الميزانية .. الشفافية والمؤشرات والنمو
في ظل هذه الظروف الحالية، التي تعيشها مؤشرات نمو الاقتصاد العالمي، حيث توضح التوقعات أن يصل النمو العالمي للعام المقبل إلى 2.7 متراجعا عن مستوياته الحالية البالغة 2.9، ولن تكون هناك استثناءات بشأن المجموعات الدولية، فمجموعة العشرين سيكون النمو فيها بنحو 2.8، بينما سيكون الوضع أسوأ في مجموعة دول المنظمة الاقتصادية بنحو 1.4 في المائة.
وتأكيدا لذلك، خلص تقرير صدر أخيرا من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية: أن التضخم بدأ يتراجع في الدول الصناعية الكبرى، كما أن النمو يتباطأ، حيث إن تشديد الظروف المالية وضعف التجارة وضعف الثقة كان له أثره السلبي في أسواق الإسكان والاقتصادات التي تعتمد على البنوك، خاصة في أوروبا. كما أشار إلى أن وتيرة النمو متفاوتة في الأسواق الناشئة، لكنها أفضل حالا من الاقتصادات المتقدمة، والتجارة العالمية ضعيفة مع تباطؤ معدل تكامل سلاسل القيمة عبر الدول، وانتهى التقرير إلى أن التنويع هو الحل، لا سياسات الحماية والسياسات الانغلاقية. ورغم هذه الأرقام والمؤشرات، تتوقع المنظمة الدولية أن يحقق الاقتصاد السعودي نموا قويا يتجاوز 4 في المائة، وأن السعودية، إضافة إلى الصين والهند، ستقود النمو العالمي.
ومن هنا، فإن هذا الوضع المثالي الذي ينعم به الاقتصاد السعودي في ظل ظروف جيوسياسية معقدة ليس وليد المصادفة، بل جاء وفقا لعمل مخطط مرسوم -بفضل الله تعالى- فالرؤية المباركة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ومع الإشراف الدقيق والمتابعة المستمرة من الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، فالتنوع الاقتصادي الذي عملت الرؤية عليه منذ انطلاقتها على تحفيز القطاعات المختلفة، وإطلاق الخطط الاستراتيجية الصناعية، واللوجستية، وتطوير المناطق، كل ذلك أسهم اليوم في تحقيق المحافظة على زخم الاقتصاد الوطني وتحقيق النمو المنشود.
فاستمرار النمو في هذه الظروف العالمية، التي تعاني مشكلات التضخم عموما ومشكلات سلاسل الإمداد يعني بوضوح أن المملكة بعيدة كل البعد عن هذه المشكلات والهواجس، ومن هذه النقطة جاء بيان الميزانية السعودية التي أقرها مجلس الوزراء، لتؤكد المحافظة على هذا الزخم من خلال ميزانية توسعية. فلا قلق من مشكلات التضخم ولا قضايا سلاسل الإمداد، فالتضخم في المملكة لم يتجاوز 2.6 في المائة، ومن المتوقع أن ينخفض إلى 2.4 في المائة، ما يمنح الاقتصاد السعودي فرصة ذهبية لمزيد من النمو والتوسع في الإنفاق دون قلق من أن يسهم ذلك في ارتفاع الأسعار. وأسهمت القرارات الحكيمة عند بداية موجة التضخم العالمية التي تبنت رؤية واضحة بشأن أسعار الطاقة، حيث تثبت سقف الأسعار، ما أسهم في التغلب على التضخم وعدم انتقال موجة الأسعار نحو السلع الاستهلاكية أو مشاريع البنى التحتية.
ومن هنا، فقد كانت إشادة الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، بالإصلاحات الهيكلية على الجانبين المالي والاقتصادي، والتحول المهم نحو تحقيق نمو اقتصادي مستدام يستند إلى مقومات الاقتصاد السعودي من حيث الموقع الجغرافي والتنوع الثقافي، ما أسهم بوضوح في نمو أعداد الزيارات السياحية التي فاقت التوقعات، كما حققت نموا كبيرا واحتلت المملكة المركز الثاني عالميا في نسبة نمو عدد السياح الوافدين خلال الأشهر السبعة الأولى من 2023. وهذا لم يكن ليتحقق لولا الارتكاز على ميزانية توسعية ذات زخم تنموي قوي، وأقرت الميزانية السعودية لعام 2024 وفقا لهذا التوجه، حيث اعتمدت النفقات بأكثر من 1.25 تريليون ريال.
ومن المتوقع أن يستمر الزخم وتحفيز النمو من خلال الميزانية السعودية ليصل الإنفاق في 2026 لمستويات قياسية، حيث تشير التقديرات إلى نفقات بأكثر من 1.37 تريليون ريال. ولأن النمو الاقتصادي قوي وسيستمر قويا، فإن الإيرادات ستنمو أيضا، فالمتوقع أن تحقق الإيرادات هذا العام أكثر من 1193 مليارا، كما أن من المقدر أن تصل الإيرادات إلى 1172 مليارا في 2024 وإلى 1259 مليارا في 2026، وهو مستوى قياسي كبير لم تصل له الميزانية السعودية من قبل في جانب الإيرادات المتوقعة، وما هذه النتائج الكبيرة إلا تأكيد على حجم الفرص التنموية المتميزة التي تتمتع بها المملكة في إطار رؤية 2030 وانعكاسها الجلي والبارز في نمو الناتج المحلي للأنشطة غير النفطية.
وعلى هذا الصعيد، فقد أكد ولي العهد التزام الحكومة في ميزانية العام المالي 2024 بتعزيز النمو الاقتصادي عبر التوسع في الإنفاق الحكومي، لتعزيز البنية التحتية، ورفع جودة الخدمات المقدمة إلى المواطنين والمقيمين والزائرين، إضافة إلى تطوير القطاعات الاقتصادية الواعدة، وكل هذا له أثر بالغ في الاقتصاد المحلي، فالتعليم والصحة معا سيحصلان على نصيب الأسد من الميزانية، وهذا يؤكد اهتمام الدولة بتطوير رأس المال البشري، فهو الأساس لنهضة باقي القطاعات وهو الثمرة الأساسية لاستدامة النمو.
ولعلنا نلاحظ أن مؤشرات الميزانية قد اتسمت بالشفافية والوضوح والحديث بكل واقعية من الأرقام، التي طرحها وتحدث الوزراء المعنيون في القطاعات المختلفة ذات العلاقة بالقطاعات الاقتصادية والتجارية والصناعية والمشاريع التنموية والبنية التحتية، بكل ثقة عن التطورات، التي شهدتها هذه القطاعات من تطور ونمو، حيث انعكس هذا الأمر على محركات الاقتصاد الوطني من خلال التقارير التي تصدرها المنظمات الدولية المهتمة بالتصنيفات في المجالات المختلفة المتعلقة بقوة ومتانة الاقتصادات في مواجهة التحديات والأزمات، حيث وصفت اقتصاد السعودية بأنه من أكثر الاقتصادات ثباتا واستمرارية في نموه.
ومن خلال هذه المميزات يستمر العطاء في الميزانية الجديدة لتطوير وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص لتمكينه وتحفيزه للقيام بدوره في تحقيق التنوع الاقتصادي، وتمكين سوق العمل من استيعاب مزيد من القوى العاملة الوطنية، وإيجاد فرص وظيفية في سوق العمل وخفض معدلات البطالة بين السعوديين. وهكذا تعودنا أن تصدر مؤشرات الميزانيات السعودية هذه الأرقام المميزة والمطمئنة، التي تعكس ما تم تطبيقه من خطط لجعل مؤشرات الاقتصاد الوطني مستقرة، نظرا لثبات نمو معدلاته، وفق ما هو مطلوب ومستهدف.