حمل الراية .. بسالة سطرها التاريخ
حمل الراية .. بسالة سطرها التاريخ
بتأييد ونصر من الله، رفعت الراية السعودية لترفرف فوق كل أرض، شامخة عزيزة تحمل شعار التوحيد "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، وسيف العروبة المسلول، المخضب بدماء الغزاة والمعتدين، المزكى بدماء أبناء الوطن، أخيار أهل الأرض الذين رفعوا الراية ودافعوا عنها، حتى أصبحت الراية الهوية الجامعة لأبناء الوطن الواحد، المعبرة عن النسيج الوطني المحتضن لمختلف الجذور والمكونات، فهي الصورة الصامتة في حرم الجمال، والجزء المرئي من النشيد الوطني السعودي، فهي ليست مجرد قطعة قماش تعتلي قمة سارية من الخشب، بل رمز عظيم للأمة والعقيدة والوطن.
رمزية العلم
يعد العلم السعودي رمزا للولاء والطاعة لحكام وولاة أمور المملكة العربية السعودية، إضافة إلى أنه دليل على الانتماء للأرض والمجتمع داخل حدود البلاد وخارجها، حيث يعود تاريخ الراية إلى الدولة السعودية الأولى، التي أسسها الإمام محمد بن سعود في الدرعية 1744، وكانت بالشكل نفسه، إلا أن قلب الراية كان يضم "نصر من الله وفتح قريب"، واستمر العلم بهذا الشكل حتى الدولة السعودية الثانية في عهد الإمام تركي بن عبدالله، الذي أجرى التغيير باستبدال آية النصر بشعار التوحيد، ليبقى العلم على ما هو عليه حتى يومنا هذا مع بعض التغييرات في التصميم والخامة.
أما اللون الأخضر فيرمز إلى التعبير عن وفرة الخيرات الربانية في هذه الأرض الخصبة المنتجة، فخيرات الوطن وصلت كل أطراف البلاد وأقصى أنحاء العالم، ويرمز الأخضر في العلم السعودي إلى راية الإسلام، كما يرمز اللون الأبيض للسلام والنقاء، كما أنه اللون المستحب في اللباس عند أداء الشعائر الدينية، مثل الحج، والصلاة، إضافة إلى أنه لون لباس تكفين الميت ليلقى ربه طاهرا.
يشير السيف المسلول في العلم السعودي إلى إظهار القوة، ودلالة الرمز بالسيف تشير إلى العدل وأخلاق الفروسية، التي يتصف بها الإنسان العربي، كما يرمز إلى الدفاع عن مضمون الشهادتين وعن أمة التوحيد ووطن المسلمين.
راية لا تنكس
يتميز العلم السعودي بالتفرد فما يحظى به من اختلاف يجعله الأكثر تميزا عن بقية أعلام الدول، فهو العلم الذي لا ينكس، والراية المرفوعة على الدوام منذ نحو ثلاثة قرون، كما أنه الراية الأكثر قدما بين دول العالم، حيث بقيت الملامح ذاتها طوال 300 عام، وهذا الشيء صعب الحدوث في ظل التبدلات والتحولات السياسية، التي تحكم العالم، ما يؤكد أن هذه البلاد المقدسة تميزت بالاستقرار، والثبات والصمود.
لم يسجل التاريخ للعلم السعودي خلال عمره الطويل أن لف على أكفان أو جثث للموتى من الملوك والقادة والشهداء، ولا ينكس العلم أبدا، نظرا إلى وجود الشهادتين فيه، حيث نص النظام على ألا ينكس أبدا في مناسبات الحداد، ولا يحنى لكبار الضيوف عند استعراض حرس الشرف كما هو متعارف عليه في كثير من الدول، وهي ميزة يتفرد بها عن بقية أعلام العالم، كما ورد في نظام استعمال العلم في حالة الحداد.
سلالة رافعي الراية
أشهر من حمل الراية في الدولة السعودية الأولى هو إبراهيم بن طوق، أما في الدولة السعودية الثانية فأبرز من حملها: عبدالله أبو نهية، والحميدي بن سلمة، وصالح بن هديان، وإبراهيم الظفيري.
وفي الدولة السعودية الثالثة، حمل البيرق عبداللطيف بن حسين المعشوق، الذي شهد معارك التوحيد كلها، إذ لم يتخلف عن معركة واحدة، حتى كانت معركة البكيرية فاستشهد فيها. فكلف ابنه منصور بحملها في المعركة نفسها، فحملها ببسالة كما فعل والده، وما لبث أن استشهد في المعركة نفسها مدافعا عن البيرق حتى الرمق الأخير. ودفن الاثنان معا في أرض البكيرية.
ذكر التاريخ بسالة عبدالرحمن بن مطرف ثامن من حمل البيرق، حيث تسلم الراية بعد آل معشوق وحملها في معركة روضة مهنا 1906، وجرح خلالها بجراح عدة، حين كان يحمل الراية أثناء تطبيب من سبقوه في حملها، ليأتي توحيد المملكة في عهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، ويحملها في أوقات السلم والحرب، ليتوارث من بعده حملها ابنه منصور، ثم حفيده مطرف، ثم عبدالرحمن بن مطرف بن منصور الثاني، وما تزال الراية في يد "آل مطرف"، وهم أسرة معروفة من أسر الرياض.
رفعت الراية السعودية في ظروف استثنائية، وسجل بها خوض بعض المعارك، ومن حاملي الراية علي بن حويل من آل حويل، وإبراهيم بن ودعان، ومحمد بن عبدالله بن ريس وغيرهم، وجميعهم من أهل الرياض، وتتميز كل بلدة من بلدان نجد، وكل هجرة من هجر البادية، بعلم يحمله شخص من بينهم، وهو العلم الوطني نفسه الذي يحمله الحاكم من آل سعود، الذي ينطلق من عاصمة ملكه.
الراية في احتفالات الملوك
رفعت الراية السعودية في الاحتفالات المحلية وتحديدا العرضة، التي شهدت أولى رقصات الملك عبدالعزيز، وتكون الراية مسندة القاعدة على أوساط حامليها، فيما تكون السيوف بأيدي الملوك والمحتفلين، كما أن العرضة رقصة ذات طابع احتفالي حربي، كانت تستخدم في نجد أوقات النصر، وبقيت للاحتفال حتى يومنا هذا، وفيها من الذكريات الشيء الكثير، فهي تحمل الفرح والحزن في آن واحد، حيث سجلت احتفالات وطنية رقصات الملوك بالسيوف، التي يبرق حدها كما تبرق الدموع في أعين الملوك حين يسترجعون ذكريات البداية وبناء الدولة.
وتأتي العرضة السعودية أيقونة للتراث الشعبي، التي تشتهر بها منطقة نجد، وتم إدراجها أخيرا ضمن قائمة التراث العالمي غير المادي لدى المنظمة الدولية للتربية والعلم والثقافة "يونيسكو"، إضافة إلى تأسيس مدارس خاصة بتعليم هذه الرقصة الشعبية، وتهدف من خلالها إلى نشر ثقافة العرضة لدى الجيل الجديد وتأصيل روح التراث فيهم.