فهم آراء المستهلكين والسيطرة على التضخم «1 من 3»

في ظل ارتفاع التضخم إلى مستويات لم نشهدها على مدى عقود، تتساءل الأسر في جميع أنحاء العالم عن الزيادة المتوقعة في أسعار البنزين ومنتجات البقالة وغيرها من الضروريات. وقد تساعدها إجاباتها على اتخاذ قرارات مالية شخصية مهمة. فهل ينبغي لها الإقدام على شراء تلك الثلاجة الجديدة بدلا من المخاطرة بالانتظار حتى وقت لاحق لحين ارتفاع الأسعار؟ وهل ينبغي أن تطلب من رؤسائها الحصول على علاوة لتعويض فقدان القوة الشرائية؟
ولن تؤثر الإجابات في فرادى الأسر فحسب، بل في الاقتصاد ككل. والسبب هو أن مسؤولي البنوك المركزية والاقتصاديين الأكاديميين ينظرون إلى التضخم جزئيا باعتباره نبوءة تحقق ذاتها. وإذا رأى المستهلكون أن الأسعار سترتفع بوتيرة أسرع، فقد يتصرفون بطرق تؤدي إلى ارتفاع التضخم، مثل شراء ثلاجة أو طلب الحصول على علاوة. وسيؤدي عرض مزيد من الأموال للحصول على عدد ثابت من الثلاجات إلى رفع أسعارها، كما ستؤدي زيادة عدد الأشخاص الذين يطلبون الحصول على علاوة إلى دفع أصحاب العمل إلى رفع أسعار السلع أو الخدمات التي يبيعونها لتعويض ارتفاع تكاليف العمالة. وفي مؤتمر صحافي عقد أخيرا، أعرب جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، عن قلقه عندما أعلن قيام الاحتياطي الفيدرالي برفع سعر الفائدة الأساسي بمقدار نصف نقطة مئوية، وقال "لا يمكننا السماح بحدوث دوامة الأجور والأسعار التصاعدية". وأضاف "ولا يمكننا السماح لتوقعات التضخم بأن تصبح غير ثابتة. إنه مجرد شيء لا يمكننا السماح بحدوثه".
ويوضح بيان باول سبب قيام صناع السياسات بمراقبة توقعات الأسر والشركات للتضخم بدقة التي يتم قياسها عن طريق إجراء مسوح منتظمة على آفاق زمنية مختلفة. خصوصا نجد أن التنبؤات بارتفاع التضخم في غضون ثلاثة إلى خمسة أعوام تشير إلى أن التوقعات أصبحت غير ثابتة وقد تكون هناك حاجة إلى زيادة أسعار الفائدة لإبقاء التضخم قيد السيطرة. وهذا يفسر أيضا سبب محاولة البنوك المركزية التأثير في توقعات الجمهور للتطورات المستقبلية من خلال شرح سياساتها الحالية والمستقبلية. والواقع أن نجاح إجراءات صناع السياسات يعتمد اعتمادا أساسيا على قدرتها على نقل الأثر المستهدف إلى الأسر وبالتالي توجيه توقعاتها.
كل هذا يثير سؤالا مهما لدى الأكاديميين وصناع السياسات على السواء: ما مدى فهمنا لتوقعات الأسر؟ على مدار العقد الماضي، هناك مجموعة كبيرة من البحوث المتعلقة بعلم الاقتصاد السلوكي تناولت بعمق هذا السؤال. وتشير النتائج الرئيسة إلى أن الأسر لديها وجهات نظر متباينة للغاية حول التضخم وتميل إلى تصوره أعلى وأكثر استمرارية مما هو عليه عادة. ويميل المستهلكون أيضا إلى الاختلاف حول توقعات التضخم بدرجة أكبر مقارنة بالخبراء، كما تكون احتمالات تغيير آرائهم أقل، ويعتمدون غالبا على عدد قليل من المنتجات الرئيسة التي يستهلكونها بانتظام مثل البن والبنزين لاستقراء التغيرات في تكلفة المعيشة الكلية. وعلاوة على ذلك، ترتبط التوقعات الفردية ارتباطا وثيقا بالخصائص الديموغرافية، بما في ذلك الجنس والعمر والتعليم والتوجه السياسي. فعلى سبيل المثال، تميل النساء والأشخاص الأقل تعليما أو دخلا إلى توقع ارتفاع التضخم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي