توعيه المواطن بدوره قبل التنمية الحضارية

تفتقد مسيرة التطوير والتنمية الإقليمية والاستراتيجية والتنمية المتزنة لترشيد النمو العشوائي لمدننا وتضخم بعض المدن سكانياً على حساب مناطق مجاورة إلى الكثير من الحلقات التي تربطها. حيث تشوبها سلبيات وعقبات عديدة أساسها يعود في المقام الأول إلى عدم اهتمامنا بتوعية المواطن للتعامل الحضاري مع البيئة العمرانية ودوره في الإسهام في إنجاحها. والمتابع لمجريات الأمور يرى وجود فجوة كبيرة بين ما تقوم به الدولة من سياسات ومدى وعي المواطن بها ومدى تجاوبه معها. وقد يكون سبب ذلك عدم توعية بعض المسؤولين الذين يتجاهلون علم التخطيط كتخصص حديث قائم بذاته وبدور المخططين الوطنيين باعتبارهم المعنيين بالتخطيط المستقبلي للمدن.
ومع ظهور الأزمة الاقتصادية الأخيرة ودخولنا في مرحلة البيات الشتوي أو الصيفي بعد هدوء الزوبعة الماضية، فإنه من المطلوب الآن أن تتضافر جهودنا لاستكمال الأنظمة والاستراتيجيات غير المكتملة وربطها مع بعضها في نظام دولة متكامل. خاصة أننا سنقبل على حروب مختلفة عن السابق وهي الحروب الاقتصادية. وما أحوجنا اليوم وفي الوقت الذي يشرف فيه العالم على تقمص الحضارة الإلكترونية وما ستؤدي إليه الثورة المعلوماتية من التغير الجذري لمبانينا ونسيج مدننا وانعكاساتها على المجتمع ككل. لذلك فإن نجاح أية استراتيجية لن يتم إلا بتوعية المواطن وبعض المسؤولين حضارياً وإعطاء المخططين الوطنيين دورهم في القيادة لوضع خطط وبدائل استراتيجية للنمو المستقبلي لكل حقبة زمنية قادمة يكون لكل منها اسم نصبو إليه يعكس الأهداف المرجوة لتلك الحقبة. ومهما اختلفنا في معالجة النمو فإن المواطن حان له أن يعي دوره للإسهام في عدم تشويه هذه الحضارة والمحافظة على ما تكبدت الدولة فيها ثروات ومجهودات ضخمة. لذلك فإن وضع استراتيجية للنمو ومحاولة المحافظة على تنمية متزنة للمدن والأرياف لن يتم إلا بعد تضافر ثلاثة عوامل أساسية وهي:
الأول: توعية المواطن لأهمية الترابط الاجتماعي والتعامل الحضاري:
إن أفضل نعمة نمن بها على المواطن هي نعمة الوعي الحضاري والإحساس بالمسؤولية وهي تختلف عن التعليم والانطباع الخاطئ أن كل متعلم أو حاصل على شهادات علمية عليا يعد واعياً في سلوكياته مع إخوانه وأبناء فطرته ومجتمعه. لقد أصبح بعض مواطنينا ضحية لتركات التخطيط الأجنبي الذي طمس شخصية كل منهم خلال السنوات الماضية. وهي فترة عانى فيها المواطن لعقود طويلة سلب منه كل شيء حتى الأخلاقيات التعاملية الحضارية بينه وبين إخوانه وعائلته وأصبح بقايا إنسان لم ينفعه حتى تحصيله العلمي سواء في عدم احترام صلة الرحم أو الآخرين وحقوقهم أو أنظمة المرور والتهور الذي يسبب خسائر بشرية هائلة أو عدم التعاون في خلق روح التكامل الاجتماعي. أو رمي المخلفات في الطرقات وبكل استهتار. وما زالت بعض العصبيات مخدوعة في أمرها. فكل مجموعة بيئية مهما بلغت من التخلف أو الجهل تعتقد أنها أفضل وأسمى من جيرانها وهذا هو عين التخلف الحضاري والديني. فمتى يعي المواطن تقدير النعم التي حباه الله إياها بدلاً من النفاق الاجتماعي والإسراف والبذخ الذي يخالف تعاليم ديننا الحنيف. هذه الخصائص هي أساس الدين المعاملة فماذا تركنا لإخواننا المسلمين في أنحاء العالم الذين نعتقد أننا أفضل منهم. وماذا أعددنا لتوعية المواطن للتحول من الحضارة الأسمنتية إلى المدنية وأسلوب التعامل الحضري مع البناء والمدينة والنسيج العمراني والاجتماعي للمدينة وللمساهمة في عملية التخطيط وإحساسه بالمسؤولية في العملية الإحصائية. وأن نخلق روح التآلف فيما بيننا للتعايش سويا في الحي الواحد وإسدال الروح الاجتماعية بين أسرنا للتعارف والتقابل في حدائق الحي والساحات العامة في المدينة بدلاً من رفع الأسوار وبناء السواتر فيما بيننا.

الثاني: الحد من نمو المدن الكبرى
محاولة المحافظة على رقعة وحجم مناسب لنمو المدن الكبيرة مبني على مدى إمكاناتها ومقوماتها الاقتصادية وذلك بتحويل وخلخلة بعض المؤسسات الاقتصادية والجامعات إلى المناطق المجاورة لتنميتها وتوفير الفرص الوظيفية.

الثالث: التوجه للمدن التخصصية
تتميز معظم مدن العالم المتقدم أن كل مدينة لها حجم وطابع خاص وشخصية معتبرة تنم عن تخصصها ومستوى حضارة سكانها ومدى تمدنهم وثقافتهم بين مصاف الحضارات الأخرى. وهذه المدن في معظمها تكون خاضعة لتخطيط مسبق قومي شامل مبني على قاعدة معلومات تحليلية لمقومات كل مدينة. ويتم ترتيب كل مدينة داخل البلاد على أساس تدرج هرمي تخصصي من المدن الكبيرة إلى المتوسطة والصغيرة. وحيث يتم تخصيص كل مدينة لنشاط معين كأن تكون للأنشطة الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية والصناعية والتعليمية. ويكون ذلك بنسب متفاوتة بما يتناسب مع مكونات وخصائص كل مدينة. وبذلك تضمن الدولة تكامل وتجانس النسيج الحضري وإيجاد اتزان في توزيع السكان والأنشطة وتوزيع الدخل. بعكس ما نمارسه الآن في مدننا وخاصة مدينة الرياض العاصمة التي أصبحت تعاني فقدان طابعها، فهي مطلوب منها أن تكون سياسية وإدارية وتجارية ومركز مالي واقتصادي وتاريخي وقد تكون صناعية وكل ذلك في وقت واحد.
لقد أصبح الأمر ملحاً اليوم لطرح موضوع الحد من نمو مدننا وتوعية المواطن حضارياً على طاولة النقاش الموضوعي لمحاولة تحسين وتوجيه الحضارة لمدننا. ومحاولة إيجاد أفضل الطرق لمعالجة نمو مدننا، حيث تكون مثالا جيداً ومضرباً للمثل في النمو العمراني المدروس بين مدن العالم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي