البشرية والتحديات المرتبطة بالتقنيات «2 من 2»

هناك أسئلة كثيرة تطرح على أرض الواقع حول التحديات التي تواجه البشرية عموما ومنها: لماذا تبدو الأمور كأنها تسوء؟ أولا، أخفق العالم في بناء مؤسسات حوكمة يمكنها إدارة المشكلات العالمية مثل تغير المناخ. إذ كان من الممكن التعامل مع هذا التحدي بتكلفة منخفضة للغاية منذ جيل مضى. والآن، سيترتب على برامج تجنب وقوع الكوارث، والتكيف مع التغيير القائم بالفعل تكاليف أولية أكبر بكثير. وما الغاية من ذلك؟ فقط لتستمر ثروة البارونات لبضعة أعوام أخرى؟.
ثانيا، توزع ثروة العالم التي لم يسبق لها مثيل بطريقة غير معقولة ومروعة وإجرامية. فقد يكون لدى المليار شخص الذين يعيشون في الحضيض هواتف ذكية وبعض الفرص للوصول إلى الرعاية الصحية، إلا أنهم من نواح كثيرة، ليسوا أفضل حالا من أسلافنا قبل عصر الصناعة في عهد "مالتوس". لقد مر 75 عاما منذ أن أضاف الرئيس الأمريكي هاري ترومان، التنمية الاقتصادية العالمية إلى أجندة الشمال العالمي بحكمة. ورغم أنه كان سيكون سعيدا لو اكتشف أن الجنوب العالمي أصبح الآن أكثر ثراء مما كان عليه عام 1945، إلا أنه كان سيصاب بخيبة أمل كبيرة لو اكتشف أن الفجوة النسبية بين الدول الغنية والنامية كبيرة كما كانت دائما.
وعلى ما يبدو حتى الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة غير قادرة على التوزيع المناسب للثروة الهائلة التي صنعتها اقتصادات ما بعد الصناعة الحديثة. لقد كذبت العقود الأربعة الماضية الادعاء النيوليبرالي القائل: إن المجتمع غير المتكافئ من شأنه أن يطلق طاقات ريادية هائلة، ما يحقق المكاسب للجميع. ومع ذلك، تتعرض السياسات التي تمنح الرفاهية والمنفعة، والكرامة للجميع لحظر مستمر.
إن إحدى العقبات الرئيسة أمام هذه السياسات هي فكرة أن بعض الأشخاص غير الأغنياء في المجتمع لا يستحقون أكثر بل أقل. وطالما طبقت هذه الفكرة على ذوي الأصول الإسبانية والأمريكيين من أصول إفريقية في الولايات المتحدة، والمسلمين في الهند، والأتراك في بريطانيا، وجميع أولئك الذين عانوا قومية الدم والتراب. ويبدو أن كثيرين الآن يعتقدون أن رؤية التنوير للمساواة البشرية كانت خاطئة وينبغي استبدالها بالمبدأ الأرسطي القائل: "من الظلم معاملة غير المتساوين على قدم المساواة".
والعقبة الأخرى اقتصادية إذ طالما كان يفترض أن التكنولوجيا، ورأس المال، والعمالة دائما ما ستستخدم في نهاية المطاف كمكملات، لأن كل مهمة من المهام الآلية ومهام معالجة المعلومات ستظل بحاجة إلى إشراف بشري. لكن التقنيات التي نستخدمها في معالجة المعلومات متفوقة على نظامنا التعليمي، وأصبح الأمل في التكامل المتناغم حلما بعيد المنال.
إن تغير الكوارث الطبيعية والبيئية والقومية والتحديات المرتبطة بالتقنيات الجديدة ليست سوى بعض المشكلات الكبيرة التي ستواجهها البشرية في عقود ما بعد الوباء. وفي أول خطاب افتتاحي ألقاه فرانكلين دي روزفلت، أشار هذا الأخير إلى الأمثال 29:18 التي تقول: "عندما تنعدم الرؤية، يموت الناس ..." وما لم تظهر هذه الرؤية بشأن عصرنا وإلى أن يحدث ذلك، لن يرى الناس سوى الكآبة في المستقبل.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2022.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي