أمن الممرات المائية يعود للواجهة

أمن الممرات المائية يعود للواجهة
أمن الممرات المائية يعود للواجهة

يكتسب الخليج العربي أهمية كبيرة، كونه طريقا لمعظم الإنتاج العالمي للنفط وممرا للتجارة العالمية، ويمثل أمنه البحري مصلحة استراتيجية للعالم، بما يضمه من أهم الممرات البحرية الدولية، وهما: مضيق هرمز الذي يمر من خلاله ما يقرب من سدس إنتاج النفط العالمي، وثلث الغاز الطبيعي المسال في العالم سنويا، إضافة إلى مضيق باب المندب، الذي يمر عبره ما يقرب من (17) ألف سفينة تجارية سنويا.
ويعد مضيق هرمز من الممرات المائية المهمة والاستراتيجية، فلا يوجد مكان في العالم أكثر أهمية لإمدادات النفط العالمية من المضيق، خصوصا بعد حرب أوكرانيا، حيث شهد المضيق، عديدا من التوترات بين إيران والدول الغربية ودول الخليج، وتعرض عديد من السفن وناقلات النفط لهجمات وعمليات احتجاز.
طهران تنظر إلى التعاون الأمني بين القوى الدولية والإقليمية على أنه مصدر تهديد، ما قد يشجعها على تكثيف برنامجها النووي وتصعيد الهجمات في مياه الخليج العربي، إذ يشكل تعطيل حركة الملاحة البحرية التجارية إقليميا ودوليا، شبحا للعلاقات التجارية بين الدول.
ولمواجهة هذه التهديدات، عززت الولايات المتحدة وجودها العسكري في مياه الخليج في مواجهة تهديدات إيران المتزايدة للسفن وناقلات النفط، وعبر في الآونة الأخيرة نحو ثلاثة آلاف جندي أمريكي مياه البحر الأحمر باتجاه القواعد الأمريكية في الخليج، في وقت حذرت القوات الدولية المشتركة التي تقودها الولايات المتحدة، السفن التجارية والناقلات من الاقتراب من المياه الإيرانية.
كما أعلنت الولايات المتحدة في مايو الماضي، إرسال تعزيزات عسكرية إلى الخليج، في ظل تهديدات إيرانية متزايدة لسفن في مياه المنطقة الغنية بالنفط.
تبادلت طهران وواشنطن الاتهامات على خلفية سلسلة حوادث في مياه الخليج العربي، بما في ذلك هجمات على سفن وإسقاط طائرة مسيرة ومصادرة ناقلات نفط، كما شهدت مياه الخليج سلسلة توترات كان آخرها احتجاز الحرس الثوري الإيراني في الثالث من مايو 2023 ناقلة نفط ترفع علم بنما في مضيق هرمز الاستراتيجي.
كما حذر الاتحاد الأوروبي من احتمال هجوم على السفن التجارية في مضيق "هرمز"، موجها اتهامات لطهران بتنفيذ موجة هجمات استهدفت السفن منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، خاصة مع فرض عقوبات عليها، وأن تلك الهجمات عادت إلى الواجهة منتصف العام الجاري عندما احتجزت إيران ناقلتي نفط في مايو من العام الجاري.
بدورها، أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية، رفضها الاتهامات الأمريكية المتكررة ضد إيران حول أمن الملاحة في مياه الخليج العربي.
كما تقول الخارجية الإيرانية، إن هذه "الاتهامات مرفوضة تماما ولا أساس لها، وإن إيران، البلد الأكثر تأثيرا في توفير أمن الخليج والمياه الإقليمية والدولية، وتعمل باستمرار على ضمان المرور الآمن للسفن عبر هذا المضيق".
إلى ذلك، يتنامى القلق الغربي من توسع النفوذ الصيني في مضيق هرمز، بعد أن تصاعدت التحذيرات، مطلع العام الحالي، على الرغم من أن الشركات الصينية تعزز وجودها بالقرب من مضيق هرمز في الشرق الأوسط، ما قد يزيد من مخاطر حدوث صراع مع الولايات المتحدة في أحد أكثر ممرات نقل النفط ازدحاما في العالم.
تملك الصين مصالح كبرى في مضيق هرمز، فهي تعد من أكبر مستوردي النفط، واستثمرت فيه مليارات الدولارات في خطوط أنابيب النفط، ومحطات التخزين على طول الخليج العربي.
هذا التوسع، أثار مخاوف لدى مسؤولي الأمن القومي الأمريكي الذين يخشون أن يمنح ذلك، بكين تأثيرا خطيرا في نقطة الالتقاء الرئيسة لشحنات البترول، ويقدر النفط الذي يتم تصديره يوميا عبر المضيق بنحو 25 في المائة من النفط الذي يذهب إلى الصين، ما يجعله منطقة جغرافية مهمة للغاية بالنسبة إليها.
ومن مسببات المخاوف الأمريكية، أبعاد برنامج التعاون الإيراني - الصيني، الذي وقع عام 2021، للتعاون التجاري والاستراتيجي لـ25 عاما، الذي لا يوجد كثير من التفاصيل حوله سوى أن الصين تستثمر 400 مليار دولار في الاقتصاد الإيراني خلال الفترة الزمنية للاتفاق، مقابل أن تمدها إيران بإمدادات ثابتة وبأسعار منخفضة للغاية من النفط.
أما مضيق باب المندب، الذي يتوسط القارات الخمس، فيتميز بأنه يصل البحر الأحمر بخليج عدن، وبحر العرب، والمحيط الهندي من جهة، والبحر الأبيض المتوسط من الجهة الأخرى، كما يأتي اليمن في قلب مشروع الحزام والطريق، المعروف تاريخيا بطريق الحرير، كما يمتلك المضيق عددا من الموانئ، والجزر المتناثرة وعددها 130.
أولت واشنطن، بعد حرب الخليج الثانية، القرن الإفريقي أهمية جيوسياسية استراتيجية كبرى، وتجلى اهتمام واشنطن بالربط بين الأمن القومي الأمريكي وأمن الطاقة النفطية.
وأنشأت قاعدة عسكرية في جيبوتي، عام 2007 (ليمونير)، ومسؤوليتها العمليات والعلاقات العسكرية مع الدول الإفريقية، بتعداد أربعة آلاف جندي، وهي مقر لقوات (أفريكوم) في المنطقة، ومهمتها مراقبة المجال الجوي والبحري والبري للسودان وإريتريا والصومال وجيبوتي وكينيا واليمن.
كما توجد في الصومال قاعدة (باليدوغل) الجوية الأمريكية في محافظة شبيلي السفلى، التي عززها الرئيس بايدن بـ500 جندي لمحاربة المتطرفين، فيما تحدثت مصادر عن وجود قواعد عسكرية سرية أمريكية في القرن الإفريقي وما حوله، وتتحدث التقارير عن وجود قاعدتين بحريتين في كينيا (مومباسا ونابلوك).
وفي إثيوبيا توجد قاعدة (أربا مينش) الجوية لـ"الطائرات" دون طيار منذ 2011، ومهمتها الاستطلاع والتجسس في شرق إفريقيا.
أما روسيا الساعية للعودة إلى القرن الإفريقي، عبر البوابة الإريترية، حيث وقعت إريتريا، أوائل العام الحالي مذكرة تفاهم مع روسيا تنص على ربط مدينة مصوع الإريترية الساحلية مع قاعدة البحر الأسود البحرية (سيفاستوبول).
ويتيح هذا الاتفاق لموسكو استغلال ميناء مصوع الإريتري، تمهيدا لإقامة قاعدة عسكرية روسية جديدة في البحر الأحمر بالقرب من مضيق باب المندب.
فيما تحتفظ فرنسا بأكبر قاعدة عسكرية أجنبية لها خارج حدودها في جيبوتي، وينتشر نحو (1500) جندي في القاعدة، ويقومون بمهام مكافحة الإرهاب، وحراسة الممرات البحرية القريبة، كما توجد قاعدة بريطانية في منطقة بيدوا، يتم فيها تدريب القوات الصومالية، وتسعى بريطانيا إلى إقامة قاعدة في أرض الصومال.
إلى ذلك، حاولت الصين منذ وجودها في منطقة القرن الإفريقي، بناء قاعدة بحرية في جيبوتي بحجة مكافحة القرصنة وضمان أمن باب المندب، وهي تعد القاعدة الوحيدة خارج الأراضي الصينية، أنشئت عام 2017، بعد إعلان الرئيس الصيني مبادرة "حزام واحد طريق واحد" بأربعة أعوام.
وتعرف الاتفاقية بطريق الحرير الجديد، بهدف الربط بين الصين وأوروبا ووسط آسيا والشرق الأوسط عبر أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية، من خلال بناء طرقات وسكك حديدية ومناطق صناعية، لزيادة نفوذ الصين الجيوسياسي، على مستوى الجغرافيا وعلى مستوى توزيع القوة والثروة.
كما سعت تركيا لتعزيز وجودها من الأراضي الصومالية، وأقامت أكبر قاعدة عسكرية تركية في العالم، تم افتتاحها 2017.