التوعية والاحتياطات لموجات الغبار

تحدثت في مقالات سابقة عن ظاهرة الغبار أو الرياح المحملة بالأتربة والجزيئات الملوثة التي أصبحت جزءا من تراثنا المناخي, وظاهرة ستعيش معنا للسنوات المقبلة والله يعلم إلى متى ستستمر. وهناك نوعان من الرياح المحملة بالأتربة، الأول هو النوع الذي نراه عالقا في الهواء وفي طبقات الهواء العليا وبارتفاعات عالية جدا وتبلغ مئات الأمتار. وهو الغبار العالق الذي يشبه الضباب. وهي ظاهرة جوية تحدث بسبب التأثير المناخي العالمي والاختلاف في المنخفضات الجوية وهو نوع من الصعب إيجاد حلول له. فهو في علم الغيب والتغيرات المناخية والتصحر والاحتباس الحراري. والنوع الآخر هو الذي يحدث في طبقات الهواء السفلية وبارتفاع أقل من 100 متر وسببه التحركات التي يحدثها البشر مثل مواقع الحروب والدبابات الحربية والتفجيرات أو أعمال الحفر والردم. وهو نوع لا ينتقل إلى مسافات بعيدة بل إن تأثيره ينحسر تدريجيا وتقل كثافته كل مسافة عشرة إلى 50 كيلو مترا. وجميعها تحدث بسبب الضغط الإشعاعي ولها درجات من السرعة وأحيانا تحدث دوامات خطيرة. الذي يهمنا هو النوع الأول الذي يحدث أكثر الضرر. هذه الظاهرة جزء من التغير المناخي مثلها مثل الفيضانات التي نراها ويفاجأ بها السكان في مناطق غير متوقعة من العالم ولم يتعودوا عليها من قبل. ومع أن هذه الظاهرة تقلقنا جميعا وتؤثر في حياتنا, خاصة مرضى الربو حاليا واحتمال زيادة نسبة المصابين إذا استمرت هذه الظاهرة. كما أن لها تأثيراتها في زيادة معدلات الحوادث المرورية وتعطيل الرحلات الجوية والبرية.
وعلى الرغم من ذلك فإننا لم نر أي اهتمام على مستوى الدولة للبحث العلمي عن هذه الظاهرة ومسبباتها الحقيقية وإلى متى ستستمر؟ والأهم هي الأبحاث والدراسات للتوعية بمخاطر تلك الرياح المحملة بالغبار. وما مكونات تلك الرياح هل هي فقط رمال أم أن فيها عوالق أخرى؟ وما أضرار كل نوع من تلك العوالق ليمكن لنا الاحتياط لكل نوع منها؟ وفي غياب ذلك فإنني أرى أننا على الأقل يجب أن نوعي مواطنينا إلى ما هو أهم وهو كيف نحتاط لتلك الظاهرة؟ وكعادتي في التوعية سابقا بالاحتياطات للصيف والشتاء والسرقات، أجد أنني يجب أن أدلو بدلوي في هذا الموضوع وللتوعية بالطريقة التي يجب أن نتكيف معها للتخفيف من أضرار الغبار. وعن أهمية الإعداد والاحتياط لإدارة الأزمات والكوارث. فهي أزمة أثرت في مجريات العمل في مدننا وعطلت الأعمال كما أنه كان لها تأثيرها الواضح في مرضى الربو, إضافة إلى ما تسببه الأتربة المحملة مع الرياح من تلف للأجهزة والآليات. لقد ضربت الأزمة عديدا من المناطق وتعذرت الرؤية وتسببت في وقوع عديد من الحوادث وسقوط أعمدة الكهرباء والأشجار على المنازل والمواطنين وسببت إرباك عديد من خطوط الملاحة, وكذلك تعطلت حركة السفن والموانئ. هي أزمة تعودنا عليها في السنوات الثلاث الماضية ويبدو أنها ستستمر وتلازمنا للسنوات المقبلة, فهي غير معروف مصدرها حسبما تروجه الصحف, فالبعض يعتقد أنها بسبب التحول المناخي والتصحر وتقلص طبقة الأوزون, والآخرون يعزونها إلى ما تثيره الحروب حولنا من تحريك الأراضي والأتربة سواء أثناء حرب تحرير الكويت أو حرب العراق وغزة. ويبدو أننا في هذه المنطقة سنمتاز بعدم الاستقرار وكثرة الحروب ومشكلات التصحر وكأنها شر لا بد منه ابتلينا به وسيستمر يلازمنا! وهذا الوضع يحتم علينا التفكير في دراسة وبحث الموضوع على مستوى عالمي لمعرفة مدى استمراريته من عدمها ومدى تطوره وهل سيأتي اليوم الذي تهب فيه رياح صرصر عالية؟! ومن ثم وضع الحلول قصيرة وطويلة المدى, وأن يتم تطوير خطة استراتيجية لتحسين جودة الهواء للمدن والقرى, وأن تتناول الخطط عدة برامج موجهة لبرامج بيئية للحد من مصادر التلوث ثم معالجتها. نحن يجب أن نفكر جديا في أزمات الغبار. ومع أهمية حماية البيئة والحيوانات إلا أننا يجب أيضا أن نحمي الإنسان.

طالبت منذ فتره بالتخطيط لإنشاء حزام أخضر حول المدن, خاصة مدينة الرياض, وكذلك سلسلة من الحدائق الكبرى وسط المدينة.
كانت أمنيتي وأمنية كثيرين أن تحول أرض وزارة المعارف على طريق الملك عبد الله إلى متنزه كبير يكون رئة للمدينة يلتهم الغبار وينقيه ليساعدنا على التنفس, فمنطقة شمال الرياض خالية من المتنزهات الكبرى, وهو مشروع يمكن تحقيقه وتنفيذه وفق برنامج زمني طويل المدى وعلى مراحل مختلفة.
كما أن مدننا تحتاج إلى حملات توعية من قبل الجهات الأمنية والصحية لوضع خطط إسعافية وطوارئ, وأن يكون المواطن على علم بها ليساعد على إنجاحها بدلا من ارتباكه أو هلعه, الذي عادة تكون آثاره سلبية وتعوق مجهودات المسؤولين.
وعلى مستوى الفرد فإنه لا بد من توعية المواطنين بالحلول والعلاج سواء في مقر العمل أو المنزل, وفي كلتا الحالتين لا بد من إرشاده إلى أن هناك احتياطات سهلة مثل وضع أشرطة لاصقة وأشرطة إسفنجية تحت الأبواب وعلى جوانبها والتأكد من سد أي فتحات سواء من المكيفات الصحراوية أو مراح شفط الهواء. والأهم هو التأكد من إحكام إغلاق النوافذ ووضع قطع أو أشرطه إسفنجية لاصقة. ومن الاحتياطات أيضا وضع المناشف (الفوط) المبللة والرطبة عند تلك الفتحات والمداخل. ولزيادة الاحتياط فإن هناك أجهزة لتنقية الهواء تفيد كثيرا في الحد من مشكلات الغبار وهي موجودة في محال العدد والأدوات. وصحيا فإنه لا بد من لبس أقنعة واقية من الغبار وهي أقنعة موجودة في الصيدليات ومحال العدد والأدوات وأسعارها رمزية مقارنة بمضاعفات ومخاطر الغبار.
وفي المناطق التي تشتد فيها العواصف أو ـ لا سمح الله ـ توقعنا حدوث تلك العواصف فإن الأمور ربما تؤدي بنا إلى إغلاق النوافذ الزجاجية بالألواح الخشبية ( أبلكاش بليوود). لمنع تكسرها من شدة الهواء والرياح وبالتالي تناثرها وإصابة أفراد الأسرة بالجروح.
وتلك حلول مؤقتة. ولكننا يجب أن نفكر جديا في مدى استمرارية تلك الظاهرة وإذا ثبت ذلك فإننا يجب أن نبدأ جديا في التفكير في تغيير مواصفات البناء لمنازلنا لتكون معزولة من دخول الغبار, مع ملاحظة أننا عندما نسد منافذ الغبار قد نسد منافذ الهواء الذي نحتاج إليه وإلا اختنقنا, فالحل في تنقية وترطيب الهواء الداخل لمنازلنا. ومن التغيرات التي يجب أن نراعيها مواصفات للأبواب والنوافذ العازلة للغبار وغير المنفذة له (وذر تايت). وكذلك الرفع من مستوى فلترة المكيفات الصحراوية. ولإلترة مراوح الشفط وغيرها من منافذ الهواء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي