السياسية

سباق التسلح يدفع الصين إلى زيادة ميزانيتها العسكرية

سباق التسلح يدفع الصين إلى زيادة ميزانيتها العسكرية

اتسع عدد مشتركي نادي الدول الأكثر إنفاقا على التسليح في العالم، بعد أن أعلنت الصين ميزانيتها العسكرية الأخيرة، لتنفي بكين أي تهديد لأي دولة، وأن أي تحديثات على منظومتها العسكرية، بمنزلة قوة إيجابية للحفاظ على السلم العالمي، حيث باتت تمتلك أكبر أسطول بحري في العالم في غضون أعوام قليلة، فيما يعد الجيش الصيني أكبر جيش في العالم من ناحية العدد، بمليوني جندي.
يشهد العالم سباق تسلح غير مسبوق بعد إعلان الصين زيادة الميزانية العسكرية السنوية لـ2023، والتي تعد ثاني أعلى ميزانية في العالم بعد الولايات المتحدة، في ظل أحداث عالمية غير مستقرة، نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية، والتوتر الجاري بين الفينة والأخرى في الصين وتايوان.
تتمثل خارطة طريق جيش التحرير الشعبي في ظل الخطة الخمسية 2021- 2025 في اتخاذ خطوات كبيرة في تحديث منظومة الدفاع الوطني والقوات المسلحة، ويتضمن جدول أعمالها تكثيف الجهود لتحديث اللوجستيات العسكرية وأنظمة إدارة الأصول، وبناء نظام حديث لإدارة الأسلحة والمعدات، وتعزيز الابتكار في علوم وتكنولوجيا الدفاع، وتدريب الموظفين الأكفاء في العصر الجديد، وتعزيز التنمية الشاملة عالية الجودة للجيش.
كما حدد الرئيس الصيني جي بينغ شي هدفا مفاده أنه بحلول 2035، سيتم الانتهاء بشكل أساسي من تحديث جيش التحرير الشعبي، وأنه بحلول منتصف القرن، سيتم تحويل جيش التحرير الشعبي بالكامل إلى قوى من الطراز العالمي مدفوعة بالمنطق القائل إن "الجيش مبني للقتال"، مضيفا أن "الحزب الشيوعي الصيني أضاف معيارا جديدا قصير الأجل ليتزامن مع الذكرى المئوية لجيش التحرير الشعبي في 2027"، لضمان سير الجيش على الطريق الصحيح في تحقيق أهداف التحديث المرصودة.
تصدر الصين ميزانية دفاع رسمية، ويبلغ مقدار ما تنفقه الصين في معدلات النمو آخر سبعة أعوام بالحفاظ على رقم واحد في ميزانيتها الدفاعية السنوية منذ 2016، بعدما أعلنت في آذار (مارس) 2023 ميزانية الدفاع السنوية، والتي تبلغ نحو 224.8 مليار دولار، ما يشكل زيادة بنسبة 7.2 في المائة، عن ميزانية 2022، حيث كانت النسبة 6.8 في المائة في 2021 و6.6 في المائة في 2020.
النمو في الإنفاق الدفاعي الصيني بنحو خمسة أضعاف على مدى العقدين الماضيين، حيث قفز من 62 مليار دولار في 2002 إلى 298 مليار دولار في 2022، وكان لهذا النمو تأثير كبير في توازن القوى العسكرية في العالم، خصوصا داخل جوار الصين.
كانت الصين تعد في 2000، ثاني أكبر منفق دفاعي في منطقة المحيطين الهندي والهادي بعد اليابان، وفي 2022، أنفقت الصين على الدفاع أكثر من الاقتصادات الـ17 التالية في منطقة المحيطين الهندي والهادي مجتمعة، فيما تقدر وزارة الدفاع الأمريكية أن المبالغ التي ترصدها بكين لميزانيتها العسكرية أكبر بكثير من الرقم المعلن.
على الرغم من الارتفاع الكبير في زيادة الإنفاق العسكري الصيني خلال العقدين الماضيين، إلا أن الإنفاق العسكري الأمريكي يتجاوز تلك الحدود بكثير، حيث بلغ مستوى الإنفاق الأمريكي على الترسانة العسكرية نحو 2.7 ضعف ما أنفقته الصين في 2022، ليبلغ الرقم حدود الـ877 مليار دولار في 2022، وهو ما يمثل 39 في المائة من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي، وثلاثة أضعاف المبلغ الذي أنفقته الصين، التي تعد ثاني أكبر منفق في العالم.
وبحسب تقرير صادر عن مركز دراسات أوروبي، نما الإنفاق العسكري العالمي للعام الثامن على التوالي في 2022 إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 2240 مليار دولار، وإلى حد بعيد، وبلغ الإنفاق العسكري في أوروبا أكثر من 13 في المائة، وهي أعلى نسبة من الناحية العالمية وتجاوزت المستوى للمرة الأولى في 1989 عندما انتهت الحرب الباردة.
قفزت ميزانية الدفاع الأمريكية إلى 857.9 مليار دولار أمريكي من 753 مليار دولار في 2022، بزيادة تقارب 14 في المائة، عن 2022، كما حددت ميزانية الدفاع الملكية البريطانية بنحو 63 مليار دولار بزيادة قدرها 17 في المائة، وتم تحديد ميزانية الدفاع لفرنسا بمبلغ 48.7 مليار دولار، بزيادة قدرها 7.4 في المائة عن 2022، وتم رفع ميزانية الدفاع السنوية لليابان إلى 50 مليار دولار، أي 1.26 مرة من الميزانية الأولية لـ2022.
وتمثل الزيادة الصينية سعيها نحو سياسة خارجية أكثر استباقية عبر تعزيز نفوذها العالمي وحماية مصالحها الاستراتيجية، خصوصا فيما يتعلق بالصعيدين الإقليمي والعالمي، ومما لا شك فيه أن استمرار الصين في زيادة حجم إنفاقها العسكري إنما يدل على التوسع في الطموحات العالمية لبكين، وذلك في ظل التهديدات المتنامية التي تعانيها الصين من القوى الغربية أخيرا، ولا سيما رغبتها الحثيثة في مواكبة القوة العسكرية الأمريكية.
كما تشكل زيادة الإنفاق العسكري في الصين رفعا للأعلام الحمراء لجيرانها أصدقاء الولايات المتحدة، بالنظر إلى التوترات المتزايدة حول تايوان وبحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي والنزاع الحدودي الصيني الهندي في جبال الهيمالايا، ومع ذلك، في نظر الصينيين فإن الميزانية مناسبة ومعقولة وتتماشى مع المستوى العام للتنمية الاقتصادية.
يتمثل هدف الصين من الزيادات المستمرة في الميزانيات العسكرية بناء جيش قوي يتناسب مع مكانتها الدولية المتنامية وأمنها القومي ومصالحها الإنمائية، حيث بدأت الصين رحلة التحديث العسكري بشكل جدي بعد أزمة مضيق تايوان 1995- 1996، والتي كشفت عن نقاط ضعف أساسية في قدرتها على ردع التدخل الأجنبي في النزاعات السيادية.
كما سبق وأن دعا الرئيس الصيني شي جيش بينغ التحرير الشعبي إلى متابعة تطور التكنولوجيا والحرب والمنافسين من كثب، ومضاعفة الجهود لتحسين الجمع بين التدريب والعمليات القتالية، وتعزيز التدريب المنهجي واستخدام التقنيات لتطوير قوة النخبة القادرة على خوض الحروب وكسبها، ومرد هذا كله للاستراتيجية العسكرية المتمثلة في كسب الحروب المحلية المعلوماتية.
ومن المرجح أن تطلق الصين حاملة طائراتها الثالثة، وتزيد من إنتاج الطائرة المقاتلة الشبح J-20، وتواصل تحديث ترسانتها النووية، وتتماشى الزيادات في ميزانية الدفاع مع تحقيق الهدفين المئويين اللذين حددهما شي للجيش من أجل تحقيق النهضة الوطنية، في خطابه في تشرين الأول (أكتوبر) 2017.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من السياسية