظرية هيغل؟ .. لا اقتصاد قوي بدون دولة قوية
يرى الفيلسوف الألماني فريدريش هيغل (1770-1830) أنه لا يمكن بناء اقتصاد قوي إلا بدولة قوية، تلك القاعدة طبقها قبله الإمام محمد بن سعود (1710-1765)، فيذكر المؤرخ ابن بشر في كتابه "عنوان المجد في تاريخ نجد"، أنه قبل الدولة السعودية الأولى، ساد الفقر نتيجة غياب الأمن وهجمات اللصوص، لكن ذلك تغير مع مجيء "الإمام" الذي اتخذ الدرعية عاصمة له، لما تتمتع به من موقع جغرافي مقرون بمميزات طبيعية، ومع قائد بمواصفات ابن سعود، ساد العدل وتبعه الرخاء.
وكما يوضح ابن بشر، فإن الأحوال التجارية ازدهرت في عهد "الإمام" الذي طبق سياسة مالية حديثة فأصبح هناك مصروفات وإيرادات للدولة، بجانب بيت مال له أفرع بما يشبه نظام "البنك المركزي" الآن، وانعكس ذلك على السكان الذين أسسوا بيوتا غلبت عليها الزخارف والنقوش المترفة، وتكلل كل هذا بتداول العملة النقدية التي سميت "دولار ماريا تريزا" أو كما عرف في السعودية بـ"الريال الفرنسي" واستمر التعامل به حتى توحيد البلاد 1932.
وإذا كان "يوم بدينا" ذكرى لعصر رخاء، فيوم التأسيس الذي تم إقراره في 2022 ليكون 22 فبراير من كل عام ذكرى تأسيس الدولة السعودية، أصبح خطا ممتدا بين رخاء الماضي ورفاهية الحاضر، يدلل على ذلك المكاسب الاقتصادية لهذا اليوم. وفي نظرة سريعة نجد أن رحلات الطيران يزداد الطلب عليها بالتزامن مع "عيد التأسيس"، وبحسب "سكاي سكانر" ارتفعت عمليات البحث عن رحلات الطيران إلى السعودية خلال الأسابيع الماضية بنسبة 71%، إضافة إلى تصدر السعودية قائمة الأمم المتحدة للسياحة في نمو عدد السائحين الدوليين خلال 2023، إذ وصلت نسبة الزيادة 56% مقارنة بـ2019، كما بلغ حجم ما ينفقه الزائرين أكثر من 100 مليار ريال في العام.
الانتعاش في القطاع السياحي انعكس على قطاعات أخرى مثل سوق المطاعم الذي يقدر بنحو 23 مليار دولار، ومرشح أن يصل إلى 45 مليار دولار في 2030، وأسهم يوم التأسيس منذ إقراره في ازدهار هذا القطاع بنسبة 5%، كما أسهم في زيادة الإشغالات الفندقية التي تسجل ارتفاعا ملحوظا في الـ22 من فبراير خاصة إنه إجازة رسمية.
أما الرابح الأكبر من يوم التأسيس، فهو قطاع الأقمشة التراثية الذي ترتفع مبيعاته بنسبة 100% في هذا العيد، نتيجة إقبال السعوديين عليه احتفاء بهويتهم، ويصل سعر العقال المقصب إلى 90 ريالا قابلا للزيادة، أما البرقع فيبلغ ثمنه 80 ريالا وأكثر، وهي زيادة لا تمنع نفاد البضائع، ما دفع التجار إلى انتظار اليوم كل عام، للاحتفال من ناحية، ولأن مبيعاته تعادل عاما كاملا من ناحية أخرى، واستثمارا لتلك الحالة، طرحت وزارة التجارة موسم تخفيضات يتزامن مع يوم التأسيس، وبلغت مدته 14 يوما في 2022 وشمل أكثر من ثلاثة ملايين منتج.
بالتزامن مع تلك المكاسب الاقتصادية، ثمة مكاسب أخرى تتحقق على المدى الطويل، مثل ترسيخ الهوية السعودية، ولذلك ابتكرت رؤية 2030 برنامج تعزيز الشخصية السعودية لربط الأجيال الجديدة بجذورهم التاريخية كان آخرها القرار الملكي بارتداء بعض الفئات المشلح (البشت) أخيرا، وتلك مكاسب تدفع الدول من أجلها مليارات الدولارات، وأبرز الأمثلة إنه منذ إقرار هذا العيد الوطني زاد الإقبال على زيارة الدرعية كونها عاصمة الدولة السعودية الأولى، وتقام عليها في الوقت الحالي مشروعات بتكلفة 63 مليار دولار، والمستهدف أن تجلب المدينة التاريخية 25 مليون زائر بحلول عام 2030.
وبعيدا عن الأرقام والأرباح، يعد يوم التأسيس أكبر دليل على وحدة الشعب السعودي لأكثر من ثلاثة قرون، يظهر ذلك جليا حين ترى الأحفاد يرتدون ملابس الأجداد فتتأكد من قدم تاريخ وقوة ثقافتهم، وإن كان على الجميع الآن أن يهرول إلى الديرة، حيث سوق المعيقلية في الرياض، أو سوق القيصرية في الهفوف، وكذلك سوق البلد في جدة التاريخية، لأن البضائع تنفد، خاصة البشوت ذات الدقة الملكية بألوانها الزاهية الأسود والأشقر والأبيض والعودي، ووصلت أسعارها 1200 ريال، أما النساء فحظهن أفضل، لأن إنتاج الطرحة والنشل والبراقع والمخانق متوافر أكثر لسهولة التصنيع.