قمة رصانة العمل السياسي – الاقتصادي.. مع مفهوم جديد لواشنطن
تشهد العاصمة السعودية غدا قمة كبرى – وزنا لا عددا- هي محط أنظار الأوساط السياسية والاقتصادية إقليميا ودوليا، حيث يعقد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز جلسة مباحثات مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي يصل الرياض في أول محطة له في المنطقة، إذا ما استثنينا زيارته الخاطفة للعراق في السابع من نيسان (أبريل) الماضي.
وبالرغم من وجود ملفات مهمة وساخنة وملحة على طاولة المباحثات، إلا أن ملف تسوية القضية الفلسطينية على أساس المبادرة العربية التي تم اعتمادها من 57 دولة عربية وإسلامية، سيكون على رأس قائمة هذه الملفات، وسيحظى بحيز كبير في قمة الأربعاء، ولاسيما في ظل الحراك السياسي الأخير، حيال هذه القضية، بما في ذلك المباحثات التي أجراها أوباما في واشنطن، مع كل من رئيسي الوزراء الفلسطيني محمود عباس، والإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
مع الأخذ بعين الاعتبار، وضوح مواقف كلا الطرفين لدى الإدارة الأمريكية، بما في ذلك الجهود المبذولة والمواقف المعلنة لواشنطن، حيال ضرورة تجميد الاستيطان اليهودي في المناطق الفلسطينية، ليكون محفزا ودافعا لاستئناف المفاوضات بين الطرفين.
ويحل الرئيس الأمريكي في الرياض، قبل يوم من خطاب سيوجهه من جامعة القاهرة إلى العالم الإسلامي، حيث من المنتظر أن يوجه من خلاله رسالة أمريكية صريحة إلى المنطقة بأسرها، بعد سلسلة من رسائل لم تصل، وجهتها الإدارة الأمريكية السابقة إلى العالمين العربي والإسلامي، ومواقف أخفقت في إحداث صدى لها، على مدى السنوات الثماني الماضية.
الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى رحب بمساعي أوباما الهادفة لدفع عملية السلام في الشرق الأوسط إلى الأمام، بل لنقل: إحياء عملية السلام.
وكرر مطالباته المتواصلة لوقف الاستيطان اليهودي تماماً وفوراً، في الضفة الغربية، كخطوة أولى رئيسية لإعادة الوقود إلى عملية السلام في المنطقة.
دون أن ينسى موسى، التأكيد على ترحيب المسؤولين العرب بالرئيس الأمريكي، في ظل الآمال التي تعلقها الدول العربية جمعاء على دور الولايات المتحدة في عملية السلام في الشرق الأوسط.
ولكن في الوقت نفسه، كان الأمين العام للجامعة العربية حريصا، على التأكيد بأن العرب لن يقدموا على أي تعديل في مبادرة السلام العربية. فإما أن تقبل كما هي، من الجانب الإسرائيلي، أو لا تقبل.
#2#
وإذا كان العرب لا يقبلون بتعديل في مبادرتهم السلمية المتكاملة، فإنهم يرفضون وبقوة الاستيطان في الضفة الغربية، وعمليات تهويد القدس المحتلة، التي نشطت بصورة لافتة، في أعقاب تشكيل نتنياهو لحكومته.
ومن هنا يقول عمرو موسى: " إن الخطوة الأساسية المطلوبة الآن، هي وقف بناء المستوطنات الإسرائيلية، وإزالة المستوطنات الجديدة، قبل أي شيء آخر، إذا ما أريد أن تكون هناك دولة فلسطينية قابلة للحياة والاستمرار". ويشدد موسى، على أنه يستحيل قيام هذه الدولة في ظل أعنف عمليات استيطان وأكثرها عدوانية.
ويبدو – حتى اللحظة – أن توجه الإدارة الأمريكية في هذا المجال، مختلف تماما عن توجه سابقتها، وذلك من خلال حرص أوباما على ضرورة تجميد الاستيطان اليهودي.
فقد كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، أن واشنطن تدرس الامتناع عن استخدام حق "الفيتو" في مواجهة القرارات الدولية حيال الاستيطان الإسرائيلي، من أجل دفع إسرائيل نحو إعادة النظر في سياساتها، وبالتالي دفع الفلسطينيين إلى مباحثات جادة.
المواقف الأمريكية الجديدة – والمتجددة – ظهرت بوضوح من خلال تصريحات نقلتها صحيفة " هاآرتس" الإسرائيلية، عن مسؤولين في تل أبيب " بأن توترا يسود العلاقات بين واشنطن وعاصمة الدولة العبرية، من جراء حرص إدارة أوباما على وقف الاستيطان الإسرائيلي". يأتي هذا الاعتراف بعد الفشل الذي ضرب جولة من المحادثات جرت في لندن الأسبوع الماضي، بين مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين، فيما يتعلق بالتزام الإدارة الأمريكية الجديدة بالرسالة، التي بعث بها جورج بوش ( الرئيس السابق) إلى أرييل شارون عام 2004، والتي قال فيها "إنه نظرا لوجود كتل استيطانية إسرائيلية كبيرة في الضفة الغربية، فإنه من غير الواقعي أن نتوقع من إسرائيل الانسحاب بشكل تام من تلك الأراضي في إطار خطة سلام نهائية".
هذا عن الملف الأول الكبير في المباحثات السعودية – الأمريكية. أما الملف الثاني فيتمثل في مساعي كل من الرياض وواشنطن، نحو استقرار العراق وضمان وحدته، خاصة مع جدولة الانسحاب الأمريكي التي أعلنها أوباما قبل تسلمه مقاليد السلطة في البيت الأبيض. فهذه القضية تمثل – أيضا- حجر الزاوية بالنسبة للمملكة العربية السعودية، التي تؤمن بحتمية استقرار العراق، ليس فقط من أجل المنطقة، بل من أجل شعبه أيضا.
لبنان بأوضاعه الحالية، واليمن بتطوراته الراهنة، ومواجهة الإرهاب، قضايا ستكون ضمن مباحثات القمة السعودية – الأمريكية. فهي أيضا ملفات، تشكل اهتماما بالغا، ولاسيما لدول تتمتع بوزن وقرار إقليمي ودولي في آن معا.
ومن المؤكد أن المباحثات ستتناول كذلك جوانب اقتصادية. فهذا الملف يكتسب أهمية كبيرة، وذلك لمجموعة من الأسباب، في مقدمتها: وجود أزمة ضربت – وتضرب- الاقتصاد العالمي.
ووجود كل من السعودية والولايات المتحدة ضمن "مجموعة العشرين"، التي تمثل أقوى عشرين اقتصادا في العالم. فقمة الرياض، تشكل فرصة للقائدين، لمراجعة توصيات وقرارات قمتي المجموعة الأخيرتين، في كل من واشنطن في تشرين الثاني ( نوفمبر) من عام 2008، ولندن في نيسان( أبريل) من العام الجاري. وهي مناسبة أيضا، لبحث مقدمات "قمة العشرين"، المزمع انعقادها في العاصمة الأمريكية، في أيلول ( سبتمبر) من العام الحالي.
فالقمتان السابقتان، وضعتا أسسا جديدة، ومشاريع أنظمة جديدة، لأداء الاقتصاد العالمي في المستقبل. كما حددتا آفاق العمل من أجل التخفيف من آثار الأزمة الاقتصادية- المالية العالمية، ولاسيما فيما يرتبط باتفاق "قادة العشرين"، على المضي في الإنفاق الحكومي لتنشيط، حركة السلع والخدمات في العالم.
والواقع أن كلا من الطرفين السعودي والأمريكي، تحسب لهما مواقف حكيمة ورصينة، في طريقة معالجتهما للأزمة الاقتصادية العالمية. فالسياسة المتحفظة والمتأنية التي انتهجتها الرياض – ولا تزال - قلصت – باعتراف الجميع – من تأثيرات الأزمة، إلى الحدود الدنيا.
والسياسة المرنة التي اتبعتها إدارة الرئيس أوباما، في "قمة العشرين" في لندن، ساهمت أيضا في تحقيق انفراج مطلوب الآن أكثر من أي وقت مضى، على الساحة الاقتصادية العالمية. ولم يكن الأمر كذلك في ظل وجود إدارة الرئيس السابق بوش في البيت الأبيض.
والحقيقة أن هذه "التوليفة" من السياسات الرصينة والحكيمة، دفعت واشنطن للإقرار بحصافة الرياض وقدرتها على فهم الأشياء باتزان، خصوصا في وقت الأزمات، وولدت - التوليفة – في الوقت نفسه القناعة لدى السعودية، بأن الإدارة الأمريكية الجديدة مقتنعة بأن السبب الرئيسي للأزمة يعود إلى سياسة (وول ستريت) الخارجة عن نطاق الضوابط والقيود. وعلى هذا الأساس فإن العلاج الناجع يجب أن يبدأ من نيويورك.
الملف الاقتصادي الثاني، الذي من المؤكد أن القمة ستتناوله هو ملف الطاقة. فالسعودية هي "البنك الاحتياطي العالمي للنفط"، حسب وصف محمد الجاسر محافظ مؤسسة النقد في السعودية.
فهي تمتلك ما يزيد على 25 في المائة من الاحتياطيات النفطية العالمية، وقادرة على تلبية الطلب العالمي من هذه المادة الحيوية، كما أنها تأتي في المرتبة الأولى من حيث تزويد النفط للدول المستهلكة الكبرى.
والمملكة تعتبر مصدرا مهما "للسيولة" في السوق النفطية، بسبب طاقتها الإنتاجية والاحتياطية، ولذلك يمكن القول: إنها تمارس فعليا دور "البنك الاحتياطي العالمي للنفط"، ويقول الجاسر :" إن المتتبع لسياسة المملكة النفطية، يرى بوضوح، أنها تسعى إلى استقرار أسعار النفط في الأسواق الدولية، عند مستويات مناسبة للمنتجين.
في هذا الملف تحديدا، نقل عن أوباما مطلع الأسبوع وصفه للسعودية بـ"الشريك الاستراتيجي المهم"، مؤكدا أن بلاده لن تتوقف عن استيراد النفط من المملكة في المستقبل القريب.
ومضى الرئيس الأمريكي أبعد من ذلك حين قال: إنه سيؤكد خلال لقائه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أن "الولايات المتحدة لن تتوقف عن استيراد النفط من السعودية في المستقبل القريب".
وأوضح أكثر بالقول: " إن التوقف عن استيراد النفط في المستقبل القريب، ليس هدفنا، ولكن ما يأتي في مقدمة أولوياتنا، هو تطوير حلول الطاقة النظيفة، لتقوية اقتصادنا، وتوفير فرص عمل، وتنويع لمصادر الطاقة".
واعتبر أوباما أنه ليس من مصلحة الولايات المتحدة والسعودية، أن يكون الاقتصاد الأمريكي "ليس معتمدا فقط ولكن متأثرا بشكل مستمر في الارتفاعات الكبيرة في أسعار النفط"، كما أنه ليس من مصلحة أي جهة على المستوى الدولي، مواصلة الاعتماد على النفط الذي يتسبب في انبعاث الغازات السامة التي تهدد كوكب الأرض.
وقال الرئيس الأمريكي في هذا الصدد: "إن استمرار الجميع بالاعتماد على النفط كمصدر وحيد للطاقة، وإغفال مصادر أخرى، كالطاقة الشمسية والرياح، والفشل في التوصل إلى وسائل لعزل الكربون لاستخدام الفحم بطريقة غير مضرة بالبيئة، سيجعلنا جميعا في ورطة".