حلول مشكلات الإسكان والعمل التطوعي
حلول مشكلات الإسكان كانت وما زالت في أيدي من يحتاجون إلى الإسكان، وخاصة الطبقة الفقيرة أو متدنيي الدخل, وبمساعدة ومساندة من الدولة. وهي مشكلة لا يمكن حلها بسهولة ولا بالميزانيات التي أعلن عنها. فشريحة الفقراء ومحدودي الدخل ظاهرة لا تنتهي وفي ازدياد، وخاصة بعد الأزمة الاقتصادية الأخيرة. وحتى عالمياً هي شريحة يستمر وجودها على مدى السنين. ودائما هناك فقراء ومتدنيو دخل. وهي تختلف نسبياً من دولة لأخرى. فهناك من يسكن وينام على الرصيف ولو وفرت له غرفة لفرح بها. وهناك دول فيها فقراء لا يكفيهم شقة أو بيت صغير!! ولو لبينا الحاجة الحالية فلن نستطيع الاستمرار لتلبية الطلب القادم، وسنحتاج دائما إلى مدخرات وميزانيات جديدة. فحلول الإسكان يجب أن تصاحبها برامج توعوية وتدريبية لشريحة من هؤلاء المحتاجين ومشاركتهم في البناء. ويجب أن تكون بتعليم المحتاج كيف يبني وليس فقط بإعطائه المسكن. والمثل المعروف يقول "لا تعطه السمك بل علمه كيف يصطاد". أي ساعده بإعطائه الوسيلة أو الآليات التي تجعله يبني مسكنه. فليس كل الفقراء لا يستطيعون العمل. بل إن معظمهم مؤهلون جسدياً وعقليا للعمل وما يحتاجون إليه فقط بعض التدريب والتوعية. وبدلاً من دفع الرواتب للأجانب يجب أن نعطيها لهم لتدور الأموال فيما بيننا. وهو أسلوب مفيد لهم مستقبلا. فمن تعلم صنعة أمن الفقر. بل إنها فرصة لتكوين كوادر فنية للبناء والمقاولات. وهي أيضاً فرصة لفتح باب العمل التطوعي ودعوة حتى المساجين للتطوع مقابل تخفيف مدة عقوبتهم. وكذلك الاستفادة من برامج معاقبة المعاكسين من الشباب بالعمل التطوعي والخدمة الاجتماعية في مجال البناء.
ماذا لو طلبنا من كل ولي أمر أن يوفر بعض أموال البذخ لحفلة الزواج وإيجار صالة الأفراح، وتكلفة الشبكة. إن ما نوفره من كل عشرة أولياء أمور قد يؤمن سكناً لعائلة أو عائلتين من المحتاجين للإسكان. وكذلك الحال لو طلبنا ممن يبذرون الأموال في إعلانات التهاني أو العزاء وبصفحات كاملة في الصحف. وأن نمتثل لقوله تعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" (سورة المائدة). وهو أساس ديننا أن تعين أخاك على أمور دنياه, والإسكان أهمها.
إن الاهتمام الذي توليه الدول لموضوع الإسكان جزء منه بسبب أن الإسكان يعد موظفا أساسيا وصانعا لفرص العمل لمواطني تلك الدول، سواء لشركات المقاولات أو لمصانع مواد البناء. وعندما تدعم الدول موضوع الإسكان فإنها لا تحل مشكلة الإسكان فحسب وإنما يستفيد مواطنوها واقتصادها بطريقة مزدوجة أو مضاعفة. فهم يحصلون على السكن ويضمنون وظائف في قطاعات المقاولات والهندسة والتأثيث وتجارة مواد البناء وغيرها. وبذلك يستفيد منها الاقتصاد الوطني. فالمواطن سيدور هذه الأرباح لشراء متطلبات أخرى له ولأفراد عائلته، سواء من الضروريات أو الكماليات. والتدوير للقطاعات الاقتصادية الأخرى، وبذلك يحرك الاقتصاد الوطني. وبذلك تدور الأموال في وسط البلد أو بمعنى آخر يكون لها دورتها الاقتصادية الكاملة لمنفعة الاقتصاد الوطني.
بينما نحن في المملكة قد لا نستفيد من ذلك، فنحن لم نستعد ولم ننم أو نشجع على تنمية مهنة المقاولات والعقار، وتدريب وتأهيل العاملين في قطاع الإسكان سواء كعملة مدربة أو شركات مقاولات أو الشركات المهنية الأخرى التي تدخل في قطاع الإسكان، وبحيث تدور أموالنا بيننا بدلاً من أن تتسرب إلى خارج الوطن . لقد أصبحت بعض الدول حولنا تعيش عمالتها علينا. وكان قرار حل مشكلة الإسكان لدينا بشرى خير لهم.
وتشير التقارير الدولية إلى أن تنفيذ ألف وحدة سكنية متوسطة يوفر 2500 فرصة عمل، إضافة إلى ما توفره من فرص عمل لمؤسسات السمسرة والتأمين على الصكوك والمباني والمصارف والبنوك ودور التمويل. إضافة إلى المؤسسات والمهن والمقاولين الذين يستفيدون من الاستثمار العقاري بطريقة غير مباشرة، مثل شركات التأثيث والأجهزة والأدوات الكهربائية والإلكترونية، ونقل الأثاث والتنظيف وتنسيق الحدائق.
ويؤكدون أن الاستثمار في الإسكان هو محرك للاقتصاد في جميع دول العالم الحديث. ويمثل عادة ما بين 10 و20 في المائة من الناتج الوطني GNP. كما أنه يزيد من فرص العمل للمواطنين. وقد تم إجراء دراسة في إحدى الولايات في أمريكا، ووجد أن فيها نحو ثلاثة آلاف شركة عقارية عام 2006، ومعظمها يشارك في موضوع الإسكان. فوجدت الدراسة أن تلك الشركات وفرت 105 آلاف فرصة عمل أو ما يقارب 4 في المائة من مجموع العمالة في الولاية. ودفعت تلك الشركات أكثر من سبعة مليارات ريال مرتبات للعمال، وأضافت 13 في المائة من الناتج الوطني (محلي) للولاية.
إن الاستثمار في الإسكان له أهميته كمحرك للاقتصاد المحلي عالمياً. فهو يلعب دورا كبيرا في حماية الاقتصاد من الهبوط المفاجئ. ويعمل كوسادة يتكئ عليها الاقتصاد في الظروف الصعبة التي يمر بها. كما أنه قطاع يقود اقتصاد الدول في حالات الركود الاقتصادي، لأنه يأخذ وقتا أطول في الهبوط والارتفاع من سوق الأسهم.
وبعكس سوق الأسهم، فإن دراسة لمركز دراسات الإسكان في جامعة هارفارد يشير إلى أنه مقابل كل ألف دولار ربحا للفرد في الاستثمار في الإسكان، فإنه يؤدي إلى 150 دولاراً ليدورها في قطاعات أخرى، بينما الربح نفسه في سوق الأسهم يدور فقط 40 دولاراً. كما أن تنفيذ المشاريع السكنية يحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة، لذلك فهو محرك ومؤشر رئيس لسعر الفائدة في البنوك. إضافة إلى أنه يقوم بنوع من تدوير الأموال لتتوزع على جميع القطاعات الاقتصادية ليطول منها الجميع، مثل المكاتب الهندسية والمقاولين وتجار مواد البناء ودور النشر والصحف ومكاتب الإعلانات والتسويق وشركات الحاسوب والإنترنت وغيرها.. نحو 100 صناعة, ويساعد على إيجاد فرص العمل للمواطنين. كما أننا يجب ألا نقصر مشكلة الإسكان على الفقراء، فهي مشكلة تطول جزءاً كبيراً وشريحة عريضة من المواطنين، فبعض موظفي القطاعين العام والخاص وأصحاب الحرف هم من فئة محدودي الدخل الذين لا يجدون ما يوفرونه من رواتبهم لبناء مسكن خاص. إن إسكان هذه الفئات هو هدف المجهودات الحالية لعدة جهات وفرت مساكن خاصة إما بالتمليك وإما بالتأجير المخفض. وساعد على ذلك نظام المنح الذي قد يكون استفاد منه الأغنياء والمقتدرون أكثر من الفقراء. فحصل الفقير على قطعة أرض ليقدم على صندوق التنمية وقد مات بعضهم قبل أن يحقق ذلك. ومن المتعارف عليه أن توفير الإسكان للفقراء وذوي الدخل المحدود مربوط بأنماط من الحياة الحضرية التي تحقق فرص العمل والضمان أو التكافل الاجتماعي.
هذا الطرح الموجز قد لا يفي الموضوع حقه، ولكن الدرس الذي نستفيده هو أننا يجب أن نتعلم ممن سبقونا في تجربة الإسكان وأخذ آخر ما وصلوا إليه وتسخيره ليناسب ظروفنا و"حنا غير"، وإتاحة الشفافية وخلق بيئة قانونية وتقنية مبنية على الثروة الحقيقية وهي ثروة قاعدة المعلومات. وأهمية التعاون فيما بيننا وخلق روح العمل التطوعي الجماعي والشراكة بين الدولة والقطاع الخاص ورأب الصدع بينهما احتراما للمصلحة العامة. وإلى محاولة تنظيم قطاع الإسكان المهم وأن نستمر في تطوير هذه المهنة وابتكار طرق أحدث للتوفير في الإسكان وتسويقه مع تسخير جزء من جهودنا للبحث والتطوير العلمي. وأن نعمل على التشجيع لاستخدام مواد البناء المناسبة وقليلة التكلفة والمستدامة، والتكنولوجيا المناسبة لبناء المساكن قليلة التكلفة، ووضع آليات تكون في متناول الفقراء. وأن نتعاون في هذه المجهودات مع المؤسسات المالية التابعة للأمم المتحدة والمؤسسات الدولية والوطنية والقطاع الخاص. وألا ننسى إعلان إسطنبول بشأن المستوطنات البشرية الذي أقر إيجاد حلول للإسكان في جميع الدول.