مؤسسة النقد: تقارير دورية لتقييم مخاطر البنوك السعودية
أكد الدكتور محمد الجاسر محافظ مؤسسة النقد، أن جميع البنوك تقدم حاليا تقارير دورية لتقييم المخاطر المهمة الخاصة بها ومتطلبات رأس المال، مشيرا إلى أن هذه الإجراءات التي عملت على تعزيزها مؤسسة النقد في القطاع المصرفي المحلي جنبته تداعيات الأزمة العالمية.
وتحدث الجاسر أمام ندوة مخاطر المصارف التي نظمها المعهد المصرفي بالتعاون مع مؤسسة التمويل الدولية أمس في الرياض، قائلا إن متوسط معدل بازل لكفاية رأس المال في البنوك السعودية ظل فوق 20 المائة خلال الـ 18 عاما الماضية تقريبا.
في مايلي مزيد من التفاصيل:
أكد الدكتور محمد الجاسر محافظ مؤسسة النقد أن مؤسسة النقد ستواصل تشجيع البنوك السعودية لتحسين أنظمتها الداخلية لتقييم المخاطر، واعتماد أفضل المنهجيات لاختبارات التحمل، مشيرا إلى أن البنوك تتفهم قيمة الاستثمار في أنظمة المخاطر حتى تتمكن من التمييز بين أنواع مختلفة من المخاطر وإدارتها على نحو أفضل. وبالتالي ستتمكن من الارتقاء بطريقة اتخاذها للقرارات بشأن خطوط الائتمان التي يتم تطويرها وكيفية تسعيرها، وتصميم برامج مكافأة لا تحفز الأفراد بالإقدام على مخاطر لا مبرر لها. ومع ذلك، فإن أحد الدروس المهمة المستخلصة من الأزمة المالية هو أن منهجيات المخاطر المتقدمة ليست كافية إذا استبعد المنطق السليم.
إن منهجيات إدارة المخاطر البسيطة وطريقة المنطق السليم في إدارة المخاطر يجب أن توفر أساسا متينا لإطار عمل للمخاطر. ولعل الأزمة الحالية تدفعنا إلى استذكار أساسيات العمل المصرفي.
#2#
وقال الجاسر: يتسم نهجنا الرقابي بسمة أخرى وهي التركيز على عناصر مواجهة تقلبات دورة الائتمان والعناصر الاحترازية الكلية. وعلى مدى العقود الماضية، شجعت مؤسسة النقد البنوك على زيادة مستويات رأس المال ومخصصات القروض خلال فترات التوسع الاقتصادي، والسماح بانخفاضها لدى تراجع دورات النشاط الاقتصادي. وتجدر الإشارة إلى أن متوسط معدل بازل لكفاية رأس المال في البنوك السعودية بقي فوق 20 المائة خلال 18 عاما الماضية تقريبا، ولم يتراجع عن هذا المعدل إلا خلال ثلاثة أعوام فقط، ومع ذلك ظلت فوق الحد الأدنى الذي أقرته لجنة بازل.
وتابع الجاسر الذي كان يتحدث أمام ندوة المخاطر في المصارف التي نظمها المعهد المصرفي بالتعاون مع مؤسسة التمويل الدولية في الرياض أمس، أنه خلال أحدث فترة توسعية بين 2001 و2008، اقتربت مخصصات خسائر القروض من ذروة تزيد على 200 في المائة من القروض المتعثرة في عام 2005 قبل أن تنخفض إلى 153 في المائة في عام 2008. إن سياسات مواجهة تقلبات دورة الائتمان التي تبنتها المصارف السعودية خدمتها بشكل جيد في فترات التقلبات الشديدة.
وفي السنوات الأخيرة، شجعت مؤسسة النقد المصارف السعودية على استحداث منصب كبير مسؤولي مخاطر CRO، الذي ينبغي أن يكون مسؤولا عن جميع المخاطر، وينبغي أن يكون مرتبطا بشكل مباشر بالرئيس التنفيذي وأن يتواصل مع اللجنة التنفيذية ومجلس الإدارة. ويجب أن يكون كبير مسؤولي المخاطر مؤهلا فنيا ومهنيا ولديه القدرة على أن يكون مستقلا وموضوعيا في اتخاذ قرارات إدارة المخاطر. كما تتوقع المؤسسة من مجلس الإدارة المشاركة في تحديد مدى قدرة البنك على تحمل المخاطر، ومراقبة أدائها.. إننا نريد الاطمئنان إلى تركيز البنوك على المخاطر الكامنة في كل جوانب أعمالها وقراراتها التشغيلية.
وفي إطار عرضه لمتابعة مؤسسة النقد لسياسات قياس المخاطر في البنوك، قال الجاسر إن المؤسسة تتولى، إضافة إلى تنفيذها السياسة النقدية، مسؤولية الرقابة المصرفية والرقابة على شركات التأمين، هذا يعني أن لدينا علاقة وثيقة جدا ومثمرة مع البنوك وشركات التأمين. ومنذ أيامها الأولى، دعت مؤسسة النقد كبرى البنوك الدولية لتعمل هنا حتى تطبق خبراتها وتقدم للسوق المحلية أفضل ممارسات إدارة المخاطر. وبالفعل تم تحديد هذا الأمر بوضوح في اتفاقيات الإدارة الفنية وخطط عملها.
وتابع: كنا سباقين في إدخال أفضل معايير إدارة المخاطر الصادرة من جميع الجهات، وفي الواقع، قامت البنوك في المملكة العربية السعودية بتنفيذ كافة توصيات إدارة المخاطر الصادرة عن لجنة بازل: معيار بازل1، ومعيار بازل2، ومبادئ بازل الأساسية وغيرها من الاقتراحات. وفي عام 2005، اعتمدت مؤسسة النقد نهج الرقابة على أساس المخاطر، التي نقوم في ظلها بتقييم مستمر لمخاطر الائتمان والسوق والمخاطر التشغيلية وغيرها التي قد تتعرض لها البنوك، وكذلك العوامل التي تخفف أو تحد من المخاطر. وهي تشمل قوة مجلس الإدارة والإدارة العليا، والأهمية التي يوليها البنك لوظيفة إدارة المخاطر وغير ذلك، وأود أيضا أن أؤكد أن عمل الرقابة الميدانية والمكتبية الذي تمارسه المؤسسة يضمن التزام المصارف الكامل بالمعايير الدولية.
وفي عام 2008، اعتمدنا متطلبات خطة التقييم الداخلي لكفاية رأس المال ICAAP بموجب معيار بازل2، وتقوم الآن جميع البنوك بتقديم تقارير تقييم المخاطر المهمة الخاصة بها ومتطلبات رأس المال على أساس توقعات المستقبل.
وتشمل المخاطر المقيّمة مخاطر الدعامة الأولى (المخاطر الائتمانية والسوقية والتشغيلية)، ومخاطر الدعامة الثانية (السيولة وسعر الفائدة، والمخاطر الاستراتيجية، والسمعة، وتركز القروض، وغير ذلك)، وتؤدي عملية تحديد المخاطر ومناقشتها إلى حوار بناء بين مؤسسة النقد العربي السعودي وإدارات البنوك. ونقوم معهم بتحديد مجموعات المخاطر ونتحاور بشكل مفيد حول كفاية رأس المال.
وعرج محافظ مؤسسة النقد على الأزمة المالية العالمية، قائلا إن المرحلة الراهنة تمثل أوقاتا عصيبة جدا في ظل أكبر أزمة مالية منذ الحرب العالمية الثانية. ونشأت هذه الأزمة في صلب النظام المالي ولها آثار سلبية كبيرة، حيث تمخضت عن خسائر مصرفية فادحة لمؤسسات مالية كبيرة، وأحدثت تغييرات ضخمة في سياسات الحكومات تجاه القطاع المالي، وأخلت باستقرار الاقتصاد العالمي.
وأضاف: حددت دراسات رفيعة المستوى الأسباب التي كانت وراء الأزمة المالية والمتعلقة بالنظام المالي ككل، ويمكن أن تعزى هذه الأسباب إلى عاملين: أحدهما من جانب الحكومات، حيث كان هناك ضعف في التنظيم والإشراف في الأسواق المتقدمة بناء على الاعتقاد بأن النظام المالي كان قادرا إلى حد كبير على تنظيم نفسه. ولكننا تعلمنا الآن أن "الإشراف الذاتي ليس إشرافا". وقد كان هذا إخفاقا فكريا. والعامل الثاني يعود إلى المؤسسات المالية، حيث تمثل الخطأ في ضعف الاحتراز.
فقد تعرضت المصارف إلى الانكشاف المفرط في القروض نظرا إلى وجود قاعدة رأسمالية غير كافية وقدمت قروضا ضخمة للمؤسسات والشركات المالية غير الخاضعة للإشراف والرقابة. وفشل نموذج ما يسمى originate to distribute فشلا ذريعا، حيث حقق أرباحا باهظة للمصرفيين الذين سوقوا خدمات ائتمانية ووزعوا مخاطر غير مدروسة على المتعاملين الذين كانوا غير راغبين أو غير قادرين على تحليل نتائجها، وفشلت أنظمة المحاسبة وإدارة المخاطر داخل المصارف تحت ضغط برامج المكافآت المشوهة التي تركز على الأرباح قصيرة الأجل. وفي النهاية، تمخضت مشكلة في قطاع من السوق (قروض الرهن العقاري) عن انهيار النظام بكامله.
ولعل من المفارقة أن المؤسسات المالية الأكثر تطورا كانت بين الضحايا الأكثر تضررا من الأزمة المالية. وفي سنوات الطفرة، كان يُشاد بهذه المؤسسات لما لديها من أنظمة متقدمة لإدارة المخاطر ونظام حوكمة قوي. والواضح الآن أن مجالس الإدارات والإدارة العليا فشلت في إدراك التحولات السريعة في نماذج العمل لديها والتغيرات الكبيرة في المخاطر التي كانت تديرها. وكان يفترض بالمديرين غير التنفيذيين استيعاب مجموعة من المعارف والحقائق الموضوعية لإدراك هذه القضايا إلا أنهم فشلوا في مساعدة المصرفيين على إدارة المصارف. وقد بينت لنا الأزمة مدى تعقيد إدارة هذه المجموعات المصرفية الكبيرة فعلا إلى جانب ضعف فهم المديرين غير التنفيذيين لمختلف المخاطر، وهناك أسئلة يجب إثارتها فيما يتعلق بالكفاءة الفنية والمهارات والخبرة الضرورية لأداء مهام لجان مجلس الإدارة.
ومما يُدهش أيضا أن الجهات الرقابية والجهات التنظيمية للمصارف في الأسواق المتقدمة قد أخفقت في اكتشاف الأخطاء التي كانت تحدث خلال فترة طويلة من الزمن. وقبل عشر سنوات فقط تمت صياغة مشروع معيار بازل2 على أساس أن معيار بازل1 كان بسيطا جدا، حيث لم يبن على إدراك كامل لمدى تعقيد المخاطر المتأصلة في إدارة المركز المالي.
وكان الافتراض الأساسي لمعيار بازل2 أن المصارف الكبيرة التي لديها ممارسات متقدمة لإدارة المخاطر يجب أن تستفيد عن طريق تكوين مخصصات رأس المال أقل من نظيراتها الأقل تطورا. وقد بينت الأزمة المالية وبشكل واضح أن درجة تعقيد المصارف الكبيرة قد فاقمت فعلا معظم أنظمة إدارة المخاطر لديها. وهناك طبعا استثناءات لهذه المقولة – فقد خرجت بعض المصارف الدولية بسلام من الأزمة – ولكن هذه المقولة تظل بشكل عام صحيحة.
ونحن نتعلم العبر من هذه الأزمة: فقد بدأت الجهات التنظيمية في تطبيق منهجية احترازية على مستوى الاقتصاد الكلي لتحديد مشكلات النظام المالي التي لم تكشف عنها المنهجية القديمة المتمثلة في دراسة كل مصرف على حدة. وعلى غرار ذلك، تدرك المصارف الآن قيمة المنهجية الأكثر شمولا وتكاملا لإدارة المخاطر، ويجب تحديد المخاطر قبل إدارتها. وهذا يتطلب من إدارة المصارف أن تتغلب على العقبات التنظيمية بين وحدات الأعمال وخطوط الائتمان. ويب على الإدارة العليا أن تنشئ عملية إدارة مخاطر شاملة مخاطر تتجاوز حدود التقسيم التقليدي إلى مخاطر الائتمان والسوق والمخاطر التشغيلية.
ويجب التعامل مع جميع المخاطر المهمة بما في ذلك مخاطر السيولة والمخاطر الاستراتيجية ومخاطر السمعة والمخاطر القانونية وغيرها من المخاطر. وهناك بعض المخاطر التي قد لا تبدو مهمة إذ نظر إليها بحد ذاتها. ولكننا تعلمنا الآن أن هذه المخاطر يمكن أن تصاحب مخاطر أخرى وتسبب خسائر جسيمة.
دعوني الآن أتطرق إلى مواضيع المخاطر بتفصيل أكثر. لقد شاهدنا نتائج اختبارات التحمل الأخيرة التي أجريت على المصارف الأمريكية. وعالميا، أصبحت اختبارات التحمل أداة تنظيمية مهمة، ومن الأفضل للمصارف أن تتبنى هذه الاختبارات ليس كمطلب تنظيمي فحسب ولكن باعتبارها جزءا لا يتجزأ من عمليات إدارة المخاطر لديها وطريقة تنفيذ معيار بازل2. ويتعين على المصارف أن تطبق نتائج هذه الاختبارات في عملية إدارة المخاطر لديها واستراتيجيات العمل وتخطيط رأس المال.
إن بعض المخطر يمكن التحوط ضدها أو تحويلها. ولكن هذا لا ينطبق على المخاطر التشغيلية، لذلك تعد إدارة المخاطر التشغيلية ذات أهمية خاصة للمصارف. فاستخدام المصارف للحواسيب وتقنية المعلومات ذو أهمية بالغة لشريحة كبيرة من الأعمال، بما فيها عملية إسناد مهام لطرف ثالث، وهذا يعرض المصارف لمجموعة من المخاطر: أعطال النظام والنسخ الاحتياطي، وسرقة البيانات، والعدوى الفيروسية ليست سوى أمثلة قليلة. وفوق ذلك، تتعرض المصارف إلى مخاطر السمعة إلى حد كبير، وهذا الأمر لم ينظر بعد بصفة رسمية ويعالج بصفته عنصر مخاطرة في كثير من المصارف.
وقال الجاسر: وفي الختام، ثبت وللمرة الثانية خطأ الفكرة القائلة إن الأسواق ستتغلب على نقاط ضعفها. لقد ركزت جهات التنظيم البنكية تاريخيا على كفاية رأس المال، في حين أظهرت هذه الأزمة أن قضايا السيولة هي بنفس القدر من الأهمية، وأن هناك مجموعة من العوامل الأخرى، مثل المحاسبة والتدقيق والحوافز المالية، يجب معالجتها في أعقاب الأزمة المالية العالمية.
المخاطر لن تزول نهائيا، بل ستتطور وتظل تشكل تحديا لنا.
واختتم محافظ مؤسسة النقد كلمته باقتباس من الكتاب الشهير لبيتر برنشتاين حول تاريخ المخاطر: "إن علم إدارة المخاطر يخلق في بعض الأحيان مخاطر جديدة بعد السيطرة على المخاطر القديمة. إن ثقتنا في إدارة المخاطر تشجعنا على المجازفة بأخذ مخاطر ما كنا لنأخذها". ولكن: "القدرة على إدارة المخاطر، ومعها القدرة على المجازفة واتخاذ خيارات مستقبلية، وهي العناصر الرئيسة للطاقة التي تحرك النظام الاقتصادي إلى الأمام". إن تعليقات بيرنشتاين المتبصرة التي أدلى بها قبل عقد من الزمن باتت اليوم صحية تماما.
"أخيرا أتقدم بالشكر لمؤسسة التمويل الدولية والمعهد المصرفي على تنظيم هذا المؤتمر المهم وعلى توقيته المناسب".
#3#
من جهته أوضح جمعان الوقداني المدير العام للمعهد المصرفي، أن المصارف تواجه العديد من المخاطر النظامية التي قد لا يكون لديها القدرة على التحكم فيها، ولكن باستطاعتها التعامل معها والحد من نتائجها حيث تواجه مخاطر غير نظامية تتعلق بطريقة الأعمال التي يمكن تجنبها من خلال وضع السياسات والضوابط الملائمة واختيار وتأهيل الكوادر وتحسين أنظمة الرقابة والالتزام بأسس الحكومة الرشيدة.
وأضاف أن فريق العمل في المعهد قام بالتعاون مع مؤسسة التمويل الدولية باستقصاء واستشارة آراء المختصين وأخذ مرئياتهم عن المواضيع التي يودون مناقشتها وطرحها في جدول أعمال الندوة وقد ركزت الندوة على آخر المستجدات والتطورات في قطاع الخدمات المالية وأنواع المخاطر في ظل هذه التطورات إضافة إلى الأساليب المختلفة لإدارة هذه المخاطر.