أسهم التقنية .. التفاؤل والمخاوف

إن القفزات السريعة التي شهدتها الأسواق العالمية لأسهم شركات التقنية أرعبت المستثمرين الذين تألموا كثيرا في العقدين الماضيين من تجارب مماثلة، سواء في قفزات شركات التقنية مطلع القرن عندما كانت أسهم شركات التكنولوجيا تتداول بمعدل 60 ضعفا، وكذلك الحال في شركات العملات المشفرة أخيرا، وما يزيد من المخاطر هو ضعف فهم المستثمرين في الذكاء الاصطناعي وكيف سيتم تطبيقه في العالم الحقيقي، خاصة أن نتائجه حتى الآن تتسم بالأخطاء السيئة التي تجعل استخدامه في الوظائف الحساسة أمرا غير مقبول.
فقد ارتفعت أسهم شركة التقنية Nvidi، المدرجة في السوق الأمريكية وجزء من مؤشر ناسداك 100، بنسبة تصل إلى 28 في المائة في تداولات أيار (مايو) الماضي عند 391.50 دولار، وهو رقم قياسي أدى إلى زيادة القيمة السوقية لأسهم شركة أشباه الموصلات العالمية بنحو 200 مليار دولار، لتصل إلى أكثر من 950 مليار دولار، ما وضع الشركة في مرتبة صانع الرقائق الأكثر قيمة في العالم وخامس شركة في وول ستريت من حيث القيم.
ونشرت شركة نيفادا إيرادات الربع الثاني التي جاءت بأكثر من 50 في المائة عن تقديرات وول ستريت، وذلك ناتج من الطلب المتزايد على رقائق الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، التي تستخدم في تقنيات Power ChatGPT وعديد من الخدمات المماثلة، ما يوسع سوق الذكاء الاصطناعي التوليدي بأكثر من 40 في المائة، ليصل إلى 1.3 تريليون دولار بحلول 2032، ووفقا للمحللين فإنه يتم تداول سهم شركة نيفادا عند مكررات ربحية عالية.
لكن هذا القلق الذي أخاف المستثمرين لم يحد من تنامي الإنفاق الرأسمالي على الذكاء الاصطناعي مع دخول شركات الرعاية الصحية والأدوية في هذه الاستثمارات من أجل تقليل المدد الزمنية للبحث، وفي هذا يقول عالم الأبحاث في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا "إن الإنفاق على التقنيات الرقمية من قبل الشركات الأمريكية يرتفع باطراد"، ويرى المحللون أنه مع دمج شركات البرمجيات أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية في المنتجات، سيزدهر الإنفاق على البرمجيات من مليار دولار في 2022 إلى 81 مليار دولار في 2027، وهو ما يمثل 190 في المائة.
ورغم هذا الزخم والتفاؤل الكبير، فقد نشرت "الاقتصادية" أخيرا تقريرا لمجموعة بنك أوف أمريكا المصرفية الأمريكية، يشير إلى تراجع حالة الحماس لأسهم شركات التكنولوجيا التي فجرتها فورة الذكاء الاصطناعي، حيث سجلت أسهم شركات التكنولوجيا خلال الأسبوع الماضي أول انسحاب للاستثمارات منذ نحو ثمانية أسابيع، وبلغ حجم الأموال التي خرجت من أسهم التكنولوجيا خلال الأسبوع الماضي 1.2 مليار دولار، كما أن مؤشر إس آند بي أنفورميشن تكنولوجي الفرعي لأسهم التكنولوجيا في البورصة الأمريكية الذي سبق وارتفع بأكثر من 30 في المائة منذ بداية العام الحالي، قد بدأ يتراجع خلال الشهر الحالي، في ظل ترقب المستثمرين في مختلف القطاعات لقرار الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة في الأسبوع المقبل، وفي هذا الشأن يرى تقرير لبنك أوف أمريكا أن البنوك المركزية ستعاود زيادة أسعار الفائدة، في ظل استمرار معدل البطالة المنخفض ومعدل التضخم المرتفع.
حقيقة هناك تفاؤل في مستقبل شركات الذكاء الاصطناعي وشركات تقنيات أشباه الموصلات، وهناك قلق من التضخم والاحتياطي الفيدرالي والصراع السياسي، والركود الذي يطرق الأبواب، والبنوك المركزية المتذبذبة، وهذا يجعل الأسواق في حالة اضطراب بين تفاؤل يرفع الأسعار تقابله موجة جني أرباح حادة، هناك رغبة في الاستثمار وهناك فزع من أسعار الفائدة، هناك دببة وهناك ثيران، وكلاهما ينظر إلى الآخر، ومن يبدأ الجولة سرعان ما يفقد زخمها، وفي تقارير صحافية منشورة فإن هذا ليس إلا البداية، ويبدو أن الجميع ينتظر الحسم من أحد الجانبين، فإما أن تسبق البنوك المركزية نتائج جهود صناعة التقنية وابتكاراتها، فتصبح أسعار الفائدة هي المتحكم في التوجهات الاستثمارية، وهذا يعنى ركودا واسع الانتشار بحيث يتباطأ الطلب بشكل واضح وصريح على منتجات الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات، فتتراجع الأرباح وأسعار الأسهم معها، وإما أن تسبق منتجات هذه التقنية الناشئة تحركات البنوك المركزية وتدخل بقوة في القطاعات الصحية والتعليمية وغيرها، وهو غير متوقع الآن، وتقدم منتجات أكثر دقة وأقل في نسبة الخطأ، ما يعزز الاستثمارات بشكل صريح، وتتنامى المبيعات بشكل صارخ، لكن هذا الاتجاه الأخير ليس بلا ثمن فادح، فهناك مخاوف من أن يتسبب النمو السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي في حدوث بطالة جماعية، ويقود إلى قراءات غير صحيحة لمؤشرات البطالة في الإحصاءات الرسمية، تقود بدورها إلى قرارات خاطئة بشأن التضخم، وإذا تمت إضافة القلق بشأن أثر هذه التقنية في سلوك الإنسان خاصة مع توقعات أن يقوم الذكاء الاصطناعي بإعادة تشكيل المعرفة الإنسانية، ثم تحديث البرامج والتطبيقات حول العالم وفقا لتلك التحديثات، وهذا يعني أن البرامج في المستقبل ستكون محدثة من قبل الآلات نفسها بعيدا عن تدخل الإنسان، وبذلك فإن هذه الآلات قد تهدد الوجود الإنساني أو تفتعل الأزمات وهذا يعني مشكلات واضطرابات خطيرة يصعب التكهن بها اليوم.

لذلك قد يعد ارتفاع أسعار الفائدة اليوم والتضخم المرتفع وقرارات البنوك المركزية، خطوط الدفاع الأخيرة لمنح البشر فرصة لتقييم الحالة الراهنة وتوجهات الاستثمار الآمنة قبل ان تبدأ الآلات في العمل منفردة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي