بعد الاحتفال بعيد العمال.. البحرين تلغي نظام الكفيل
ما زلنا في شهر أيار (مايو) وأود أن أشيد بإنجازات الطبقة العاملة العالمية وكفاحها وعرقها من أجل توفير لقمة العيش الشريف مصداقا لقول النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "من بات كالا من عمل يده بات مغفورا له ", ويقول السيد المسيح ـ عليه السلم ـ "طوبى للجياع, طوبى للمظلومين, طوبى للمحرومين, ينامون بعد العناء وعين الرب ترعاهم". على مدى التاريخ لم تتعرض طبقة ما للاضطهاد والظلم كما تعرض له العمال باستثناء العبيد, وقد حاول الكثير من المفكرين والمصلحين الاجتماعيين والاقتصاديين إنصافهم في حقوقهم المسلوبة وفلسفوا الأمور- من كل حسب طاقته ولكل حسب عمله - فما زادوهم إلا رهقا, كانت هذه مقدمة لموضوع إلغاء الكفيل للعمالة الوافدة الذي أقدمت عليه البحرين في خطوة هي الأولى من نوعها خليجيا في محاولة لإنصاف من ظلمهم التاريخ والقدر. وتشكل العمالة الوافدة نحو نصف مليون نسمة جلهم من الآسيويين، أي نحو نصف سكان البحرين, على أن اتباع البحرين سياسة سكانية رائدة ارتكزت على تحقيق الانتقال الديمغرافي والتحكم في نموّه أسهمت في إرساء مجتمع المعرفة إضافة إلى توفير فرص أوفر لأصحاب الأعمال في مواقع القرار وفي الحياة الاقتصادية والاجتماعية, وإن تهافت البعض وانتقد هذه الخطوة خوفا على مصالحه الآنية ليوحي أن ما يثير الانتباه في هذا الموضوع هو أن موقف القطاع الخاص هو دائما ما يطالب بعدم تدخل الدولة في الاقتصاد وترك الأمور تسيرها اليد الخفية أو اقتصاديات السوق، فكيف طالب هؤلاء الدولة هذه المرة بوضع إجراءات وقوانين حمائية؟ إنها المصالح التي تغير الأفراد بين ليلة وضحاها, لقد أضحت البحرين في موقع ريادي في التصدي لهذه القضية وإلغاء نظام الكفيل لأن أطراف سوق العمل لا تقتصر فقط على أصحاب الأعمال والعمال بل هي عالمية تحتم على غالبية العاملين في القطاع الخاص من فئة العمالة الوافدة لأن هناك معايير وأعرافا متبعة يجب التقيد بها. من ناحيته أوضح مجيد العلوي وزير العمل أن التعامل مع هذا الموضوع تم وفق أسس عربية وإسلامية, وأضاف الوزير: "لقد نصت المادة 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن لكل شخص حرية الاختيار, كاختيار العامل لعمله بشروط عادلة"، لذلك فإن صيانة حرية العامل لم تعد أمرا صعبا, ويجب ألا تكتفي الطبقات العاملة بهذا الحد بل يجب أن تتطلع إلى تحسين أوضاعها في ظل تغير الأوضاع التي هي على مثل هذا النحو بإدراج برامج المساعدات الاجتماعية التي تستمد من الطبقات العليا على أنها حق وهذا منظور إسلامي أيضا, وبناء عليه سيأخذ هذا القرار الذي سيطبق على القطاعين الخاص والعام حيز التنفيذ في غضون بضعة أشهر، حيث سيتمتع العامل الأجنبي بحق الانتقال إلى صاحب عمل آخر دون أخذ موافقة صاحب العمل الأصلي، لكن الموضوع ليس سائبا بل هو ضمن ضوابط تضمن حقوق كل من أصحاب الأعمال والعمال في آن واحد حيث يمكن للعامل الأجنبي الانتقال بعد إعطائه صاحب عمله إخطارا برغبته في الانتقال، كما بدد وزير العمل البحريني مخاوف البعض من أن يؤدي هذا القرار إلى زيادة العمالة الوافدة على حساب سكان البلاد الأصليين، حيث يتم العمل على تحديد سقف أعلى للعمالة الوافدة في البحرين فلا يتجاوز حجم العمالة الوافدة السقف المحدد بأي شكل من الأشكال. وبحسب تصورات علماء الاقتصاد فانه لن يخرج هذا الموضوع عن عدة بدائل أهمها وثيقة تأمين إلزامية تضمن حقوق طرفي عقد العمل وتغطي مسؤولية العامل الوافد في حالة تسببه في أضرار وتغطي مسؤولية صاحب العمل أيضا المتعلقة براتب العامل. وقد أوجب هذا القرار الوزاري على العامل الذي يرغب في الانتقال بعد إلغاء تصريح العمل الصادر بشأنه لأسباب ترجع إلى صاحب العمل أن يخطر نفسه خلال 30 يوما أو خمسة أيام عمل من تاريخ إخطاره بإلغائه، في حين سيتم في الوقت نفسه وضع بديل آخر وهو إنشاء هيئة حكومية تابعة لوزارة العمل تشرف على أوضاع العمالة الوافدة, أي أن هذا القرار يخدم حقوق الطبقة العاملة ويعتقهم من الرق الذي تعرضوا له لعقود طويلة على أيدي أرباب الأعمال والذي يضع المقولة الشهيرة "لا تشتري العبد إلا والعصا معه" موضع التنفيذ, فهذا العتق ينسجم بكل تأكيد مع الاحتفال العالمي السنوي بعيد العمال في مطلع هذا الشهر- أيار (مايو) من كل عام. وإذا كانت العمالة الوافدة في الخليج تشكل نسبة كبيرة بما يقارب 52 في المائة من حجم السكان و83 في المائة من إجمالي العمالة في دول مجلس التعاون الخليجي، فإن نظام الكفيل المتبع باعتباره يقيد حرية العامل, ضد النظام المتبع منذ عشرات السنين في الدول. وإذا كان هذا القرار لم يلق ترحيبا من رجال الأعمال الخليجيين خشية إسهامه في عرقلة أعمالهم، كما أسلفنا وخروج ظروف السوق عن سيطرتهم وخوفا من شيوع الفوضى في انتقال العمالة أو ربما يؤدي هذا القانون إلى ارتفاع الأجور في حالة استجابة باقي دول مجلس التعاون للتوجه البحريني خصوصا بعد أن أعلنت دول لها ثقلها كالسعودية والكويت تفكيرها في إلغاء نظام الكفيل أسوة بالبحرين. وتجدر الإشارة إلى أن دول الخليج ظلت محل انتقاد منظمات دولية لاتباعها نظام الكفيل المحلي للأجنبي على الرغم من أن هذا النظام يضبط العمالة, إلا أن المغالاة في استغلال النظام ووجود ثغرات فيه دفعت بحكومات دول الخليج إلى التفكير في أنظمة تضبط وتنظم العمالة الوافدة بطرق أخرى وتضمن حرية العامل وفي المقابل تضمن الأمن والاستقرار الاجتماعي والديموغرافي. العمال هم القلب النابض للاقتصاد العالمي وذلك على الرغم من التطور التكنولوجي الذي لم يستطع أن يقلل من مكانتهم، لذلك يجب أن يتمتعوا بحقوقهم كاملة ومن ضمنها حرية الانتقال من عمل لآخر. لقد وفر هذا النظام الحرية التي يحتاج إليها العامل وهي حرية عجزت النظم الاشتراكية المتداعية عن تقديمها. لقد تبوأت البحرين بهذا القرار موقعا متقدما بين دول المنطقة في التعاطي مع عمالتها الأجنبية. إن انعكاسات النظام ستشمل رفع الرواتب للعمالة المواطنة والوافدة معا وسط استبعاد أن تكون للقرار أية سلبيات جوهرية على السوق.