السندات الخضراء وتأثيرها في السياسات الاقتصادية
تلعب أسواق الدين العالمية دورا أساسيا في خدمة النظام الاقتصادي السائد وتوجيه الدول النامية والناشئة لعمل إصلاحات اقتصادية بالطرق التي تتوافق مع قواعد نظام التمويل الدولي سواء في مجالي الديون التجارية للشركات أو الحكومات أو الإعانات من مؤسسات الأمم المتحدة عبر مؤسسات البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي.
نظريا، العالم انتقل إلى مستوى جديد من أدوات إدارة سياسات الدول الاقتصادية وعبر أدوات دين جديدة، صدر في 2007 أول السندات الخضراء من بنك الاستثمار الأوروبي وكان يهدف إلى رفع الوعي بمسائل التغير المناخي، وفي 2008 أصدر البنك الدولي أول سنداته الخضراء، وفي 2010 صدر أول السندات الدولية الكبرى عبر مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي التي تعمل على تنمية القطاع الخاص وتقديم أو تسهيل القروض للشركات، وبذلك تحولت السندات الخضراء إلى أداة من أدوات التحفيز لتمويل المشاريع التي تؤثر بشكل إيجابي في عناصر البيئة والمجتمع والاستدامة، مثل الطاقة المتجددة والمباني الخضراء والزراعة المستدامة أو أي مشاريع أخرى تعود بالفائدة الإيجابية على العناصر آنفة الذكر، وفي الوقت نفسه أصبح هناك طلب متزايد من المقرضين على السندات الخضراء أي من كبار المؤسسات المالية التي تمول الحكومات والشركات عالميا، وبلغ حجم السندات الخضراء 5 في المائة من سوق السندات التقليدية ليقترب من تريليون دولار مع بداية 2022 وتشير تقديرات لـ 2025، إلى وصولها إلى خمسة تريليونات دولار.
إن تداعيات التمويل الأخضر أو السندات الخضراء بمختلف توصيفاتها البيئية أو الاجتماعية أو ما يخدم الاستدامة، ستسهم في توجيه الشركات والحكومات إلى الالتزام بما يخدم مصالح وشروط التمويل الأخضر، وكلها بطبيعة الحال ستؤدي إلى نمو سلسلة القيمة الاستثمارية النظيفة - إن صح التعبير - للمشاريع الرأسمالية والتجهيزات والتكنولوجيا التي تخدم كلا من البيئة والمناخ والاستدامة، مثل معدات توفير الطاقة وجميع المدخلات الصناعية في الأبنية الصديقة للبيئة وتطوير العمليات الصناعية والتجارية والخدمية، كما أن الحكومات المقترضة ستفرض سياسات التزام على وحداتها الاقتصادية الخاصة والعامة للعمل وفق مقتضيات التمويل الأخضر، لنيل مستويات التزام في التصنيف الائتماني في السندات الخضراء مستقبلا.
إن اقتصادات الدول الناشئة والنامية التي تبحث عن التمويل ستجد نفسها أمام فرص تمويل خضراء بديلة عن السندات التقليدية، لكن عليها العمل وفق منهجيات وسياسات جديدة غير معمول بها في اقتصادها سابقا، كمراعاة ظروف العمل للناس ومنع التلوث وصحة وسلامة المجتمعات وتطبيق معايير الاستدامة، كما سترفع السندات الخضراء من تكاليف الدراسات الفنية والآثار التي يتعين على المقترضين تقديمها، وبالفعل صدرت أطر عمل بطريقة الالتزام والرقابة على تلك المشاريع من بعض المؤسسات المالية الممولة، مثل مؤسسة التمويل الدولية IFC، كما أن الدول المقترضة على أسس تجارية ستقدم التزاماتها مع تغيير لبعض سياساتها الاقتصادية.