Author

هل ما زال تحالف «أوبك +» متماسكا؟

|
مختص في شؤون الطاقة
الهجوم على "أوبك" والمحاولات المستميتة لرسم صورة مضللة عنها ليس وليد اللحظة ولن يتوقف في اعتقادي، فقد مرت "أوبك" بقيادة السعودية بكثير من التحديات، وواجهت كثيرا من العقبات سواء كانت هذه التحديات والعقبات فنية ترتبط بأساسيات السوق، أو سياسية مرتبطة بأجندات أو مصالح آنية ضيقة الأفق. في كل مرة يثبت الواقع أن قرارات "أوبك" موضوعية وتتسم بالحكمة، وأنها فعلا وليس تنظيرا تعمل وفق سياسة واضحة ومنهج يشار إليه بالبنان لخدمة أسواق النفط العالمية من منتجين ومستهلكين.
في رأيي أن من أهم ركائز نجاح "أوبك" في تعاطيها مع الأحداث التي تواجهها هو استشراف المستقبل بموضوعية، والتعاطي مع الأحداث الطارئة التي لم تكن في حسبان الجميع بمرونة فائقة، وبسرعة استجابة عالية.
ذكرت سابقا أن المستقبل من أهم أدوات التقدم والتطور في جميع النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والصحية وغيرها، وهذه الأداة الاستراتيجية والضرورية هي في الواقع سلاح ذو حدين، قد تعود على متخذ القرارات بفوائد جمة إذا ما أحسن استخدامها والتعامل مع مدخلاتها بحرفية وموضوعية ودقة لتحقيق الأهداف المرجوة، وقد تكون لها عواقب سلبية بل كارثية أحيانا إذا ما واجهت انحرافا قويا في تنفيذ الخطط الاستراتيجية الموضوعة على أرض الواقع بسبب ضعف دقة المدخلات، أو بسبب خلل في قراءة المستقبل واستشرافه بموضوعية.
لا يخفى على كل مطلع على أسواق النفط أن لتحالف "أوبك +" التاريخي دورا عظيما على استقرار أسواق النفط خلال الأحداث الجوهرية وغير المألوفة التي مرت بها أسواق النفط، كجائحة كورونا التي نحرت الاقتصاد العالمي من الوريد إلى الوريد، وبلا شك الحرب الروسية - الأوكرانية وانعكاسها على أسواق الطاقة عموما، وعلى أسواق النفط خصوصا، لكون أحد طرفي هذه الحرب وأعني هنا روسيا من أهم المنتجين للنفط والغاز في العالم.
منذ بداية الحرب هناك من يرى أن تحالف "أوبك +" سينتهي بسبب الحرب والعقوبات الاقتصادية على روسيا والضغوط العالمية على التحالف، والتلويح بمشروع "نوبك"، فهل ما زال التحالف متماسكا؟ موقف "أوبك" واضح وراسخ لا يهتز بالضغوط السياسية ولا الإعلامية، ولا يلتفت إلى التلويح بمشاريع مضادة تهدف إلى تقويض عمل المنظمة أو التأثير في سياستها، وقد وضحت ذلك في المقال السابق وسلطت الضوء على لقاء الأمير عبدالعزيز بن سلمان، وزير الطاقة، الذي كان رده واضحا عندما سئل عن وضع سقف لأسعار النفط، فأجاب بوضوح أن السعودية لن تبيع النفط لأي دولة تضع سقفا سعريا له، بل أضاف أن السعودية ستخفض الإنتاج ولا يستبعد أن دولا ستتبع هذا الإجراء. الجدير بالتحليل وضع الحليف الروسي تحت المجهر ومدى التزامه بالتحالف.
للإجابة عن السؤال موضوع هذا المقال، نقف على تصريحات نائب رئيس الوزراء الروسي ألكساندر نوفاك، الذي ذكر قبيل أيام أن روسيا تمدد تعهدها بتخفيض إنتاج النفط حتى تموز (يوليو)، وأن روسيا قررت إبقاء إنتاجها من النفط منخفضا في حزيران (يونيو) آخذة في الحسبان ظروف السوق الحالية. تعهدت روسيا الشهر الماضي بخفض إنتاجها من النفط الخام بنحو 500 ألف برميل يوميا وهو ما يعادل 5 في المائة من إجمالي إنتاج روسيا من النفط الخام والمكثفات في كانون الثاني (يناير) الذي يعد أساسا للخفض. أعتقد أن ما سبق كفيل بالتأكيد أن التحالف ما زال متماسكا، وأن "أوبك" بقيادة السعودية قادرة بإذن الله على الحفاظ على استقرار أسواق النفط بحكمتها وموضوعيتها.
إنشرها