شيخوخة السكان .. تحد خطر لآفاق الاقتصاد الصيني

شيخوخة السكان .. تحد خطر لآفاق الاقتصاد الصيني

تهدد شيخوخة السكان في الصين الأهداف الرئيسة لسياسة بكين خلال العقد المقبل المتمثلة في تعزيز الاستهلاك المحلي وكبح جماح الديون المتضخمة، ما يشكل تحديا خطرا لآفاق النمو الاقتصادي على المدى الطويل.
وأدى انخفاض معدل المواليد بشكل قياسي في 2023 وموجة الوفيات الناجمة عن كوفيد-19 إلى انخفاض عدد السكان للعام الثاني على التوالي، ما أدى إلى تسارع المخاوف بشأن الانكماش الديموغرافي في الصين، بحسب ما نشرت "رويترز".
وستخرج مجموعات كبيرة من البشر الذين يعيشون في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، والذين يبلغ تعدادهم 1.4 مليار نسمة، من مجمع العمالة وتتقدم أعمارهم بعد فترة ذروة من حياتهم للاستهلاك، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم اختلالات التوازن البنيوية التي تعهد صناع السياسات بمعالجتها.
إن حصة الاستهلاك الأسري في الناتج الاقتصادي في الصين أصبحت بالفعل واحدة من أدنى المعدلات في العالم، في حين أن عديد من حكومات المقاطعات -المسؤولة عن معاشات التقاعد ورعاية المسنين- غارقة في الديون نتيجة لعقود من النمو القائم على الاستثمار.
وقال شيوجيان بينج، كبير باحثي مركز دراسات السياسة بجامعة فيكتوريا في ملبورن، إن "تغير الهيكل العمري في الصين سيبطئ النمو الاقتصادي".
وفي الأعوام العشرة المقبلة، من المقرر أن يغادر نحو 300 مليون شخص تتراوح أعمارهم بين 50 إلى 60 عاما حاليا  -أكبر مجموعة ديموغرافية في الصين، أي ما يعادل كامل سكان الولايات المتحدة تقريبا- قوة العمل في وقت حيث أصبحت ميزانيات معاشات التقاعد منهكة بالفعل.
تتوقع الأكاديمية الصينية للعلوم التي تديرها الدولة أن نظام التقاعد ينفد من المال بحلول 2035، حيث يعاني نحو ثلث الولايات القضائية على مستوى المقاطعات في البلاد عجز في ميزانية المعاشات التقاعدية، وفقا لبيانات وزارة المالية.
إن الصين، التي لا تقبل إلا عددا قليلا  من العمال الأجانب من ذوي المهارات العالية، لديها واحد من أدنى سن التقاعد في العالم، حيث يبلغ سن التقاعد 60 عاما للرجال، و55 عاما للنساء ذوات الياقات البيضاء، و50 عاما للنساء اللاتي يعملن في المصانع. ومن المقرر أن يتقاعد 28 مليون شخص هذا العام.
عادة ما يتم تكليف الموظفين في الشركات المملوكة للدولة بالتقاعد عند بلوغهم السن، في حين أصحاب العمل في القطاع الخاص نادرا ما يحتفظون بالعمال لفترة أطول، في حين أن سن التقاعد في بعض الدول الغربية أكثر مرونة.
تشعر لي تشولين، 50 عاما، العاطلة عن العمل، من مقاطعة شنشي الشمالية الغربية، بالقلق من الاعتماد فقط على معاش زوجها الذي يتراوح بين 5000 إلى 7000 يوان (697 إلى 975 دولارا) شهريا عندما يتقاعد في 2027 بعد العمل في شركة مملوكة للدولة.
قامت لي بتخفيض النفقات وتبحث في الإنترنت عن نصائح للتخطيط المالي لمحاولة أن تكون "أقل عبئا" على ابنتها الوحيدة.
وقالت لي: "إضافة إلى إعالة أسرتها إذا تزوجت، فإنها ستعتني أيضا بأربعة أشخاص مسنين"، بما في ذلك والدي الزوج. "لا أستطيع أن أتخيل مدى صعوبة ذلك."
يتوقع المجتمع الصيني تقليديا من الأطفال أن يدعموا والديهم ماليا مع تقدمهم في السن وغالبا من خلال العيش معا لرعايتهم.
ولكن كما هو الحال في عديد من الدول الغربية، أدى التحضر السريع إلى نقل الشباب إلى مدن أكبر وبعيدا عن آبائهم، ما دفع عدد متزايد من كبار السن إلى الاعتماد على الرعاية الذاتية أو المدفوعات الحكومية.
وفي حين دعم خمسة عمال كل متقاعد صيني في2020، فإن النسبة ستنخفض إلى 2.4 عامل في 2035 و1.6 في 2050، وفقا لتقديرات عالم الديموغرافيا في جامعة ويسكونسن ماديسون، يي فوشيان.
وقال يي "بحلول هذه المرحلة، ستتطور أزمة المعاشات التقاعدية في الصين إلى كارثة إنسانية".
وكانت النسبة في اليابان 2 إلى 1 في 2022، ومن المتوقع أن تصل إلى 1.3 إلى 1 في 2070 وفقا لحكومتها. ولكن اليابان كانت بالفعل دولة ذات اقتصاد مرتفع الدخل قبل أن تتسارع معدلات الشيخوخة بين سكانها.
وتعد ثاني أكبر مجموعة في الصين، والتي تضم نحو 230 مليون شخص تراوح أعمارهم بين 30 و49 عاما، في فترة ذروة للاستهلاك حيث أن حياتهم المهنية متقدمة بما يكفي لشراء المنازل والسيارات ويبدأ الآباء في الإنفاق على تعليم الأطفال.
وبمجرد أن تصل المجموعة إلى الخمسينيات من عمرها، سينهي أطفالها تعليمهم ويبدأون في كسب دخلهم الخاص، وهذا يعني أنه من المتوقع أن تشارك المجموعة بشكل أقل في الاستهلاك المحلي.
إن بديلهم المستقبلي، وهو حاليا في العشرينات من عمره، هو أصغر جيل منذ مجاعات الخمسينيات، وهي نتيجة مباشرة لسياسة الطفل الواحد التي انتهجتها الصين في الفترة من 1980 إلى 2015.
وهذا لا يبشر بالخير بالنسبة لقطاع العقارات في الصين، الذي كان يمثل نحو ربع الناتج الاقتصادي قبل أن تفجر فقاعته في 2021 بسبب المطورين المفرطين في الاستدانة والعرض الزائد للشقق، ما يثير مقارنات مع مأزق اليابان في التسعينيات قبل عقودها الضائعة من الركود. 

وقال لاري هو، كبير الاقتصاديين الصينيين في ماكواري: "إن تجربة اليابان تظهر أنه مع انخفاض نسبة السكان في سن العمل، يتراجع الطلب على الإسكان".
وشهدت الصين ارتفاعا في عدد الولادات بعد التخلي عن سياسة الطفل الواحد، لكن التعافي كان بعيدا عن مستويات ما قبل التنفيذ ولم يدم طويلا أيضا. فقد انخفض عدد الأطفال الذين ولدوا في كل عام من الأعوام الثماني الماضية، بما في ذلك 2023.
يقول علماء الديموغرافيا إن عدد الأطفال في أي اقتصاد يرتبط ارتباطا مباشرا بالاستهلاك المحلي. وسيؤدي غزو السوق المحلية إلى زيادة اعتماد الصين على الصادرات. ومع إنتاج الصين بالفعل ثلث السلع المستهلكة في جميع أنحاء العالم، فقد أعادت توجيه التدفقات الائتمانية من العقارات إلى التصنيع، في محاولة لرفع الصناعات إلى أعلى سلسلة القيمة وتجنب فخ الدخل المتوسط.
لكن الخبير الاقتصادي بينج يقول إن شيخوخة القوى العاملة "تعني أن لديهم حوافز أقل للابتكار، وتحسنا أبطأ وليس أسرع في الإنتاجية".

سمات

الأكثر قراءة