ثقافة الضجيج

الصوت إحدى الخصائص الجميلة التي وهبها الله للإنسان ليتمكن من التواصل مع الآخرين. فعلم الصوت أحد العلوم المهمة وله خصائصه المتميزة من حيث درجاته وأوتاره ومستوياته، فالصوت رسالة يبثها الإنسان، ومن خلال قوتها وضعفها وسرعتها وبطئها يتم الحكم عليه. يعمد البعض إلى رفع صوته محدثا ضجيجا لا مبرر له وعادة ما يكون ذلك عندما يحتد النقاش بين اثنين، أو بين مجوعة من الزملاء عند اختلاف وجهات النظر، واستقراء للواقع، نجد أن صاحب الصوت الرفيع هو من يكون موقفه أضعف، ولكنه يعمد إلى رفع صوته في محاولة لتغطية عجزه أو لقلة حيلته منطلقا من مقولة "اغلبهم بالصوت قبل ما يغلبونك!". وما علم أن الحجة القوية أكثر أثرا من رفع الصوت. الشارع الحكيم يحض دائما على الوسطية في كل أمر ومن ذلك التحذير من رفع الصوت المبالغ فيه حتى أثناء الدعاء، "ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا"، وفي الآية الأخرى، "إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى"، وقوله سبحانه "واقصد في مشيك واغضض من صوتك.. الآية". إن هذه الظاهرة السلوكية أمر ممقوت وعادة سيئة يجب على الإنسان أن يوطن نفسه ليكون كلامه قصدا يسمع الآخرين، ولكن لا يؤذيهم وليعلم أن المبالغة في رفع الصوت وإحداث الضجيج لن تحقق له هدفا ولن تساعده على الحصول على حق ليس له، بل العكس قد تفقده القدرة على التركيز وإيصال فكرته، على حين أن الروية والصوت الهادئ المتزن يساعد كثيرا على حل المشكلات، خاصة بين الأزواج الذين لطالما كان الصراخ ورفع الصوت سببا في الانفصال، حيث يرى كل طرف أن رفع الصوت دليل عدم الاحترام. إنه لمن الخطورة بمكان أن ينشأ الأطفال على هذه الثقافة ويتعودوا عليها فتصبح عادة مكتسبة مع ما يصحبها من ضعف في السمع وتوتر وعصبية، وما يلفت النظر أن بعض البرامج الحوارية التلفزيونية تقوم أساسا على رفع الصوت والضجيج المفتعل بين المشاركين، ما يفقدها مصداقيتها ويحيلها أقرب ما يكون إلى برامج تهريجية. التواصل بين الناس أمر لا غنى عنه، ولذا فإنه من المتعين أن يراقب الإنسان نفسه عند التحدث فلا إفراط ولا تفريط، لأن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي