رأس المال العربي .. هل يحتمل المغامرة؟

تعيش المنطقة العربية والخليجية, خصوصا حالة من التوتر, هل المنطقة على استعداد أن تستوعب انتكاسات مالية؟ نفى البعض ذلك, وأكد الآخر على أن احتمال وقوع نكسة مالية لا يزال واردا ما يجعل الأمن المالي والاقتصادي في خطر في ظل الأوضاع المالية المتردية, تاريخيا وبعد أن تركت أحداث 11 من أيلول (سبتمبر) درسا مريرا وأعطت انطباعا أن الأسواق العربية والخليجية تفتقد الكثير من الأمور, وتحتاج إلى الكثير من التطوير الإداري والاستقلالية وتنقصها الحنكة والدراية والتقنية اللازمة لإبقائها على قيد الحياة في حال حدوث أي طارئ, ويجب عليها أن تعتبر بما حدث للآخرين, وكما نعلم, فإنه على خلفية بيع وشراء الديون جاء الانهيار المالي العالمي الحالي لذلك يجب أن نتجنب هذا التصرف حتى لا يتفاقم هذا الوضع المتأزم أصلا, كذلك يجب أن يكون هناك ربط بين القرارات الاقتصادية والسياسية ومعرفة الثغرات التي تحيط بها من أجل أخذ الاحتياطات اللازمة لإبرازها عند حدوث هزات أو زلازل اقتصادية في المستقبل, لأن هذه الأمور يجب أن تؤخذ في الحسبان، حيث إن التطورات المتسارعة التي يمر بها قطاع الأوراق المالية في الدول العربية والخليجية تقتضي من القائمين عليها الحذر ومعرفة بواطن الأمور في الإدارات الدولية للمؤسسات المالية كافة, وعلى الدول الخليجية أن تعمل على تطوير عملية تبادل المعلومات والخبرات والتنسيق, وذلك بهدف الحفاظ على سلامة التعاملات في هذه الأسواق بطريقة تضمن الاحتياطات اللازمة, كما أن العمل على تحقيق أكبر قدر ممكن من الانسجام في القوانين والأنظمة والشروط سيؤدي إلى الارتقاء بمستوى أدائها ويقلل من حجم المخاطر التي تكون غير متوقعة, خصوصا على صعيد الأزمات الاقتصادية أو حتى السياسية, في السعودية وبعد أن دخلت السوق مرحلة تاريخية جديدة ومتقدمة توفر من خلالها للشركات والمؤسسات السعودية مصادر تمويلية جديدة وللمدخرين السعوديين والمقيمين والخليجيين أوراقا مالية استثمارية ذات عائد دوري ومخاطر أقل لكنها في الوقت نفسه ليست خالية من المخاطر بأي حال من الأحوال فقد تتعرض المشاريع أو الشركات التي أصدرت تلك الصكوك أو السندات للإفلاس وبهذا يخسر المستثمرون رؤوس أموالهم أو جزءا كبيرا منها, لذلك يجب التروي حتى يأتي اليقين, كما يجب العمل على ضبط كل هذه القضايا بمحددات قانونية وشرعية لدعم وتشجيع المستثمرين على الدخول في هذا النوع من الاستثمار خصوصا في ربوع عالمنا العربي والخليجي حيث المجازفة في اتخاذ القرارات والخوض مع الخائضين, على أن التنبؤ الصحيح بأسعار السوق يجب أن يعتمد على الدراسة العميقة للسوق وأشكالها التحليلية الآتية:
1- التحليل الإخباري: الذي يتضمن دراسة العوامل الاقتصادية والسياسية التي قد تؤثر في سوق الصكوك أو السندات ومعاملات الاقتصاد الأساسية وتصريحات رجال الدولة المهمين والأحداث المهمة الأخرى.
2- التحليل الفني: وهو تحليل لحالة السوق ترتكز أساسا على التغيرات السابقة للأسعار, وتستخدم في هذا التحليل الرسومات البيانية التي تعكس تغيرات الأسعار لفترة زمنية معينة, إن التحليل الفني يرتكز على حقيقة أن حركة الأسعار تأخذ في الحسبان كل العوامل التي يمكن أن تؤثر في السوق اقتصاديا وسياسيا ونفسيا, وإذا كانت السوق تضم محللين أكفاء فستتكون حركتها نتيجة لقرارات عدد كبير من المشاركين اتخذوها بعد تحليلاتهم المعلوماتية عند قيامهم بعقد الصفقات.
3- التحليل النفسي: هو تحليل سلوكيات المتاجرين في السوق وحالتهم النفسية وتوقعاتهم وآمالهم وتخوفاتهم وهذا النوع من التحليل مهم لأن نسبة صحته عالية, ويجب ألا ننسى أن من يجلس خلف محطات الحاسوب التي تعطي توقعات الأسعار هم مجرد بشر وعلى تصرفاتهم تعتمد في نهاية المطاف اتجاه الأسعار.
وفي حين اعتبر الخبراء قيام هيئة سوق المال السعودية بتأسيس سوق للصكوك والسندات خطوة ستقود السوق المالية السعودية إلى مرحلة جديدة من العمق والتنوع مع بدء التعامل الآلي بسوق الصكوك والسندات الذي سيجعل منها أداة رئيسة لطلب التمويل, خصوصا للشركات الكبيرة عدا أنها ستمثل أداة تحكم أكثر مرونة في تنظيم التدفق النقدي بالاقتصاد المحلي وسوق جاذبة للاستثمار الأجنبي, فإننا ندعو إلى تذليل العقبات التي تواجه الراغبين في إصدار الصكوك, خصوصا في ظل غياب الوعي بكيفية التعامل بها سواء من الأفراد أو الشركات.
إن هيكلية القطاع المالي في البلدان العربية والخليجية تتطلب ضرورة تطوير عمل أسواق المال بشكل يحافظ عليها في الدرجة الأولى، أو إيجاد بدائل للأسهم والبورصات على خطى التطور الذي حصل أخيرا في سوق المال السعودية، حيث جاء قرار إنشاء سوق ثانوية للسندات والصكوك في السعودية لإيجاد فرص استثمارية جديدة ومتنوعة نأمل أن تكون قدوة ولكن بحذر للسوق المالية العربية وأن تؤدي إلى مرحلة جديدة من العمق والتنوع وإلى سوق تمثل أداة تحكم أكثر مرونة في تنظيم التدفق النقدي بالاقتصاد المحلي، ومن هنا تبرز أهمية إعادة دراسة أسواق الأسهم خاصة وضرورة وجود خيارات أخرى نشطة للأوراق المالية, وفي حين قدمت معظم الدول العربية تعهدات قاطعة بإجراء إصلاحات اقتصادية مصممة على زيادة كفاءة الضمانات الخاصة برأس المال إلا أن هناك اختلافات كبيرة حول متانة هذه الأسواق.
في البحرين أفادت بيانات رسمية صادرة عن سوق البحرين للأوراق المالية "البورصة" أن الشركات الأجنبية واصلت بيع الأسهم للشهر الخامس على التوالي منذ مطلع العام الجاري بقيمة تصل إلى 48 مليون دولار, بينما اشترت أسهما بقيمة 19 مليون دولار, وهو ما يعني أن الشركات الأجنبية سحبت سيولة من البورصة بقيمة 29 مليون دولار, وفي الكويت دعا اقتصاديون كويتيون السلطتين التنفيذية والتشريعية إلى ضرورة إيجاد آلية للتفاهم فيما يتعلق ببعض مشروعات القوانين المحفزة حتى تخرج سوق الكويت للأوراق المالية من حالة التباين التي دخلتها أخيرا, ويتم انتشال شركات الاستثمار المتعثرة, حيث إنه لم تصل البورصات الخليجية إلى مرحلة الانهيار لكنها كانت قد تأثرت كثيرا بأحداث الانهيار المالي الحالي الذي يسود العالم الذي انبثق من الولايات المتحدة إلى أوروبا ثم آسيا، حيث الترابط بين الأسواق العربية والسوق الأمريكية بصفة خاصة, فقد هوت الأسعار والمؤشرات خلال الأيام التي أعقبت حادث الانهيار مع وجود بوادر تؤكد أن الأوضاع في داخل الأسواق العربية تحتاج إلى بعض الوقت حتى يستعيد المستثمرون ثقتهم بالوضع الحالي في المنطقة ومع سيطرة حالة من الترقب والانتظار على أسواق المال العربية أملا في مواصلة استقرار الأوضاع, وحتى لا يكون تأثر البورصات الخليجية بشكل خاص أقوى وأعنف أو يزيد مستوى التوترات المالية في المنطقة وحدوث هروب جماعي للاستثمارات في حركة أشبه بحركة القطيع كما حدث في السابق, وهو ما يفاقم الخسائر العربية والخليجية, هل استوعبت إدارات البورصات العربية والخليجية هذه الدروس؟ هل اتخذ القائمون على إدارة البورصات الخليجية الاحتياطات التقنية اللازمة وفهم ما يجري في الأسواق الأخرى من أجل تفادي أي أضرار تلحق بهم, فما لهم عن التذكرة معرضون؟ رأس المال العربي والخليجي أمانة في أيدي الأفراد كما هو أمانة في يد السلطات والمؤسسات العربية والخليجية, يجب المحافظة عليه واستثماره في موقعه الصحيح حتى لا يكون حاله كحال بقية الممتلكات والأصول العربية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي