تقارير و تحليلات

جرائم الاحتيال المالي آخذة في الصعود .. الركود يؤجج مخاوفها ويطلق إشارات تحذير

جرائم الاحتيال المالي آخذة في الصعود .. الركود يؤجج مخاوفها ويطلق إشارات تحذير

جرائم الاحتيال المالي آخذة في الصعود .. الركود يؤجج مخاوفها ويطلق إشارات تحذير

جرائم الاحتيال المالي آخذة في الصعود .. الركود يؤجج مخاوفها ويطلق إشارات تحذير

الخبر الأول: الحكومة البريطانية تستعد لنشر بيانات تظهر أن نحو 1.1 مليار جنيه استرليني من قروض الأعمال الصغيرة، التي منحت لأصحاب المشاريع الصغيرة لمساعدتهم أثناء تفشي جائحة كورونا في إطار خطة الإقراض الطارئ تم تصنيفها بالفعل على أنها احتيال مشتبه به، وأعلن مكتب التدقيق الوطني البريطاني، الذي يدقق في إنفاق القطاع العام أن الحكومة فشلت في الاحتراس من الاحتيال المخطط، ما فتح المجال أمام خسائر بمليارات الجنيهات الاسترلينية.
الخبر الثاني: أجهزة إنفاذ القانون في ألمانيا تداهم مكاتب بنك جيه بي مورجان تشيس في مدينة فرانكفورت ضمن تحقيق بشأن الاحتيال الضريبي، وفتشت أعدادا كبيرة من البنوك من قبل المدعين العامين للتحقيق في مخالفات محتملة، وشنت حملات مداهمة على الفروع الألمانية لبنك باركليز وبنك أوف أمريكا ومورجان ستانلي في الأشهر الأخيرة، وتشمل التحقيقات نحو 100 بنك في أربع قارات، وما لا يقل عن ألف مشتبه به.
الخبر الثالث: المدعون الفيدراليون في الولايات المتحدة يتهمون 20 شخصا بتهمة الانخراط في مخططات احتيال مختلفة تتعلق بوباء كورونا، وبلغت القيمة الإجمالية لعمليات الاحتيال 150 مليون دولار.
الخبر الرابع: الشرطة الصينية تلقي القبض على 234 مشتبها به، لتورطهم في فضيحة احتيال مصرفية، عبر خداع المودعين بوعود زائفة بشأن عائدات سنوية تصل إلى 18 في المائة.
يمكن أن نستمر في سرد عشرات إن لم يكن مئات الأخبار التي تتعلق جميعها بقصص الاحتيال المالي عبر العالم، بغض النظر عما إذا كان الاقتصاد محل الخبر متقدما أم ناميا، وسواء كانت علاقته بالاقتصاد العالمي علاقة اندماج أم عزلة، وأيا كان المستوى التعليمي أو الثقافي للشعب.

لكن ما الاحتيال الاقتصادي؟
يعرف الدكتور جيمس تيموثي، أستاذ القانون الجنائي في جامعة لندن، الاحتيال بأنه عمل خادع متعمد يهدف إلى تزويد الجاني بمكاسب غير مشروعة أو إنكار حق الضحية.
ويقول لـ"الاقتصادية"، إن "الاحتيال يشمل الاحتيال الضريبي والاحتيال على بطاقات الائتمان والاحتيال الإلكتروني والاحتيال في الأوراق المالية والاحتيال في إعلان الإفلاس ويمكن أن يقوم بالنشاط الاحتيالي فرد واحد أو عدة أفراد أو شركة".
ويضيف "لا يجب الاستهانة بخطورة وفداحة جرائم الاحتيال على الاقتصاد العالمي، ففي 2017 قدر مؤشر الاحتيال السنوي الخسائر الناجمة عن عمليات الاحتيال المالي التي تتكبدها المملكة المتحدة فقط بنحو 190 مليار جنيه استرليني سنويا، وتضرر القطاع الخاص بشدة بعد أن بلغت خسائره نحو 140 مليار جنيه استرليني، وخسر القطاع العام أكثر من 40 مليار جنيه استرليني، أما الأفراد فخسروا نحو سبعة مليارات جنيه استرليني".
في الواقع، إن قضية الاحتيال المالي تحظى الآن باهتمام دولي متزايد، فمع ترنح الاقتصاد العالمي نتيجة التداعيات السلبية لجائحة كورونا، وما أعقبها من الحرب الروسية - الأوكرانية، التي أدت إلى زيادة في معدلات التضخم العالمي، وتصاعد المخاوف من اتجاه الاقتصاد الدولي إلى الركود، بات التساؤل المطروح الآن يتعلق بهل يعني الركود العالمي مزيدا من عمليات الاحتيال المالي؟ وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يمكن منعها؟
تجيب لـ"الاقتصادية" الدكتورة نتالي كلير هيل، أستاذة الاقتصاد الكلي في جامعة مانشستر بقولها "تزامنت فترات الانكماش الاقتصادي السابقة مع زيادة في معدلات الجرائم المالية عامة وفي المقدمة منها عمليات الاحتيال المالي، وإشارات التحذير موجودة في الوقت الحالي، ورقمنة الاقتصاد التي زادت بقوة خلال العامين الماضيين بسبب جائحة كورونا، تشير إلى أن الاحتيال عبر الإنترنت أحد المخاطر الرئيسة الآخذة في التزايد".
وتضيف "لكن ما يجب أن تكون المنظمات والمؤسسات على دراية به هو المخاطر الناجمة عن احتيال العاملين بها، حيث يواجه عديد من الأشخاص حول العالم ضغوطا مالية متزايدة، وبالنسبة للبعض، فإن الأمر يتعلق ببقائهم ومستوى معيشة أسرهم، ولهذا فإن الحد الأدنى لما يعده الشخص العادي سلوكا غير أخلاقي قد ينخفض خلال فترات الأزمات الاقتصادية، خاصة عندما ترتفع الأسعار بالتضخم ويعم الركود".
لكنها تؤكد أنه يجب الإشارة إلى أن جميع المنظمات أو الشركات لا تواجه تهديدات متساوية من عمليات الاحتيال المالي، كما أنها لا تتطلب الخطط نفسها للتصدي للاحتيال، حيث يحتاج قادة المؤسسات الكبيرة فهم المخاطر المرافقة لأعمالهم، بينما قد تعتمد المؤسسات الصغيرة على خبرات من خارجها للحصول على المشورة لمواجهة عمليات الاحتيال المالي.
ويعتقد الخبراء أن منع عمليات الاحتيال يتطلب تقييم المخاطر ومعرفة ما إذا كانت الضوابط الحالية لمنع الجرائم المالية قادرة على العمل في البيئة الراهنة، فتغيير أنماط العمل، مثل زيادة العمل عن بعد، قد يساعد على إيجاد نقاط ضعف في الأساليب التنظيمية، تسهل عمليات الاحتيال المالي.
وفي الواقع، فإن اكتشاف عمليات الاحتيال المالي بات أمرا شديد التعقيد للغاية مع تزايد التقدم التكنولوجي، والسباق الراهن بين المؤسسات المتنافسة بتعزيز موقعها في الأسواق من خلال الحصول على آخر الصيحات التكنولوجية.
ويشير كثير من الأبحاث الحديثة إلى أنه دون الذكاء الاصطناعي، فإن الانكشاف أمام عمليات الاحتيال قد يكون أكثر سهولة، إلا أن هذا يضع تحديا أمام المؤسسات الصغيرة، التي يجب أن تعتمد على الأفراد لاكتشاف التغييرات في السلوكيات والأنماط، التي قد تشير إلى وجود خطأ ما.
وإذ يتساءل البعض عن التكلفة المالية لمواجهة الاحتيال، فإن كونراد مارموت الباحث في نماذج العمل في المؤسسات الحديثة يقول لـ"الاقتصادية" من المؤكد أن أوقات الركود تدفع المؤسسات إلى النظر عن كثب في ميزانيتها المالية والتمهل في الإنفاق، لكن تقليله وعدم الاستجابة للحاجة إلى تدابير أمنية حديثة يكون له مخاطر كبيرة، حيث تشير بعض الدراسات إلى أن الشركات تخسر 7.15 في المائة من إيراداتها السنوية بسبب الاحتيال، ما يجعل الإنفاق للتصدي للاحتيال المالي إنفاقا إيجابيا.
ويصعب إن لم يستحيل إنكار الآثار السلبية للاحتيال المالي، سواء امتد تأثيره إلى الشركات الخاصة وقطاع الأعمال أو إلى المنظومة الاقتصادية للدولة ككل، فعلى مستوى الشركات وقطاع الأعمال يجعل الاحتيال مناخ العمل الاقتصادي والتجاري والاستثماري غير صحي وغير مستقر، ويؤدي إلى انخفاض نوعية الخدمات المقدمة للمستهلكين، ويقلص حجم الموارد المتاحة لهم، لما لذلك من انعكاسات خطيرة على مناح أخرى من الحياة، مثل قدرة المواطن على المشاركة المالية التطوعية في عديد من الأنشطة المجتمعية مثل الأعمال الخيرية على سبيل المثال.
وعلى مستوى الاقتصاد الكلي يؤدي إلى انخفاض القدرة التمويلية للدولة عبر حرمانها من مستحقات ضريبية تستخدم في دعم الرفاهية العامة للمجتمع، كما يؤدي إلى نفور الشركات الدولية من الاستثمار في تلك الاقتصادات، ويعرض بعض القطاعات الاقتصادية الرئيسة كشركات التأمين والمصارف إلى خسائر مالية، تفقد المستثمرين المحللين أو الدوليين الرغبة في الاستثمار في تلك القطاعات الاستراتيجية للنمو الاقتصادي.
وعلى الرغم من العقود الماضية شهد جهودا مضنية في المجال التشريعي الدولي لمواجهة عمليات الاحتيال الاقتصادي، فإن المتورطين في هذا النوع من النشاط، طوروا أيضا آليات العمل لديهم، مستغلين الثغرات القانونية المتاحة كافة.
وتبدو المشكلة الأولى في بحث هذا الموضوع، صعوبة التوصل إلى رقم دولي للتكلفة الإجمالية للاحتيال الاقتصادي، وأغلب الأرقام الدولية في هذا الشأن، لا تزال تدخل حتى الآن في إطار التقديرات. ونظرا لعدم اتفاق الخبراء والمختصين على رقم نهائي بشأن الاحتيال الاقتصادي على المستوى الدولي، فإنه من الصعب الحكم بشكل قاطع على التكلفة المالية الحقيقية له، سواء تعلق الأمر بالاقتصاد الجزئي أي الشركات الخاصة وقطاع الأعمال أو الاقتصاد الكلي أي أنشطة الدولة والقطاع العام.
لكن عدم التوصل إلى رقم متفق عليه بين الخبراء والباحثين لا ينفي اتساع نطاق الظاهرة وتداعياتها الاقتصادية.
وتواجه المملكة المتحدة "وباء من الاحتيال"، مدفوعا بموجة من عمليات الاحتيال، إذ يتم خداع الضحايا لإرسال الأموال إلى حسابات المحتالين.
وبحسب "يو كي فاينناس" للجرائم الاقتصادية، التي أصدرت تقريرا في 29 يونيو، فإنه تمت خسارة أكثر من 580 مليون جنيه استرليني، عام 2021، في هذا النوع من الاحتيال المعروف باسم الاحتيال المصرح به في الدفع، بزيادة 40 في المائة، على أساس سنوي ما يعكس جهود المجرمين في استغلال جائحة كورونا.
وقال التقرير "لقد أصبح المحتالون بارعين بشكل متزايد في تكييف أساليبهم لتلائم التغييرات في أنماط حياتنا وسلوك المستهلك"، وأضاف، "لا يمكننا معالجة هذا إلا من خلال إجراءات منسقة فعالة، نحن بحاجة إلى جهود متواصلة من الحكومة والقطاعات الأخرى لمعالجة ما أصبح الآن تهديدا للأمن القومي".
وارتفعت الخسائر الإجمالية للاحتيال في المملكة المتحدة إلى 1.3 مليار جنيه استرليني في 2021، مقارنة بـ1.2 مليار جنيه استرليني في 2020. وجاء نحو 44 في المائة من إجمالي الاحتيال المصرح به للدفع الفوري، وفقا للنتائج، بينما كان 40 في المائة يتعلق ببطاقات الدفع، بما في ذلك المزيفة، وجاءت 15 في المائة إضافية من المعاملات المصرفية عن بعد، التي تتم عبر الإنترنت أو الهاتف أو تطبيقات الهاتف المحمول.
ومن بين ما يقرب من 200 ألف حالة من حالات الاحتيال في الدفع عن طريق الدفع المأذون بها، التي أبلغ عنها أعضاء قسم الشؤون المالية في المملكة المتحدة، كانت "عمليات احتيال الشراء"، إذ يدفع الضحايا مقابل سلع أو خدمات لم يتلقوها أبدا، هي الأكثر شيوعا، وشكلوا ما يقرب من نصف الحالات، ومع ذلك، تسببت عمليات الاحتيال في الاستثمار في أكبر الخسائر، وحصل المحتالون على 171.7 مليون جنيه استرليني من الضحايا مقابل استثمارات وهمية، في عناصر مثل الذهب والممتلكات والعملات المشفرة، على الرغم من أنهم يمثلون نحو 5 في المائة فقط من الحالات.
ويبدأ عديد من عمليات الاحتيال هذه على منصات الإنترنت، ولكن يمكن أن تأتي عبر البريد الإلكتروني أو حتى الرسائل، ويتنكر المحتالون أحيانا على أنهم منشئو محتوى مالي موثوق بهم لكسب ثقة الضحايا، ويتزايد الضغط على شركات التواصل الاجتماعي لكبح المحتالين عبر الإنترنت. وفي أبريل من العام الماضي، شكلت البنوك الكبرى وشركات الاتصالات مجموعة "ستوب سكامس يو كي"، وهي مجموعة لدفع عمالقة التكنولوجيا للمساعدة على مكافحة الجرائم المالية، وكانت "ميتا" و"جوجل" و"مايكروسوفت" من بين تلك التي انضمت للمجموعة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من تقارير و تحليلات