التضخم وسلوك المستهلكين في نشاط السوق
التضخم أصبح من القصص الأكثر إشغالا للمحللين في الأسواق العالمية، حيث وصل في الولايات المتحدة إلى حدود 7 في المائة، وهي نسبة لم تصل إليها الولايات المتحدة منذ عقود، وخطورة الأمر أن ضخ السيولة الذي كان في الفترة الماضية وتخفيض معدل الفائدة بهدف الحد من التباطؤ في الأسواق، تحول اليوم إلى ضغوط تضخمية في معادلة يصعب حلها، والعمل على رفع سعر الفائدة للحد من الارتفاع في الأسعار وجذب السيولة مرة أخرى إلى البنوك التجارية والمركزية قد يحصل في وقت لم يتعاف فيه الاقتصاد العالمي بصورة كافية، ما يجعل الصعوبات تتضاعف ويصعب معها الحل، كما أن الارتفاع في قيمة الأصول عالميا أصبح مبالغا فيه بسبب تكدس الأموال التي تستثمر في هذه الأصول في ظل عدم وجود عائد للأدوات منخفضة المخاطر مثل السندات والصكوك الإسلامية لانخفاض معدل الفائدة لدى البنوك المركزية، وبالتالي انخفاض معدل الفائدة للإقراض بين البنوك السايبور واللايبور.
فيما يتعلق بالتضخم في المملكة، فكما جاء في تقرير لصحيفة "الاقتصادية": "ارتفع معدل التضخم في السعودية على أساس سنوي خلال كانون الأول (ديسمبر) الماضي 1.2 في المائة، مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي ...، ومعدل التضخم في كانون الأول (ديسمبر) على أساس سنوي يعد الأعلى خلال ستة أشهر، أي: منذ حزيران (يونيو) 2021 الماضي عندما بلغ 6.2 في المائة. وارتفع التضخم الشهر الماضي بشكل رئيس من زيادة أسعار الأغذية والمشروبات، ثاني الأقسام وزنا في المؤشر، 1.1 في المائة، والنقل ثالث الأقسام وزنا، 7.2 في المائة. على الجانب الآخر، انخفض قسم السكن والمياه والكهرباء والغاز وأنواع وقود أخرى 1.6 في المائة ... وخلال 2020 كاملا ارتفع التضخم 3.4 في المائة، وهو أقل من التوقعات الحكومية عند 3.7 في المائة. وكان بيان الموازنة السعودية لعام 2022 قد أشار إلى توقعات حكومية ببلوغ التضخم 3.3 في المائة في 2021، و1.3 في المائة في 2022 و2 في المائة في 2023 و2 في المائة 2024".
وهذه التوقعات تأخذ في الحسبان النمو الذي يمكن أن يتحقق للاقتصاد في المملكة، خصوصا في المرحلة المقبلة وفق رؤية المملكة 2030 التي تتوقع نموا جيدا خلال الأعوام الخمسة المقبلة. رغم التوقعات فيما يتعلق بالتضخم في المملكة عند 3.3 في المائة خلال 2021، و1.3 في المائة في 2022، إلا أن التحدي هو المحافظة على النسب المحددة أو نسب متدنية في ظل حصول التضخم على مستوى العالم، خصوصا الولايات المتحدة، إضافة إلى الضغوط الكبيرة بسبب ارتفاع تكلفة الشحن ونقص الإمدادات، وتعقيدات حركة التجارة العالمية، وارتفاع أسعار المواد الأولية، وتفاوت الدول في التعافي من أثر الجائحة والقدرة على مزاولة نشاطها الاقتصادي بصورة طبيعية.
سلوك المستهلكين خلال فترات التضخم قد يعيد الاقتصاد إلى المربع الأول، وبالتالي احتمال حصول تباطؤ مع بقاء الأسعار مرتفعة في العالم، وهذا بدوره يؤدي إلى ضعف النمو، وصعوبات تتعلق بملف البطالة وتأثر مجموعة من الأنشطة الاقتصادية في العالم، ولذلك من المهم في هذه المرحلة التفكير في برامج أكثر فاعلية، حيث تتم معالجة المشكلة الاقتصادية بصور مركزة وجزئية بدلا من الحلول الشاملة التي يمكن أن ينتج عنها نتائج غير متوازنة، حيث يكون الاهتمام يتركز على الحد من أثر التضخم في الفئات الأكثر حاجة من خلال العمل على تنويع خطط الدعم لهذه الفئة للقدرة على مواجهة التضخم بدلا من ضخ السيولة بصورة شاملة يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع شامل للأسعار، كما أن إعادة النظر في أسعار الفائدة يمكن أن يحد من الارتفاع في الأسعار في الأسواق بعد أن تتحول الأموال للاستثمار في الأصول لتعود مرة أخرى إلى البنوك المركزية، كما يؤدي تلقائيا إلى انخفاض الطلب للاستدانة بتكلفة رخيصة.
يبقى أن هذه المرحلة متوقع أن تتم، فبعد أن بدأت اقتصادات العالم تتعافى خصوصا في الولايات المتحدة حيث انخفض معدل البطالة وبدأ النمو يحقق نتائج إيجابية، وتوافر للأفراد كثير من السيولة بسبب الإغلاق وعدم صرف الأموال، بدأت هذه السيولة في طريقها إلى شراء السلع والإقبال على السياحة والسفر، وشراء السلع بمختلف أنواعها.
الخلاصة: إن التضخم مشكلة اقتصادية تأتي في مرحلة حساسة لم يتحقق فيها التعافي الكامل للأسواق بعد جائحة كوفيد - 19، وهنا لا بد من العمل على بعض البرامج التي تستهدف الفئات الأكثر تأثرا بالتضخم، سواء شرائح المجتمع الأقل دخلا، أو الأنشطة الاقتصادية التي تتأثر بصورة أكبر من التضخم.