نام فاستيقظ مشهورا
تزخر منصات التواصل الاجتماعي بأعداد غفيرة من عشاق الشهرة لأسباب متباينة ومقاصد متنوعة في مقدمتها الكسب المادي، الذي أضحى على قائمة الأماني والأحلام حتى لو تحقق على حساب القيم والمبادئ والكرامة والحشمة، ولهذا نحزن ونحن نشهد اندلاق مياه الوجوه في الطرقات وعلى الهواء مباشرة في غرف البثوث، ونتألم أمام تصرفات ليست لائقة من الجنسين، ونقف حائرين في تفسير مشاهد كبار السن المنساقين خلف الشهرة، اللاهثين لمجاراة الصغار، فنخجل ونحن نتأمل الحال الذي وصل إليه البعض رغم قناعتنا باستحقاق صناعة البهجة وأثر المتعة في النفس البشرية، شريطة تجانس الفعل وملاءمة القول للمرحلة العمرية بما يؤدي إلى تعزيز القبول في أوساط الناس، فلا يوجد مستنير يصادر الحق العام باستخدام جميع وسائل الرفاه بما في ذلك منصات التواصل الاجتماعي، إلا أن جميع العقلاء يستنكرون تشويه صورة الرزانة السمة العربية البارزة، ويستنكفون سقوط الرصانة الوسم الملازم للوقار، وينددون بظواهر هدم الثوابت والاستخفاف بعقول الناس، حتى أصبحت الشهرة مرتبطة بالتفاهة ارتباطا وثيقا، ولهذا تصدرت السخافة المشهد على حساب الوقار في حالة جديدة لسلوك مفتعل لا نعرف حدوده ولا مداه.
كان الإبداع الصفة الملازمة للشهرة وكانت المهارة شكلا من أشكال تحقيق التميز وإفشاء المعرفة، وإلى وقت قريب كان من النادر تحقيق الشهرة عبر عمل فاضح مشين، إلا أن الأمر أصبح معكوسا بعد أن دفعت وسائل التواصل الاجتماعي ببعض المفضفضين إلى سدة المشهد، حتى إن هؤلاء البعض لم يخفوا الدهشة من تلك القدرة الخارقة التي قذفت بأسمائهم على سطح الشهرة متفاجئين ومستخفين، فيما تم عده إنجازا في عرف اجتماعي عجيب غريب وبين لحظة وضحاها، حتى إن هناك من نام فاستيقظ مشهورا لينطلق السؤال متمحورا حول دور المجتمع في صناعة التفاهة، وأهمية التصدي لتفشي الظاهرة بما يؤدي إلى عزوف الأجيال عن التحصيل العلمي في ظل سهولة تحقيق الشهرة والمال من خلال التنازل عن المكتسبات القائمة على الحياء والعفة والقيم والمبادئ والخصوصية الإنسانية، ولنا في الأخبار الضئيلة المنقولة على خجل عن إنجازات أبنائنا وبناتنا العلمية في مسابقات المحافل الدولية على غرار حصولهم على 94 جائزة علمية دولية، منها 72 ميدالية للتفوق في الأولمبياد، و22 جائزة عالمية في مشاركات في معرض "آيسف"، مضافة إليها جوائز وميداليات ذهبية وفضية للتصدر في مسابقات الفيزياء، وغيرها كثير ضمن رعاية "موهبة" والاهتمام الملموس بتعزيز قدرات جيل سعودي متميز، ما يدعونا إلى طرح الاستفسارات والمقارنات، خاصة أن الموهبة لا تتحقق دون جهد ومثابرة يؤديان إلى التميز، فيما يمكن تحقيق الشهرة ومن خلالها المال الوفير بغمضة عين، بحركة أو قول تافه، بل إن الأكثر شهرة هو الأكثر سخفا في أحوال كثيرة مشهودة، ولهذا يتسابق البعض لتحقيق المبتغى من أسهل الطرق باستغلال رافعة المجتمع وتغيب إنجازات مستحقي الشهرة على النحو المشهود، الأمر الداعي إلى موقف حازم من قبل "موهبة" لحماية الموهوبين من مخاطر ظاهرة الشهرة المزيفة، ورعاية الذوق العام وصون الحياء وسحق القدوة المعكوسة.