الصندوق الصناعي .. "غولدمان ساكس" السعودية ومصنع العقول الفذة

الصندوق الصناعي .. "غولدمان ساكس" السعودية ومصنع العقول الفذة
الصندوق الصناعي .. "غولدمان ساكس" السعودية ومصنع العقول الفذة
وزراء الطاقة والصناعة والاستثمار ورئيس الصندوق الصناعي على هامش احتفالية الصندوق بمرور 50 عاما على تأسيسه. "الصندوق الصناعي"
الصندوق الصناعي .. "غولدمان ساكس" السعودية ومصنع العقول الفذة
محمد الجدعان وزير المالية والأمير سلطان بن خالد رئيس صندوق التنمية الصناعية من احتفالية الصندوق بمرور 50 عاما على تأسيسه أمس في الرياض

لم يكن "سيدني واينبرغ" سوى مصرفي متواضع، يقضي نصف وقته في بورصة وول ستريت، ثم يعود سيرا على الأقدام إلى سرداب منزل قريب لمتابعة باقي عمله، هذا السرداب ليس أكثر من شركة مالية أسسها أمريكي من أصل ألماني اسمه "غولدمان ساكس" بعد فشله في صناعة الملابس، لكن بعد أعوام قليلة، وبفضل صداقة واينبرغ مع"فرانكلين روزفلت" حينما كان الأخير حاكم نيويورك (1929-1932)، صعدت تلك الشركة وخرجت من سردابها لتسجل في سوق أسهم نيويورك باسم غولدمان ساكس، وحين أصبح "روزفلت" رئيسا لأمريكا (1933-1945) استعان بصديقه "واينبرغ" لإنشاء مجلس استشارات الأعمال ليكون قناة تواصل بين رجال الأعمال وصناع القرار الأمريكي.
عقود طويلة مرت، ومجلس الاستشارات أصبح اسمه "مجلس الأعمال"، وتأكيدا لحضوره الاقتصادي والسياسي اتخذه مقره قرب البيت الأبيض، دقائق سيرا على الأقدام، وبداية من روزفلت وحتى ترمب أصبح كل رئيس أمريكي يستعين به خلال فترة رئاسته ويتخذ من "المجلس" أعضاء ومسؤولين لإداراته، لكن الأهم أن منظومة غولدمان ساكس لم تتوقف عند حدود القارة الأمريكية، فأخرجت للعالم زعماء وقادة ورجال اقتصاد وسياسة بارزين، أبرزهم ريشي سوناك رئيس الوزراء البريطاني، ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأمريكي في عهد ترمب، جيف بيزوس مؤسس "أمازون"، ستيفن منوشين وزير الخزانة الأمريكي السابق، إضافة إلى خوسيه مانويل، الرئيس السابق للمفوضية الأوروبية، وغيرهم الكثير في مؤسسات المال والأعمال.
لكن مؤسسة "غولدمان ساكس" التي تملك 850 مليار دولار ولديها فروع في 30 دولة، لم تكن هي الوحيدة عالميا، ففي منطقة الشرق الأوسط وتحديدا عام 1974، تم إنشاء صندوق التنمية الصناعية السعودية، ليكون مسؤولا عن دعم الصناعة في السعودية وتطويرها، من خلال القروض طويلة الأجل ذات التكاليف المنخفضة، بجانب إحداث طفرة في المصانع والمرافق الصناعية السعودية، وتأهيل الكوادر البشرية وإعداد دراسات الجدوى.
وعلى مدار خمسة عقود، كان الصندوق ركنا أساسيا في التنمية، فوصلت قروضه إلى 180 مليار ريال حتى الآن، أسهمت في إنجاز أكثر من 4 آلاف مشروع في السعودية بقيمة استثمارية بلغت 700 مليار ريال، إضافة إلى تمويل مشروعات حكومية بقيمة 60 مليار ريال، بداية من دعم شبكة الكهرباء في منتصف سبعينات القرن الماضي، ووصولا إلى مبادرة تحفيز الصناعة المحلية في 2024.
وإذا كان النجاح الاقتصادي أثبتته الأرقام، فتأهيل الكوادر البشرية قصة أخرى تستحق أن تروى، فمن البداية وتحديدا عام 1975 وضع الصندوق هدفا آخر وهو الاستثمار في البشر، ولذلك أرسل 22 سعوديا لبرنامج "تشيس مانهاتن" الأمريكي، لتطوير أنفسهم وثقافتهم لإفادة بلادهم عند العودة، وهو ما استمر خلال عقود طويلة تطورت فيها العقول التي تدير هذا الصرح الوطني الذي لم يعد يحتاج إلى برامج خارجية ليواكب العصر، بل أضحى هو نفسه مصنعا لعشرات العقول الاقتصادية التي تدربت في أروقته وعلى يد قادته.
تشمل قائمة خريجي غولدمان ساكس، وزراء وقادة ومسؤولين، في المقابل تمكن صندوق التنمية الصناعية من تخريج جيل قيادي مميز، أشهرهم حمد السياري الذي دخل الصندوق أول موظف ثم تولى إدارته لاحقا إلى أن أصبح محافظا لمؤسسة النقد العربي (البنك المركزي) 1983-2009، ومن بين أبرز الذين دخلوا أروقة الصندوق، عبد العزيز الفريح مساعد وزير المالية، صالح الجاسر وزير النقل والخدمات اللوجستية، د. عبد الله الفوزان رئيس مجموعة "كي بي إم جي السعودية"، عبد الله رحيمي رئيس هيئة الطيران المدني السابق، وراشد شريف الرئيس التنفيذي للأهلي كابيتال، محمد العذل نائب محافظ الهيئة العامة للصناعات العسكرية، عبدالإله النمر نائب محافظ صندوق التنمية الوطني، وأيمن السياري، محافظ البنك المركزي حاليا وغيرهم كثر عملوا وتطورا وشربوا من ثقافة الصندوق الذي أصبح مصنعا للعقول الفذة على الطريقة السعودية وليست الأمريكية.
لذلك كان طبيعيا أن يؤسس الصندوق في 2019، أكاديميته الخاصة التي تتضمن المناهج والبرامج والقيادات ما يساعد عشرات الشباب السعودي في التعامل مع عالم المال والأعمال، بينما خلال خمسة أعوام أسهمت الأكاديمية في تخريج العشرات الذين يعملون في كبرى المؤسسات والمنظمات، كما واكب صندوق التنمية الصناعية رؤية السعودية 2030 من خلال التحول إلى مجالات جديدة مثل الطاقة والخدمات اللوجستية، وتبدو المفارقة ضخمة بعد إنفاق الصندوق في آخر خمسة أعوام حجم ما أنفقه طيلة تاريخه بعد تأسيسه، لا سيما وهو يصافح المستقبل برأسمال قدره 105 مليارات ريال.

الأكثر قراءة