المشتقات المالية تدق أبواب سوق المال.. فلندرب الوسطاء
أشار تقرير هيئة السوق المالية السعودية إلى أن الهيئة تنوي إجراء دراسة لإدخال منتجات جديدة إلى سوق المال المحلية من بينها المشتقات المالية والبيع على المكشوف وعقود الخيارات. وأبلغ "الاقتصادية" في وقت سابق الدكتور عبد الرحمن التويجري رئيس هيئة سوق المال أن هذه الدراسة ستكون متأنية والتطبيق سيأخذ وقتا بناء على معطيات الدراسة. والمشتقات المالية كما هو معلوم هي عبارة عن عقود مالية تشتق قيمتها من قيمة أصول حقيقية أو مالية أخرى (أسهم وسندات وعقارات وعملات أجنبية والذهب والسلع) وتكون لتلك العقود المالية مدة زمنية محددة إضافة إلى سعر وشروط معينة يتم تحديدها عند تحرير العقد بين طرفين، البائع والمشتري. الدكتور حسين العطاس (دكتوراة في محاسبية المشتقات المالية)، تفاعل مع ما نشرته "الاقتصادية" حول دراسة الأدوات الجديدة وأعد التقرير التالي عن المشتقات المالية.
#2#
اتسمت الفترة التي صاحبت التطورات الحديثة التي لحقت أخيرا باقتصاديات المال والأعمال نتيجة عديد من المتغيرات البيئية الحديثة من عمليات للتحرر الاقتصادي واعتبارات المنافسة وتطور نظم تكنولوجيا المعلومات بوجود تقلبات مستمرة في الأسعار كان لها تأثير مباشر في زيادة تعرض أسواق المال للمخاطر المالية وانتشارها بشكل واسع وسريع، وقد ترتب على الزيادة المطردة في قابلية أسعار تلك الأسواق للتقلبات الحادة تزايد أهمية عمليات الحماية أو التغطية ضد هذه المخاطر لدرجة أصبحت ضرورة لا غنى عنها في بيئة اقتصاديات المال والأعمال في العصر الحديث.
ولا تشذ أسواق الأوراق المالية عن هذه القاعدة فقد أصبحت الأسعار في تلك الأسواق معرضة بشكل متزايد للارتفاع الحاد أو الهبوط الحاد مما يجعل عمليات التغطية على درجة كبيرة من الأهمية في هذه الأسواق، واستجابة لهذه السمة الحديثة المرتبطة أيضا بأسواق الأوراق المالية ظهرت عديد من أدوات التغطية لتلبي الاحتياجات المختلفة في هذا الشأن وأصبح مصطلح المشتقات المالية من المصطلحات الشائعة الاستخدام في هذا المجال للتعبير عن عديد من أدوات التغطية أو الحماية المستخدمة في تقديم الحلول للمشكلات المالية التي تتعرض لها أسواق المال بشكل عام وسوق الأوراق المالية على وجه التحديد.
ولقد صاحب ظهور وشيوع استخدام مصطلح المشتقات المالية كثير من الغموض والخلط بشكل عام ومن ناحية المفهوم أو المغزى على وجه الخصوص، فقد عرفت أسواق المال ومنذ فترة ليست بالقصيرة الأدوات المالية الأساسية، التي تمثلت في الوسائل التقليدية لتدبير الأموال اللازمة لأسواق المال والأعمال ومن أهم هذه الوسائل، التي يعرفها الجميع الأسهم والسندات. ومع التطورات الحديثة التي لحقت بأسواق المال أصبح استخدام هذه الوسائل معرضا لمخاطر التقلبات وهو ما يعرف بحالة الارتفاع الحاد أو الانخفاض الحاد في الأسعار، وقد شكل ذلك السبب الرئيسي في استحداث أدوات مالية تتصف بالمقدرة على توفير الحماية أو التغطية للأصول المالية الأساسية ضد هذه المخاطر المالية، وظهرت تلك الأدوات المالية ( المشتقات المالية) لتشتمل على مجموعة متنوعة من الوسائل يلائم كل منها أغراض توفير الحماية ضد نوع معين من مخاطر التقلبات في الأسعار، وبالتالي فهي عقود واتفاقيات مالية قيمتها مشتقة من الأدوات المالية الأساسية تعمل في ضوء سلوك أسعار الأداة المالية المعنية ذات العلاقة بموضوع العقد بهدف الحماية من المخاطر المترتبة على استخدام الأدوات المالية الأساسية في الأسواق الحاضرة وتحقيق المضاربة من ناحية أخرى. وهكذا شكلت المشتقات المالية في الأساس اتفاقيات لتحويل المخاطر المحتملة واللصيقة باستخدام الأدوات المالية الأساسية من الطرف الذي يرغب في تجنبها إلى الطرف الذي يرغب في تحمل نتائجها إذا وقعت، وذلك من خلال مساهمتها في تأدية وظيفة إلغاء تأثير التغيرات في قيمة الأدوات المالية الأساسية سواء كان الإلغاء كليا أو جزئيا وتوفير الحماية لها من المخاطر الناتجة بفعل قوى السوق من خلال الحماية أو التغطية في القيمة العادلة أو التدفقات النقدية للمشتق المالي (عقود مؤجلة ومستقبلية أو خيارات مثلا) بشكل متساو للتغيرات في القيمة العادلة للأداة المالية الأساسية أو التدفقات النقدية الناتجة عنه (أسهم و سندات مثلا) وأن هذه التغيرات في القيمة العادلة أو التدفقات النقدية تتحرك بشكل عكسي وفي اتجاه مخالف للتغيرات في القيمة العادلة أو التدفقات النقدية للأداة المالية الأساسية المستهدفة في السوق الحاضرة.
وتشتمل عقود المشتقات المالية التي قدمتها مبتكرات الهندسة المالية في الفكر المالي الحديث على عديد من الأنواع تختلف بحسب وطبيعة تداولها في أسواق المال فمنها ما يستخدم بشكل واسع في الأسواق غير المنظمة أو الأسواق خارج المقصورة كما يطلق عليها في بعض الأحيان كالعقود المؤجلة وعقود المقايضة، وهذه الأسواق تتسم بخاصية التفاوض الشخصي والمباشر بين طرفي العقد في شروط التعاقد كافة ولا تخضع لأي من الأنظمة واللوائح التي تحكم تعاملاتها بشكل منظم ولا يوجد مكان محدد لتداولاتها (غير مركزية) مما يؤدي إلى نقص الشفافية في تعاملاتها وانخفاض السيولة وزيادة حدة المخاطر المالية بينما تمثل العقود المستقبلية أحد أهم أنواع عقود المشتقات المالية المتداولة في الأسواق المنظمة والرسمية، وهي عقود متجانسة في جميع شروطها من حيث حجم العقد وشروط وتواريخ التسليم ومواصفات أو درجة جودة الأصل محل التعاقد ومكان التسليم وكيفية التسليم باستثناء سعر العقد الذي يتم التفاوض عليه وتحديده وفقا لرغبة طرفي العقد، وعدد العقود التي تحدد احتياجاتهما، وبذلك تحقق هذه العقود الشفافية بشكل يضمن التسعير العادل والسيولة بما يلبي احتياجات الأطراف المتعاملة كافة.
وتأتي أخيرا عقود الاختيار التي تندرج ضمن العقود المستخدمة في كلا النوعين من الأسواق من أسواق غير منظمة ومنظمة، وهي عقود تعتمد في المقام الأول على خاصية حق الاختيار وليس الإلزام فيما يتعلق بتنفيذ التعاقد أو حق إلغائه. ولا تختلف هذه الأنواع في مفهومها والهدف منها بشكل عام بأنها عقود تبرم في الأساس بين طرفين بسعر يحدد في الوقت الحاضر على أن يتم التنفيذ في تاريخ مستقبلي بحسب طبيعة تداولها واستخداماتها في أسواق المال.
وعلى الرغم من أن المشتقات المالية نشأت في الأساس كوسائل تستخدم لأغراض التغطية أو الحماية من المخاطر من خلال القيام بصفقة يبحث من خلالها أحد المستثمرين عن حماية مركز له في السوق الحاضرة باستخدام مركز مضاد من خلال المشتقات المالية، إلا أن ذلك لا يمثل الاستخدام الوحيد لها فوجود طلب على المشتقات المالية كان لا بد أن يقابله عرض من جانب أطراف أخرى، وبالتبعية نما عرض من نوع آخر من جانب هذه الأطراف لاستخدامها كوسيلة للمتاجرة أو المضاربة بغرض تحقيق الأرباح. وقد أصبح هذا الهدف الأخير يمثل أحد مجالات الاستخدام المهمة للمشتقات المالية – وهو المضاربة أو المتاجرة بهدف التربح والحصول على المكاسب من شراء العقد من الطرف الآخر الراغب في تغطية مخاطرة.
وعلمنا أن هيئة سوق المال السعودية تنوي إجراء دراسة متأنية حول إمكانية التعامل مع المشتقات المالية في سوق الأوراق المالية والبدء في إمكانية تداول أدواتها كوسيلة لتوفير الحماية للمتعاملين من مخاطر التقلبات في الأسعار وتكون في الوقت نفسه قادرة على تشجيع الاستثمار في هذه السوق وتحقيق الانتعاش لها وتنشيطها من خلال توافر وسائل نقل المخاطرة من الطرف الذي يرغب في تجنبها إلى الطرف الذي يرغب في تحملها وبالتبعية جذب نوعية المستثمرين الذين يرغبون في تحقيق عائد على استثماراتهم دون التعرض إلى تقلبات غير متوقعة أو غير محسوبة في هذا العائد أو في الوعاء الذي يفرزه الاستثمار في هذه السوق.
وهذا حفزنا لإعطاء نظرة عامة للقارئ والمستثمر العادي عن أهمية توافر مجموعة من الجوانب التنظيمية والفنية لتعاملات هذه العقود وتشكل في الوقت نفسه الإطار العام الذي يحكم تداولاتها يحدد من خلاله الخطوط العريضة التي يتم الاسترشاد بها والاعتماد عليها في ضوء مجموعة من المقومات تسهم في عمل المشتقات المالية بالشكل الذي يجعلها قادرة على تحقيق أهدافها في بيئة سوق المال السعودية ويكون قادرا في الوقت نفسه على توفير الاحتياجات كافة من المعلومات اللازمة لهذه العقود بالشكل المطلوب. وحتى يكون هذا الإطار قادرا على تحقيق أهدافه بالمستوى المطلوب يجب أن ينظر إليه على أنه دستور أو نظام متوافق يتضمن مجموعة من العناصر والأساسيات المترابطة التي بتكاملها يتحقق أفضل أداء ممكن له في البيئة التي نشأ من أجلها، هذه العناصر تمثل المقومات الأساسية التي يرتكز عليها وضع إطار يحكم تداول المشتقات المالية في سوق المال السعودية وذلك بتوصيفه التوصيف الجيد الدقيق والموضوعي وتجميعه وتنظيمه بصورة متسقة، يحدد الهدف من إدراج المشتقات المالية في هذه السوق، ويبين الخصائص التي تحكم هيكله بصورة تجعل من تداول المشتقات المالية ذات فائدة ونفعية، ويوفر الاحتياجات كافة من المعلومات المرتبطة بهذه الأدوات لمستخدميها على المستوى المطلوب، ويحدد الوسائل أو الأدوات التي يمكن من خلالها عرض احتياجات المستخدمين للمشتقات المالية بوضوح. ولكي تتحقق المنفعة المطلوبة من هذا الإطار وتجعله قادرا على تحقيق الهدف منه وهو إدراج وتداول المشتقات المالية في سوق المال السعودية فإن ذلك يتطلب توافر عدة خصائص تعبر عن مدى جودة وفعالية المشتقات المالية في تحقيق الهدف منها مما يتيح لمستخدميها الاطمئنان والمصداقية.
ومن هذه الخصائص الشمول بحيث يجب أن يتسع هذا الإطار ليشمل جميع عقود المشتقات المالية المستهدف تداولها واستخدامها من جانب المستثمرين والمتعاملين في السوق إضافة إلى توافر خاصيتي المرونة في تعاملات هذه الأدوات المالية المعقدة والإلزام في تطبيق الضوابط واللوائح كافة التي تحكم تداولات هذه المشتقات المالية بشكل يضمن المساهمة في تحقيق الشفافية والفعالية وبالتبعية زيادة دعم وتنشيط سوق الأوراق المالية ونموها، أيضا يمكن الأخذ في الاعتبار ما يسمى خاصية التوافق والتجانس بين محتويات الإطار في ضوء التوصيف الدقيق لمحتوياته ومدى قدرته على تحقيق الهدف منه في بيئة سوق المال السعودية يحقق من خلاله التوازن بين النظرية والتطبيق، وكذلك التوازن بين المصالح المتعارضة لمستخدمي هذه العقود المالية.
وبشكل عام حتى يمكن استيعاب قضية المشتقات المالية والتعامل من خلال أدواتها في تحقيق الهدف منها بشكل عام يجب أن تتوافر مجموعة من القواعد التنفيذية التنظيمية والفنية التي تحكم تعاملات هذه الأدوات في بيئة سوق الأوراق المالية. هذه القواعد يمكن تقسميها في شكل أطر فرعية للإطار العام تتمثل في الإطار التنظيمي والإطار الفني، ويحكم الإطار التنظيمي مجموعة من اللوائح والضوابط والأنظمة والتشريعات التي تحكم آلية استخدام هذه العقود والإشراف على تعاملاتها وتنفيذها من ناحية والرقابة على تداولاتها في السوق من ناحية أخرى.
ويتمثل الإطار الفني في مجموعة من القواعد التي تتمثل في الجوانب اللازمة لتأهيل وتدريب المتعاملين من السماسرة والوسطاء العاملين في السوق على كيفية التعامل من خلال المشتقات المالية، فالبورصات التي تستخدم مثل هذه الأدوات في أسواقها المالية تعتمد على فكر منظم لإدارة السوق ومتعاملين على درجة عالية من الحرفية إضافة إلى توافر العدد الكافي من الخبرات الفنية المؤهلة تأهيلا مناسبا والنظم الإلكترونية الحديثة وذلك لمواجهة التعقيد الشديد الذي ينطوي عليه التعامل في هذه الأدوات، خاصة أنها تتميز بسهولة الاستثمار فيها كونها لا تتطلب في تاريخ نشأتها أي استثمارات مبدئية وقد تتطلب في بعض الأحيان تكلفة استثمار مبدئية ضئيلة، وبالتبعية الحاجة إلى الكفاءة والمهارة العالية للتعامل مع مثل هذه الأدوات المالية شديدة التعقيد وعالية المخاطر في الوقت نفسه متى ما استخدمت بشكل خاطئ وفي غير الأغراض التي نشأت من أجلها أيضا.... وأخيرا فالمشكلة ليست في المشتقات المالية بقدر ما هي في سوء استخدامها وإدارة أدواتها.