«دلع زايد»
الأسبوع الماضي انتشر مقطع فيديو لبائعة في محل هدايا وهي تنهار بالبكاء لأن زبونة قالت لها بكل قسوة بعد أن استلمت منها باقة ورد، "شغل أي كلام"، ما دفع بزبونة أخرى كانت تنتظر دورها لتسلم طلبها أن تقترب من تلك البائعة وتحضنها وتربت على ظهرها بكل احتواء، وقبلها بفترة خرج علينا شاب يعمل في محل قهوة يشكو سوء معاملة بعض الزبائن حين يطلب كوب قهوة فيتصرف معه بشكل مثير للاستفزاز، كأن يرمي المال عليه أو يستعجله بطريقة غير مهذبة أو يتكلم معه بانفعال بالغ وكلمات جارحة، مثل هذه المواقف تظهر لنا بشاعة الكلمة المؤلمة حين تقال وأثرها المسموم في المشاعر، مساحة المقال لا تسمح لي بسرد عديد من المواقف المؤلمة التي يتعرض لها البعض من أشخاص يعتقدون أنهم يمتلكون الحق في إفراغ شحناتهم السلبية وكلماتهم المسمومة في الآخرين، وكأنهم هم المسؤولون عن يومهم السيئ أو عدم قدرتهم على التحكم في انفعالاتهم، قوة الكلمة لا تكمن في قدرة الشخص على التفوه بها، بل تكمن في إدراكه التام أنها حين تخرج فهي إما أن تبني وإما أن تهدم، البعض يتباهى بكونه صريحا ولا يجامل ولذلك يطلق كلماته دون أي فلترة أو مراعاة لمشاعر الآخرين، ولا يبالي بوقعها على قلوبهم، بل يمضي وكأنه للتو لم يغمد خناجر مسمومة ربما ظلت جروحها الغائرة تنزف فترة من الزمن. أذكر صديقة لي أخبرتني أنها كانت تقف ذات يوم في طابور طويل وهي تحمل كيسا فيه ملابس لتحاسب عنها، وكانت أمامها امرأة وبجانبها خادمتها تحمل كيس الملابس، وكانت وراء صديقتي امرأة يبدو أنها لم تكن تتمتع بالصبر الكافي، وحين جاء دور المرأة كانت الخادمة هي التي تضع الملابس على طاولة المحاسبة ثم تدخلها مرة أخرى في الأكياس، وبعد الانتهاء طلبت منها سيدتها أن تفتح محفظتها لتخرج النقود، ويبدو أن ذلك استفز تلك المرأة القلقة فقالت بصوت مرتفع، "دلع زايد حتى البوك تبغى الخادمة تفتحه".
عندما انتهت وحملت خادمتها الكيس اقتربت من تلك المرأة المتذمرة وهي تشير إلى يدها المبتورة من الكتف قائلة، "سامحيني على التأخير وعساك ما تتدلعين مثلي".
وخزة
"ارفقوا بقلوب الآخرين من كلماتكم المسمومة، فإنكم لا تعلمون أي براكين وجع تصطلي في داخلها؟ وأي ذكريات خذلان وحزن خامدة تعشش بين دهاليزها فلا توقظوها من رقادها بقسوة كلماتكم، ولا تنكئوا جراحا لم يهدأ نزيفها.. إن لم تستطيعوا أن تتصدقوا على الآخرين بالكلمة الطيبة.. فكفوا شر كلماتكم المسمومة عنهم"