معالجة ضغوط التضخم في غمار جائحة متواصلة «1 من 3»

مع ازدياد كثافة الضغوط التضخمية وأوجه عدم اليقين المتولدة عن السلالة المتحورة أوميكرون، يواجه صناع السياسات النقدية اختيارات جديدة وصعبة يتعين المفاضلة بينها. وأسفرت الموجة الجديدة من الجائحة وظهور أوميكرون - آخر سلالة متحورة من الفيروس - عن حدوث زيادة حادة في عدم اليقين بشأن آفاق الاقتصاد العالمي. يأتي هذا بينما يتصارع عديد من الدول مع معدلات التضخم التي بلغت مستوى أعلى بكثير من مستهدفات السياسة النقدية. غير أن من الواضح أن قوة التعافي الاقتصادي وحجم ضغوط التضخم الأساسي يتفاوتان تفاوتا كبيرا عبر الدول. وبالتالي يتعين معايرة استجابات السياسات تجاه تصاعد الأسعار وفقا للظروف التي ينفرد بها كل اقتصاد.
ونرى أن السياسة النقدية في الولايات المتحدة مع اقتراب إجمالي الناتج المحلي من اتجاهاته السابقة على الجائحة، وافتقار سوق العمل إلى العمالة الكافية، والاتساع الحالي لنطاق الضغوط التضخمية، لديها مبررات وجيهة كي يكون تركيزها على مخاطر التضخم أكبر من تركيز بعض الاقتصادات المتقدمة الأخرى، بما في ذلك اقتصادات منطقة اليورو. وسيكون من الملائم أن يعجل الاحتياطي الفيدرالي بتخفيض مشتريات الأصول والبدء مبكرا في إدخال زيادات على سعر الفائدة الأساسي.
ومع مرور الوقت، إذا اتسع نطاق الضغوط التضخمية في الدول الأخرى، قد يستدعي الأمر قيام مزيد من الدول بتشديد السياسة النقدية في وقت أقرب من المتوقع حاليا. وفي هذه البيئة من الضروري أن تراعي البنوك المركزية الرئيسة الإفصاح بعناية عن إجراءات سياساتها حتى لا تتسبب في إحداث ذعر سوقي من شأنه إلحاق أضرار لا تقتصر على المستوى المحلي؛ بل تمتد إلى الخارج، خاصة في الاقتصادات الصاعدة والنامية التي تعتمد على درجة كبيرة من الرفع المالي. ومن نافلة القول: إنه نظرا لمستوى عدم اليقين بالغ الارتفاع، بما في ذلك عدم اليقين الناشئ عن ظهور متحور أوميكرون، ينبغي أن يستمر صناع السياسات في توخي اليقظة، والاعتماد على البيانات، والتأهب لتعديل المسار حسب الحاجة.
وحول تقييم مشهد التضخم العالمي، تسبب تصاعد أسعار الطاقة والغذاء في رفع معدلات التضخم في كثير من الدول. وقد تستمر هذه العوامل العالمية لتفاقم وضع التضخم عام 2022، خاصة أسعار المواد الغذائية الأساسية المرتفعة. ويؤدي هذا إلى عواقب سلبية، ولا سيما على الأسر في الدول ذات الدخل المنخفض التي يستحوذ فيها الغذاء على نحو 40 في المائة من الإنفاق الاستهلاكي.
وارتفع أيضا مقياس للتضخم يستبعد الأسعار المتقلبة للوقود والغذاء، وهو المقياس الذي يطلق عليه التضخم الجوهري لأسعار المستهلكين، لكنه يظهر تفاوتا كبيرا عبر الدول. ويعكس جانبا من الزيادة التي سجلها التضخم الجوهري في الدول المختلفة ما حدث من تحول في مسار الانخفاضات السعرية لعام 2020، كالذي نتج عن انقضاء مدة التخفيضات التي قدمتها ألمانيا في ضريبة القيمة المضافة. وعلى ذلك، فمن المفيد التركيز على التضخم التراكمي المحسوب على أساس سنوي منذ قبل الجائحة. وعلى مستوى الاقتصادات المتقدمة، يشير المقياس التراكمي إلى ارتفاع حاد في التضخم الجوهري في الولايات المتحدة، تليها المملكة المتحدة وكندا، وارتفاع أقل بكثير في منطقة اليورو. وهناك أيضا دلائل محدودة على ضغوط التضخم الجوهري في اقتصادات آسيا، بما في ذلك الصين واليابان وإندونيسيا. وفيما بين الأسواق الصاعدة، بلغ التضخم الجوهري مستوى شديد الارتفاع في تركيا... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي