الفكر الاقتصادي المرتبط بالطبيعة «3 من 3»

أدت التشوهات السعرية إلى عدم الاستثمار بشكل كاف في أصولنا الطبيعية والاستثمار بصورة أكبر نسبيا في أصول أخرى، كرأس المال المنتج. ونظرا لأن عديدا من مكونات الطبيعة عبارة عن عناصر منقولة أو غير مرئية أو صامتة، فإن تأثير بعض أفعالنا في أنفسنا وفي الآخرين – بما في ذلك الأجيال القادمة – يصعب رصده ويتم إغفاله بالتالي، وهو ما تنشأ عنه مؤثرات خارجية واسعة النطاق.
وتتفاقم هذه التشوهات نتيجة قيام الحكومات في جميع أنحاء العالم تقريبا بدفع مبالغ أكبر لاستغلال الطبيعة بدلا من حمايتها. وحسب التقديرات المتحفظة، يبلغ مجموع التكلفة العالمية لمدفوعات الدعم التي تسهم في تدمير الطبيعة نحو أربعة إلى ستة تريليونات دولار سنويا.
وسيكون ازدهار البيئة الطبيعية الذي يدعمه ثراء التنوع البيولوجي بمنزلة شبكة الأمان بالنسبة لنا في نهاية المطاف. فعلى غرار تنوع حافظة الأصول المالية الذي يؤدي إلى الحد من المخاطر وعدم اليقين، يسهم تنوع حافظة أصول الطبيعة – أي التنوع البيولوجي – في تعزيز صلابة الطبيعة في مواجهة الصدمات سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ما يحد من المخاطر المؤثرة في الخدمات التي نعتمد عليها.
وهناك حاجة إلى مزيد من الدعم العالمي لتعزيز قدرة المؤسسات المالية على فهم المخاطر المالية المرتبطة بالطبيعة والوعي بها. ويمكن للبنوك المركزية وأجهزة الرقابة المالية القيام بهذا الدور من خلال تقييم أثر هذه المخاطر في النظام ككل. كذلك يمكن لصندوق النقد الدولي، باعتباره محور شبكة الأمان المالي العالمية، الاضطلاع بدور أساسي في تقييم هذه المخاطر المرتبطة بالطبيعة وإدارتها في سياق أنشطته الرقابية ومساعداته المالية والفنية.
والسؤال المطروح ما الخطوات التالية المفروض اتخاذها؟ فإنه مع تزايد الوعي بأهمية الطبيعة في حياتنا، وهي الرسالة التي حملها إلينا ظهور الجائحة، يصبح هذا العام ذا أهمية بالغة فيما يتعلق بإعادة تصميم اقتصاداتنا وكيفية صنع قراراتنا الاقتصادية والمالية. وحضر قادة العالم مؤتمرين: مؤتمر الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي "الاجتماع الـ15 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية التنوع البيولوجي" ومؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ "المؤتمر الـ26 للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ" – وناقشوا قضيتين وثيقتي الصلة: تغير المناخ وتراجع التنوع البيولوجي.
والسبيل الوحيد لمواجهة أزمة التنوع البيولوجي تلك يكمن في التغيير من أجل إحداث التحول المنشود، وهو ما يتطلب التزاما مستمرا من جميع الأطراف على جميع المستويات – بدءا من المواطنين حتى المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي. وتلقي دراسة The Economics of Biodiversity Review الضوء على قصص النجاح في جميع أنحاء العالم لتثبت أن التغير المطلوب أمر ممكن. وعلينا أن نعيد استغلال مهاراتنا التي أسهمت في زيادة نمو الطلب البشري على الطبيعة بهذا القدر من أجل إحداث التحول اللازم لإعادة تشكيل علاقتنا بالطبيعة. وهذا أقل ما نستحقه نحن وأحفادنا من بعدنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي