بلومبيرج : النظام العالمي الجديد بعد حرب أوكرانيا هل يكون على هوى بوتين ؟

بلومبيرج : النظام العالمي الجديد بعد حرب أوكرانيا هل يكون على هوى بوتين ؟

بعد يومين من إرسال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لقواته إلى أوكرانيا نشرت وكالة الأنباء الروسية "ريا نوفوستي" مقالا يفترض أن النصر الروسي حتمي ويحتفي بعصر جديد يمثل نهاية للسيطرة الغربية وينهي الارتباط بين أمريكا وأوروبا ويعيد روسيا إلى مكانها وفضائها المستحق في العالم.

ومع احتدام القتال في أوكرانيا بدا أن إعلان قيام "عالم روسي موحد" يضم إلى جانب روسيا أوكرانيا وبيلاروس لم يحن بعد. كما سحبت "ريا نوفوستي" مقالها الاحتفالي بسرعة.

ومع ذلك يرى مارك شامبيون أحد كبار خبراء الشؤون الدولية في "بلومبيرج" أن كاتب مقال "ريا نوفوستي" محق في أمر واحد فقط وهو أن الحرب ستؤدي إلى قيام نظام عالمي جديد لكنه لن يكون النظام الذي يأمله فلاديمير بوتين. ومن إستونيا إلى ألمانيا وبريطانيا تغيرت الآن مقاييس الدفاع عن أوروبا.

ولم تعد فكرة نشوب حرب واسعة مع روسيا مستبعدة وبالتالي تعيد الدول الأوروبية النظر في نفقاتها وما يمكن أن تشتريه وما تحتاجه لخوض القتال. وبدلا من أن تؤدي حرب أوكرانيا إلى تعميق انقسام أمريكا والدول الأوروبية الأعضاء في حلف الناتو أدت إلى تماسك التحالف.

وبدلا من انكماش الحلف إلى ما كان عليه قبل توسيعه في التسعينيات كما كان بوتين يطلب قبل غزو أوكرانيا نشر الحلف المزيد من القوات على حدوده الشرقية بالقرب من روسيا. وأرسل الناتو مؤخرا 3000 جندي إضافي والعديد من الدبابات والمروحيات  والطائرات المقاتلة في دول شرق أوروبا الأعضاء لمنع الكرملين من التفكير في توسيع نطاق المعركة في أوكرانيا ليشمل دول أعضاء في الناتو.

ويقول الجنرال ريتشارد بارونس القائد السابق لقيادة القوات المشتركة البريطانية "بغض النظر على شكل نهاية الحرب ومقدار التشاؤم الذي تثيره سيقول المؤرخون إن هجوم بوتين على أوكرانيا منح أوروبا الوقت الذي تحتاجه لكي تتعافى وتتمكن من التصدي لروسيا الآن وللصين فيما بعد". وأضاف أن "أوكرانيا تدفع ثمنا باهظا لكي تشتري لنا هذا الوقت" والسؤال الكبير الآن بالنسبة لأوروبا هو ما الذي ستفعله بهذا الوقت.

وتعهدت ألمانيا بإنفاق 100 مليار يورو (110 مليارات دولار) إضافية على الدفاع هو المثال الأشد وضوحا على تزايد النزعة العسكرية في أوروبا وهو ما ستكون له تداعياته على توازن القوى داخل أوروبا بالإضافة إلى توازن القوة مع روسيا. كما زادت دول أوروبا الأخرى بما في ذلك دول البلطيق الصغيرة الثلاث ميزانياتها العسكرية وهو ما يمثل جرس إنذار بالنسبة لبوتين.

كما طالبت دول البطليق الثلاث إستونيا ولاتفيا وليتوانيا حلف الناتو بإقامة قواعد عسكرية دائمة له على أراضيها إلى جانب أنظمة دفاع جوي بعيدة المدى، حتى لو لم تحصل على كل ما تطلب. هذه المطالب بالتأكيد ليست نتيجة للاستقرار في أوروبا وإنما اعتراف بفقدان الاستقرار.

وتقول هيونا هيل كبيرة مديري إدارة الشؤون الأوروبية والروسية في مجلس الأمن القومي الأمريكي سابقا إن "غزو بوتين لأوكرانيا هو محاولة لانتزاع الأراضي في مرحلة ما بعد الامبراطورية والاستعمار .. فإذا سمحنا بحدوث هذا فإننا نضع بهذا سابقة للمستقبل".

في الوقت نفسه يرى في تحليله أنه يمكن إنفاق هذه المليارات الإضافية التي تم تخصيصها للأغراض العسكرية بشكل فعال أو غير فعال. ومع تلاشي حالة الصدمة الأولية التي سببتها الحرب والإلهام الذي أثارته المقاومة الأوكرانية قد تتلاشى وحدة وتصميم حلف الناتو أيضا.

وقد يتمكن فلاديمير بوتين من تحقيق بعض أهدافه في حين أن هناك مؤشرات على أنه قد يختار عزلة روسيا والاضطراب الدائم في أوكرانيا وأوروبا بدلا من الاعتراف بخطأه. فهزيمته يمكن أن تثير الشكوك حول بقائه السياسي.

ويقول ديفيد شلاباك كبير باحثي الدفاع في مؤسسة راند كورب الأمريكية للأبحاث "مازال الأمر سباقا .. إنه سباق حفزونا فيه على بدء الجري لكن مازالت هناك مسابقة لم يتحرك أي طرف فيها للفوز أو للخسارة. مازالت هناك الكثير من الأوراق المطلوب اللعب بها  على جانب الناتو لكي نحقق الفوز".

من ناحيته يقول ميشيل مازار المساعد الخاص السابق لرئاسة هيئة الأركان المشتركة الأمريكية إن الجيش الروسي مازال يتعرض للقصف ومخزونه من الصواريخ الموجهة ينفد. لذلك وبعيدا عن أي تصعيد كارثي للصراع الحالي فإن أي حرب روسية مع حلف الناتو في المستقبل أصبحت أقل احتمالا مما كان عليه الحال قبل بدء الحرب في أوكرانيا يوم 24 فبراير.

بالطبع سيحتاج الجنرالات الروس إلى 5 سنوات لاستيعاب الدروس وإعادة تجميع وتسليح الجيش لكنهم سيعانون من تأثيرات العقوبات الدولية على بلادهم التي ستحد من قدرة روسيا على الحصول على التكنولوجيا والتمويل من الخارج في الوقت نفسه سيعيد حلف الناتو تسليح نفسه. ويقول مازار إن هذا هو ما يثير القلق بشأن تغيير نظام الأمن في أوروبا. فالاستقرار بين القوتين يعتمد على  الوصول إلى شكل من أشكال الاتفاق المشترك على بقاء الأمر الواقع.

وهذا هو ما حدث مع الاتحاد السوفيتي بعد ستينيات القرن العشرين لكنه لم يحدث مع روسيا تحت حكم بوتين. ومهما كانت حكمة قرار توسيع حلف الناتو بعد انتهاء الحرب الباردة فإن الوصول إلى اتفاق من هذا النوع الآن أصبح مستحيلا. ويضيف مازار إنه بعد حرب أوكرانيا "لن يتم التعامل مع نظام الحكم الروسي باعتباره شريك جيوسياسي للغرب .. فنحن الآن عالقون بمواجهة مفتوحة مع قوة عظمى خطيرة تضمحل وتشعر بالمهانة وتتبنى نزعة وطنية شديدة التطرف".

في الوقت نفسه فإن غزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا كانت له تأثيراته على مختلف أنحاء أوروبا بعد أن أدرك الجميع أن بعد المسافات لا يقدم حماية كبيرة في عصر الصواريخ الهايبرسونيك أي الأسرع من الصوت 5 مرات على الأقل والحروب السيبرانية والاقتصادية بحسب جنرال بريطاني متقاعد يشغل حاليا منصب الرئيس المشارك للمؤسسة العالمية لحلول الدفاع والأمن. وأضاف "الأمر لا يحتاج إلى أكثر من 90 دقيقة لتجد صواريخ كروز فوق لندن".

الأكثر قراءة