خبراء: الفرصة تاريخية لمشاركة المملكة في القرار الاقتصادي العالمي
حث اقتصاديون سعوديون المملكة على الاستفادة من زخم تواجدها الاقتصادي والسياسي على الساحة الدولية الذي تمثل في انضمامها لعضويات أهم المؤسسات الاقتصادية الدولية، بالمشاركة بفعالية في إعادة صياغة النظام المالي العالمي بما يخدم مصالحها ومصالح العالم النامي.
وقال الاقتصاديون لـ''الاقتصادية'' في معرض تعليقهم على تسلم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز البارحة الأولى التقرير السنوي الـ 45 لمؤسسة النقد العربي السعودي أن تواجد المملكة الفاعل في المنظمات والمنتديات الاقتصادية الدولية كمجموعة العشرين وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبنك التسويات الدولية، ولجنة بازل للرقابة المصرفية ومجلس الاستقرار المالي يأتي ثمرة نجاح سايستها المتوازنة عبر السنوات الطويلة.
#2#
وهنا قال صالح الحصيني رئيس اللجنة الاقتصادية والطاقة في مجلس الشورى إن المملكة وضعت على قائمة أولوياتها تحقيق نمو للاقتصاد العالمي والمحافظة على استقرار أسواق النفط، مشيرا إلى أن هذه السياسة الثابتة مكنت السعودية من حجز موقع ثابت ضمن اللاعبين الرئيسين في الاقتصاد العالمي.
وزاد'' يأتي تواجد المملكة في تلك المنظمات انعكاسا لسلامة سياستها وتوجهاتها السياسية والاقتصادية، ويعكس أيضا الدور المأمول والمتوقع من المملكة في الألفية الجديدة التي تقودها مجموعة العشرين بعد أن كانت مجموعة السبع''.
وبين الحصين أن جميع سياسات المملكة وبمتابعة من القيادة تتسم بالعقلانية والواقعية، سواء على المستوى السياسي، أو الأمني والاقتصادي، مشيرا إلى أن السعودية وكما جاء في التقرير اعتمدت على سياستها المالية كأداة رئيسية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي في المملكة ولتحسين النمو وقد نجحت في تحقيق ذلك.
وأضاف رئيس اللجنة الاقتصادية والطاقة في مجلس الشورى'' على مستوى مراقبة البنوك والجهاز المصرفي فإن الدور الذي قامت به السلطات النقدية ''مؤسسة النقد''، جيد ويمكن القول إن الجهاز قام بواجبه''.
ووضع الحصيني التضخم على قائمة أهم التحديات التي يمكن أن تواجه الاقتصاد السعودي في المرحلة المقبلة مع عودة النمو للاقتصاد العالمي، موضحا أن التضخم يؤثر في حياة الناس والثروات والإنفاق الحكومي وعلى مناح كثيرة في الاقتصاد.
وتابع'' من هنا يجب متابعة ووضع برنامج استباقي وواضح لتخفيض مستوياته والعودة به إلى ''المستوى التاريخي'' للتضخم في المملكة وهو أقل من واحد في المائة''.
ونوه الحصين إلى أن التضخم هو موضوع استقرار اقتصادي ولابد من بذل الجهود لمعالجته خصوصا مع تحقيق المملكة لمعدلات نمو جيدة، مطالبا السلطات النقدية والاقتصادية في المملكة بالتركيز عليه مستقبلا.
#3#
من ناحيته وصف الدكتور عبد الرحمن السلطان، كاتب اقتصادي، تواجد المملكة بصورة أكبر في العام 2008 على الصعيد الدولي، بأنه فرصة مواتيه وجيدة، لأننا نعيش مرحلة التغيير في النظام المالي العالمي عقب الأزمة الأخيرة، وقد يساعد تواجد المملكة ضمن المؤسسات الدولية المهمة في المشاركة على صياغة القرار الاقتصادي العالمي.
أما على صعيد أداء السلطات النقدية في المملكة فقد تحفظ السلطان على وصف الأداء بالممتاز مؤكدا أنه جيد ولكنه لا يزال يحتاج إلى تحسين، وقال'' هناك مبالغة في التأكيد على سلامة السياسة النقدية والمالية للسعودية ... إذ إن الظروف الدولية هي التي ساعدت المملكة على تحقيق النمو على مدى السنوات الست السابقة من خلال أسعار النفط العالية وما حققته من فوائض كبيرة، ومن ثم خفض التضخم لاحقا بفعل تداعيات الأزمة العالمية''.
وأشار السلطان إلى أن الفترة التي سبقت الأزمة (2003 – 2008 ) كان يمكن فيها تحقيق معدلات نمو أكبر ، مبينا أن عدم وجود نظام رهن عقاري في تلك الفترة حد من النمو في القطاع العقاري ما انعكس على صناعة التمويل البنكي أيضا.
واتفق السلطان مع الحصيني من أن التضخم هو المعيار الحقيقي والتحدي المقبل للسياسة النقدية في المملكة، مشيرا إلى أن السعودية قد تتأثر بدأ من العام المقبل بمعدلات التضخم الناتجة عن تحسن الاقتصاد العالمي ورفع الفوائد. وأضاف أن التضخم قياسا من أكتوبر 2008 إلى أغسطس 2009 تراجع إلى مستويات 1.2 في المائة.
#4#
إلى ذلك أكد الدكتور عبد العزيز الغدير، محلل اقتصادي، مواصلة الاقتصاد الوطني في عام 2008 نموه القوي للعام السادس على التوالي، حيث زاد الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 4.5 في المائة، وتعزز دور القطاع الخاص عندما نما بنسبة أكبر بلغت 4.7 في المائة، وحققت المملكة أكبر فائض في تاريخها في كل من المالية العامة وميزان المدفوعات مما يشكل دلالة مباشرة على حسن إدارة الاقتصاد.
وقال'' القليل من الدول التي تستطيع تحقيق نمو متواصل، والمملكة أصبحت من الدول التي فرضت حجمها الاقتصادي والسياسي على الصعيد العالمي، وأصبحنا دولة ''تطير بجناحين''.. اقتصادي وسياسي، على عكس كثير من الدول التي لديها ثقل إما اقتصادي أو سياسي''.
وبين المحلل الاقتصادي، أن السعودية أصبحت دولة رائدة في الاقتصاد العالمي ولعلها تكون من أهم الدول المؤثرة والمساعدة في تطبيق قرارات قمم مجموعة العشرين، مشيرا إلى أن السياسة الاقتصادية للمملكة وشعور الآخرين بقدرة تأثيرها يجب أن تستغل خير استغلال في الدفاع عن المصالح الوطنية والقومية والإقليمية.
وأضاف '' سيعزز ذلك دور المملكة في المحافل الاقتصادية الدولية ويتيح لها فرصة أكبر للمساهمة في المناقشات وصنع القرارات بما يخدم مصالح المملكة والدول العربية والإسلامية''.
أما على صعيد ما أبرزه تقرير حول السياسية النقدية والقطاع المصرفي فقد أكد الغدير أن مواصلة مؤسسة النقد القيام بدوره في توفير التمويل اللازم للأنشطة الاقتصادية، حيث ارتفع عرض النقود بنسبة 17.7 في المائة في عام 2008م، وزاد الائتمان المصرفي الممنوح للقطاع الخاص بنسبة 27.1 في المائة، يعد من المؤشرات الممتازة.
وذكر الغدير أن مؤسسة النقد اتبعت سياسة '' حصيفة'' تبتعد عن المغامرة في إدارة ومراقبة الأموال داخل المملكة، كما ساعد ذلك الأجهزة ذات العلاقة على امتصاص صدمة الأزمة العالمية بصورة أفضل مما هي عليه في الدول المماثلة أو المجاورة.
وتابع '' ومن المؤشرات الإيجابية تراجع معدل التضخم السنوي من أعلى نقطة وصل إليها وهي 11.1 في المائة في تموز (يوليو) 2008م إلى 4.2 في المائة في تموز (يوليو) 2009 ويتوقع أن يستمر ذلك التراجع مما يتيح فرصاً أفضل لمزيد من النمو والاستقرار المالي، ولكن نرجو مراجعة معايير التضخم واستبعاد بعض العوامل الخارجة عن السيطرة كالإيجارات''.
وقال الغدير'' أعتقد أن تراجع معدلات التضخم جيد ولكنه يجب أن يكون بمؤثر داخلي وأن يستمر السيطرة عليه''.
يشار إلى أن التقرير السنوي لمؤسسة النقد العربي السعودي تناول العديد من المحاور، كان من أهمها تأكيده على مواصلة المملكة تحقيق نقلات نوعية متميزة منذ إنشاء المجلس الاقتصادي الأعلى، حيث قام المجلس بإنجاز العديد من الخطوات التطويرية الهادفة إلى إعادة هيكلة وتنظيم الاقتصاد وتحديث الأنظمة والتشريعات بما يعزز رفع مستوى وكفاءة وتنافسية الاقتصاد ويدعم التشغيل الأمثل لعوامل الإنتاج ويوفر أطراً تنظيمية وإدارية متطورةً وبيئةً جاذبةً للاستثمارات المحلية والأجنبية.
وقال التقرير '' وفي هذا الصدد تجاوز عدد قرارات الإصلاحات الهيكلية الرئيسة منذ إنشاء المجلس 70 قراراً، بالإضافة إلى أكثر من 165 قراراً للتطوير التنظيمي والإجرائي والإداري''.وتابع التقرير'' ونتيجة لتلك الجهود تحسن الأداء الاقتصادي بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة ، ويؤكد ذلك نمو الناتج المحلي الحقيقي للقطاع الخاص بمتوسط سنوي نسبته 5.5 في المائة في السنوات الخمس الماضية، وكذلك زيادة الصادرات غير النفطية خلال الفترة نفسها بما متوسطه 23.2 في المائة، كما تحسنت بيئة الاستثمار في المملكة حيث توج ذلك بحصول المملكة على المركز 16 عالمياً من بين 181 دولة من حيث تنافسية بيئة أداء الأعمال والاستثمار وفقاً لتقرير ممارسة أنشطة الأعمال لعام 2009م الصادر عن مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي''.
ونوه التقرير بحرص خادم الحرمين على الاستفادة من الموارد المالية التي تحققت خلال السنوات الماضية للإنفاق على استكمال مشاريع البنية التحتية وتنمية الموارد البشرية، إذ وجهه بسرعة إنفاذ تلك المشاريع التي شملت قطاعات النقل والاتصالات والصحة والتعليم والمياه, ودشن عدداً من المشاريع الضخمة، واعتنى بشكل خاص بالعنصر البشري حيث أمر الملك بإنشاء عدد من الجامعات وأعاد فتح باب الابتعاث من خلال برنامج خادم الحرمين للابتعاث الخارجي، وهو استثمار طويل الأجل في أحد أهم عناصر التنمية، ألا وهو العنصر البشري، ويؤمل أن يؤدي ذلك لإعداد أجيال قادمة مسلحة بالعلم والمعرفة تكمل مسيرة التنمية التي تشهدها بلادنا العزيزة.
وتطرق التقرير إلى أسعار النفط مشيرا إلى أنها شهدت تراجعاً وتذبذباً واضحين في الربع الأخير من عام 2008م والنصف الأول من عام 2009م، وقال'' رغم أن المملكة استفادت من فترة تحسن أسعار النفط في بناء احتياطيات مطمئنة وكافية لمواجهة التذبذب في أسعار النفط، إلا أنه لابد من الاستمرار في تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر للدخل من خلال الاستمرار في إعطاء القطاع الخاص دوراً أكبر في اقتصادنا الوطني مما يسهم بشكل إيجابي في التنمية وخلق فرص وظيفية''.
وشدد التقرير على أن أثر الأزمة العالمية في الاقتصاد السعودي كان محدوداً حيث لم تتأثر المصارف السعودية بشكل ملموس بهذه الأزمة نتيجة تبني مؤسسة النقد العربي السعودي سياسة محافظة في الإشراف والرقابة على المؤسسات المالية.
وأضاف ''لقد كان لتوجيهات الملك السديدة في اتباع سياسة مالية ونقدية ومصرفية تعتمد على إجراءات مواجهة تقلبات الدورة الاقتصادية، الأثر الفعال في نجاة اقتصادنا من براثن تلك الأزمة بشهادة مؤسسات التصنيف الدولية وتقارير المؤسسات المالية العالمية مثل صندوق النقد الدولي.
إن الاستقرار المالي والاقتصادي الذي تتمتع به المملكة لمثار إعجاب وغبطة كثير من دول العالم والحمد والمنة لله على نعمائه''.