تقارير و تحليلات

الذهب مرشح لقفزة 10 % خلال 2023 .. شهية البنوك المركزية تغير قواعد اللعبة

الذهب مرشح لقفزة 10 % خلال 2023 .. شهية البنوك المركزية تغير قواعد اللعبة

سلسلة من الصدمات اجتاحت الاقتصاد العالمي في العام الماضي، وتحديدا في النصف الثاني منه، كان أبرزها معدلات التضخم المرتفعة، ما دفع البنوك المركزية إلى زيادة أسعار الفائدة للسيطرة على الوضع.
بعد تلك السلسلة من الصدمات يتوقع أن يمر الاقتصاد العالمي هذا العام بمنعطف آخر، سواء تعلق الأمر بتواصل معركة البنوك المركزية مع التضخم أو بطبيعة التدابير والإجراءات التي ستتخذها الدول والحكومات، إذا ما ضرب الركود مفاصل الاقتصاد الدولي، وهو ما يدفع للتساؤل حول الأداء المتوقع لسوق الذهب العالمي خلال العام الجاري.
ومن المؤكد أن توليفة التفاعلات التي يرجح أن يمر بها الاقتصاد الدولي في عامنا هذا، وأبرزها نمو اقتصادي ضعيف شبيه بالركود، ودور قوي للسياسات النقدية بقيادة البنوك المركزية، وأسعار فائدة متزايدة حتى نهاية النصف الأول من العام على الأقل، ومعدلات تضخم لم يتم السيطرة عليها بالكامل وإن اتجهت للهبوط خاصة في الاقتصادات المتقدمة، كل تلك العوامل ستكون عنصرا حاسما في تحديد معدل الطلب على الذهب وأسعاره.
ويبدو التأثير المرجح لتلك التوليفة من العوامل واضحا خاصة عند رصد وضع أسواق الذهب العالمية في 2022، إذ سجل الذهب مكاسب طفيفة نتيجة الارتفاع غير المسبوق في الأسعار من جانب، والقوة المتزايدة للدولار الأمريكي من جانب آخر، ما جعل العملة الأمريكية قناة استثمارية منافسة للمعدن الأصفر، وإذ كانت البنوك المركزية أنهت العام بوصفها أحد المشترين الكبار للذهب، فإن طلب المؤسسات الاستثمارية عليه كان ضعيفا، وإن تم تعويضه بارتفاع استثمارات التجزئة.
من جانبه، يعتقد هانكوك برينجان المحلل المالي في بورصة لندن، أن أوضاع سوق الذهب في 2023 ستكون أفضل من العام الماضي.
وقال لـ"الاقتصادية" إن "كانون الأول (ديسمبر) الماضي انتهى بمكاسب بنسبة 3 في المائة، أدت إلى رفع أسعار الذهب إلى 1814 دولارا للأونصة، ما عزز المكاسب السنوية 0.4 في المائة، وهو أمر بدا غير مرجح بالنسبة لأغلب المحللين قبل ذلك بشهرين".
وأضاف أن "قوة الدفع تلك استمرت في كانون الثاني (يناير) الحالي إذ استقر سعر الذهب بالقرب من ذروة ثمانية أشهر وبلغ نحو 1876 دولارا للأونصة، ويرجع هذا لانخفاض قيمة الدولار ولقناعة المستثمرين بأن الاحتياطي الفيدرالي لن يرفع أسعار الفائدة في القريب العاجل".
وبين "تاريخيا الركود المعتدل يدفع المستثمرين إلى الاستثمار في الذهب، والاضطرابات الجيو-سياسية التي يتوقع أن تستمر هذا العام سواء الحرب الروسية - الأوكرانية أو التوترات الأمريكية - الصينية في منطقة بحر الصين تؤدي لزيادة الطلب الصيني على الذهب، كما أن تحسن أداء الاقتصاد الصيني يصب أيضا في اتجاه تعزيز طلب المستهلكين".
بدوره، يرى الخبير المصرفي أليكس كرافت، أن هناك مستوى عاليا من عدم اليقين يحيط بالتوقعات الاقتصادية لـ2023، وهذا يوجد مناخا إيجابيا للطلب على الذهب، وسواء قررت البنوك المركزية وتحديدا الاحتياطي الفيدرالي تشديد السياسة النقدية إلى المستوى الذي يوجد انكماشا اقتصاديا، أو زادت من معدلات الفائدة لكبح جماح التضخم فكلا المسارين سيتركان بصمات إيجابية على سوق الذهب.
مع هذا يقول إليكس كرافت لـ"الاقتصادية"، إن "التحدي الأكبر الذي يواجه أسواق الذهب يأتي من الدولار وقوته المتزايدة، إذ ستفضل الأغلبية العظمى من المستثمرين الدولار القوي على الذهب، خاصة أن إيداع الدولار في البنك كوديعة يحقق فوائد مالية إضافية، ما يوجد له جاذبية استثمارية مقارنة بالذهب الذي يعد من الأصول غير ذي عائد".
وأضاف "لكن من المرجح أن يعمل البنك المركزي الأمريكي على خفض قيمة الدولار وهو ما تشجعه الإدارة الأمريكية الحالية لزيادة قيمة الصادرات، وتقلص قيمة الدولار يعود بالفائدة على أسواق الذهب".
فريق آخر من الخبراء يتوقع أن يستمر سوق الذهب في التفوق على معظم فئات الأصول الأخرى هذا العام، إلا أنهم لا يتوقعون أن يشاهد المعدن الأصفر ارتفاعا كبيرا حتى النصف الثاني من العام، ويراهنون في هذا السياق على أن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سينهي في آذار (مارس) سياسة التشدد المالي التي يتبعها حاليا، على أن يقوم بخفض أسعار الفائدة بحلول نهاية العام.
إلا أن هذا الفريق من الخبراء يعتقد أن العامل الأساسي في التأثير في أسعار الذهب في 2023 سيقع في أماكن أخرى بعيدا عن الفيدرالي الأمريكي وسياسيات الفائدة حول العالم.
من جانبها، ذكرت الدكتورة روزي دنكن أستاذة الاقتصاد الدولي في جامعة لندن، أن "الارتفاع الراهن في أسعار الذهب جاء كرد فعل على إعلان البنك المركزي الصيني، زيادة احتياطاته من الذهب بمقدار 30 طنا في ديسمبر، في أعقاب شراء 32 طنا من الذهب في تشرين الثاني (نوفمبر)، وتلك أول عملية شراء مسجلة للمركزي الصيني منذ 2019، وبذلك بلغ احتياطي الذهب لدى الصين حاليا 2010 أطنان".
وأضافت دنكن لـ"الاقتصادية"، أن "مواصلة شراء المركزي الصيني للذهب سيسهم في رفع الأسعار ولربما تتجاوز قيمة الأونصة 1900 بفضل الطلب الصيني".
مع هذا يرى آخرون أن مشتريات الصين لن تغير قواعد اللعبة في سوق الذهب، وأن حيازات الذهب في البنك المركزي الصيني لا تزال تلعب دورا ثانويا من إجمالي الاحتياطات المالية لدى البنك، إذ لم تتغير تلك النسبة عن 3.7 في المائة ووصلت قيمة احتياطات الذهب في المركزي الصيني إلى نحو 118 مليار دولار.
كما أن المركزي الصيني ليس استثناء في شهيته المفتوحة لاقتناء مزيد من المعدن النفيس، إذ تواصل عديد من البنوك المركزية حول العالم عملية الاقتناء تلك، فخلال النصف الأول من العام الماضي بلغت مشتريات البنوك المركزية 673 طنا من الذهب يضاف إليها 50 طنا أخرى في نوفمبر الماضي، وهو ما يدفع بعض المضاربين إلى التأكيد على أن هذا الاتجاه يكشف عن قناعة سائدة لدى محافظي البنوك المركزية حول العالم من أن أسعار الذهب ستواصل الارتفاع.
وكان الطلب على المجوهرات الذهبية قويا في الربع الثالث من العام الماضي، حيث بلغ الاستهلاك 523 طنا وذلك وفقا للبيانات الصادرة عن مجلس الذهب العالمي، ويمثل هذا زيادة بنسبة 10 في المائة تقريبا على أساس سنوي، وذلك رغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي مر بها الاقتصاد العالمي.
ومع تخفيف الصين للقيود المتعلقة بسياسة صفر كوفيد وإعادة فتح اقتصادها، من المتوقع أن يزداد الطلب على المجوهرات الذهبية، حيث تعد الصين حاليا أكبر سوق للمجوهرات الذهبية في العالم ويقدر استهلاكها السنوي بنحو 799 طنا وفقا لإحصاءات 2021.
لكن التحسن المتوقع في سوق الذهب العالمي والزيادة المتوقعة في الأسعار هذا العام التي يحتمل أن تبلغ 10 في المائة لا ترتبط فقط بجانب الطلب، فالعرض أيضا يكشف عن محدودية في كميات الذهب المتاحة، ما يعزز إمكانية ارتفاع الأسعار.
وذكر لـ"الاقتصادية" كريستن نيل الباحث السابق في مجلس الذهب العالمي قائلا "يمثل تعدين الذهب نحو 75 في المائة من المعروض السنوي من الذهب، ولهذا توفر الذهب يعتمد إلى حد كبير على التعدين، وقد ظل الإنتاج العالمي للمناجم في حالة من الركود في الأعوام الأخيرة وبلغ ذروته في 2018".
وأضاف أنه "وفقا لمجلس الذهب العالمي ارتفع إجمالي المعروض من الذهب بشكل طفيف بنسبة 1 في المائة على أساس سنوي ليصل إلى 1215 طنا ابتداء من الربع الثالث من 2022 والاكتشافات الجديدة باتت نادرة بشكل متزايد".
وأفاد نيل بأن العثور على مناجم ذهب عالية الجودة ومربحة أصبح صعبا وعسير المنال، كما أن الجدوى الاقتصادية لمشاريع الذهب تواجه أيضا تحديات بسبب ارتفاع معدلات التضخم ما يزيد تكاليف تشغيل المناجم، ومن ثم يتوقع أن يستمر الاتجاه المتمثل في ركود أو انخفاض إنتاج الذهب في 2023، ما قد يؤدي إلى تقلص العرض وارتفاع الأسعار.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من تقارير و تحليلات