اقتصاديات الخنازير وتأثيرها في العالم

هذا نذير من النذر الأولى، أعتقد أن مسمى جديدا في الاقتصاد قد برز إلى السطح إثر ظهور ما سمي إنفلونزا أو حمى الخنازير, وإن كان سبق ذلك مسميات مشابهة كإنفلونزا الطيور, إلا أن الخنزير باعتباره حيوانا نجسا عند الأديان جميعا قد جعل من الأزمة أكثر إثارة وتعقيدا، "وجعل منهم القردة والخنازير", أي خسف بهم، وفي وقت أخذ فيه الاقتصاد العالمي يترنح تحت تأثير الأزمة المالية جاء الإعلان عن إنفلونزا الخنازير متزامنا مع مرور 100 يوم على حكم أوباما, كما تناسب أيضا مع عيد العمال العالمي ولا أعرف أي رابطة من الممكن أن نربط بها هذه الأحداث سوى أن الجماعات الضاغطة الأمريكية وفي مقدمتهم اللوبي الصهيوني وهو ذو صلة بالقردة والخنازير, ومن أجل تحسين صورة أمريكا جاءت بأوباما كأول رئيس أمريكي أسود للولايات المتحدة منذ أكثر من ثلاثة أشهر وسط آمال كبيرة معلّقة عليه وعلى إدارته وكأنه البلسم الذي سيحل كل الأزمات الداخلية والخارجية لبلاده, لم يكن اختياره من قبل جماعات النفوذ تلك ودفعه للفوز اعتباطا بقدر تمتعه بمواصفات تحتاج إليها السياسة الأمريكية الخارجية على وجه التحديد لتحسين صورة أمريكا الخارجية والتقليل من أزماتها الخانقة, لقد خططت دوائر النفوذ أن يحل محل كل ذلك الصلف وصورة إمبراطورية الشر الأمريكية السلم وإعطاء الشعوب الحق في تقرير المصير في جميع أنحاء المعمورة واحترام حقوق الإنسان لكن العقبات بدأت تظهر وهذا أولها, فالمشكلة تضخمت بصورة أكبر وتنوعت عندما ظهرت إنفلونزا الخنازير وكأنها ضربة وجهت لقمة العشرين التي عقدت أخيرا في لندن برعاية أمريكية والتي حاولت إنقاذ الاقتصاد العالمي عبر الدعوة إلى تنفيذ حزمة اقتصادية تهدف إلى إنعاش الاقتصادات ومكافحة الركود الاقتصادي في العالم، فهذا النوع من الإنفلونزا سيؤثر حتما في الاقتصاد العالمي، حيث تعتمد الكثير من الدول على استيراد لحم الخنزير, وإذا كان من المبكر تقدير التأثيرات الاقتصادية لهذا الطاعون فإن المخاوف ما زالت تتزايد حول التأثيرات الاقتصادية له حول العالم بالتزامن مع اتساع رقعة انتشاره من جهة وتأثيره المحتمل في التجارة العالمية وحركة تبادل السلع والسياحة من جهة أخرى، وتأتي تلك المخاوف خاصة مع ظهور حالات من المرض في الولايات المتحدة وكندا والحديث عن إصابات أخرى في دول أوروبية، حيث رأى خبراء أن الخسائر التي قد يسببها المرض ستضر بفرص إنعاش الاقتصاد العالمي التي أعلن عنها, وتعد المكسيك على رأس قائمة المتضررين وقد سارع البنك الدولي إلى التدخل للمساعدة على احتواء المرض من خلال إعلانه تقديم 205 ملايين دولار للسلطات المكسيكية على شكل تمويل سريع، وذكر بيان للبنك الدولي أن المبلغ سيتم تأمينه للحكومة المكسيكية خلال فترة تراوح بين ثلاثة إلى خمسة أسابيع، مبينا أن البنك سيساعد المكسيك على التعامل مع التأثيرات الاقتصادية للأزمة, وتضرر اقتصاد المكسيك بصورة رئيسة من جراء الكساد الأمريكي الذي ألحق خسائر كبيرة بقطاع الصناعة والذي يعتمد على التصدير بعد أن هبط الإنتاج الصناعي المكسيكي بواقع 13 في المائة خلال الشهر الماضي في اسوأ أداء له على مدى 14 عاما واتخذت العملة المكسيكية - البيسو- مسارا تنازليا خاسرة 20 في المائة مقابل الدولار خلال 2008، وتعاني صناعة التجزئة في المكسيك الأزمة الاقتصادية بالفعل، حيث تشير بيانات نشرت أخيرا إلى أن المبيعات انخفضت بنسبة 8.6 في المائة في شباط (فبراير) الماضي، غير أن مجلة "تايم" الأمريكية التي اختارت الرئيس الأمريكي باراك أوباما كشخصية عام 2008, وكتبت مبررة خيارها أنه: "بسبب الثقة التي أبداها في رسم مستقبل طموح في هذه الفترة الحالكة وما أثبته من جدارة بعثت في الأمريكيين الأمل في أن يتمكن من تحقيقه، فإن الرئيس المنتخب هو شخصية مجلة "تايم" لهذه السنة", وحل وزير الخزانة الأمريكي "هنري بولسون" مصمم الخطة الضخمة بقيمة 700 مليار دولار لإنقاذ النظام المالي الأمريكي من الأزمة في المرتبة الثانية, هذه المجلة قللت في الوقت نفسه من الضجة المثارة حول التأثيرات الاقتصادية المتوقعة لمرض إنفلونزا الخنازير، مضيفة أن نظام الرقابة الصحية الذي تطور حول العالم بعد انتشار مرض "سارس" عام 2002، والذي أدى إلى شل حركة المطارات حول العالم تقريباً إلى جانب تطور عدة أدوية مضادة لأعراض المرض لا شك أنها ستحد من انتشاره, وقد يعطل هذا الانتعاش الاقتصادي للمكسيك بصورة أكبر, ومن غير المرجح أن يؤثر انتشار الإنفلونزا على نطاق واسع تأثيرا كبيرا في المصنعين الذين يعملون بمعدل أبطأ بالفعل وتندمج عملياتهم بقوة بالفعل مع عمليات مؤسسات أمريكية على الجانب الآخر, ويشار إلى أن صندوق النقد الدولي كان قد قدّر عام 2008 تكلفة أي انتشار وبائي لمرض الإنفلونزا حول العالم أكثر من ثلاثة ترليونات دولار، مع إمكانية أن يتسبب في تراجع النمو العالمي بأكثر من 5 في المائة ما يعني أن أزمة الركود الاقتصادي الحالية قد تتحول وفق هذه التقديرات إلى انكماش طويل الأجل, بينما كان البنك الدولي قد قدّر إمكانية أن تصل التكلفة التي يتحملها الاقتصاد العالمي من جراء حدوث وباء إنفلونزا الطيور المعلن عنه سابقا بين البشر إلى ما بين 1.25 إلى تريليوني دولار أمريكي - أو نحو 3.1 في المائة من إجمالي الناتج المحلي العالمي، وفي حين انخفضت أسعار النفط أكثر من 4 في المائة لتقترب من 49 دولارا للبرميل نتيجة مخاوف من تفشي الوباء الجديد على مستوى العالم لتوجه ضربة جديدة إلى الاقتصاد العالمي أو ربما إلى الإدارة الأمريكية على وجه التحديد, وانخفض الخام الأمريكي 2.11 دولار إلى 49.44 دولار للبرميل ليفقد مكاسب سابقة بلغت 1.93 دولار, وأضيرت أسواق الأسهم في آسيا وأوروبا نتيجة هذه المخاوف مما زاد من قلق المستثمرين قبل صدور نتائج اختبار قدرة البنوك الأمريكية على تحمل الضغوط واجتماع مجلس الاحتياطي الاتحادي "البنك المركزي الأمريكي"، وفي الخليج الذي اختار السعودية لتكون مقرا للمصرف المركزي الخليجي لكنه أجل مرة أخرى موعد إصدار العملة النقدية المتوقعة في 2010، فقد أكدت وزارة الصحة السعودية تعزيزها لإجراءات احترازية للوقاية من مرض إنفلونزا الخنازير منذ الإعلان عن تفشيه, وأعلنت دول مجلس التعاون الخليجي حالة التأهب القصوى لمواجهة تداعيات محتملة لدخول أجانب مصابين بمرض إنفلونزا الخنازير لإحدى الدول الخليجية وطالبت مواطنيها بعدم المجازفة بالسفر للدول التي ظهر فيها المرض, في حين قال منتجو النفط الخليجيون أن بامكانهم التعايش مع أسعار نفط معتدلة وقتاً أطول من أجل المساعدة في إنعاش النمو العالمي، لكنهم أعربوا مع الدول المستهلكة عن القلق من أن بقاء الأسعار عند مستويات منخفضة فترة طويلة قد يؤدي إلى قفزة أخرى في أسعار الوقود في المستقبل، إنفلونزا الخنازير هل هو ضربة جديدة للتوجهات والخطط الاقتصادية الأمريكية؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي