العودة إلى الفطرة في القيادة
الهرم هو النموذج المتلاشي، فأهلاً وسهلاً بكم في نموذج الشبكة، هذا النموذج لا يحتاج إلى شرح إذا نظرنا إلى شبكة الإنترنت التي تعد النموذج الشبكي لكل من يتعامل معها (ومن الذي لم يتورط بممارسة أو على الأقل بمعرفتها؟) ويستفيد من نشاطاتها وتطبيقاتها.
لا توجد قمة أو قاع بل يوجد مشاركون من كل اتجاه يتمحورون حول مركز الشبكة، وهذا المركز قد يكون معلومة أو خدمة أو علاقة (اجتماعية كانت أو سياسية أو تجارية)، والقيادة لهذه الشبكة لا تأتي "بفارمان" أو خطاب أو إلزام بالقوة والجبر، بل إنها تأتي من خلال القبول الطوعي والعلاقة المتساوية، هنا لا يهم لونك أو أصلك أو ثروتك أو نفوذك، أعمالك ما تقدم للآخرين في هذه الشبكة، فأكرم الناس هنا هو أنفعهم لإخوانه، وربما حقا يكون سيد هذه الشبكة هو خادمهم، لذا فإن القيادة في النموذج الشبكي هي قيادة أصيلة لا زائفة، والأصالة تتمثل في أن تعطي قيمة واضحة لا لبس فيها للآخرين، والشخص الذي يأخذ ولا يعطي يتم استبعاده نهائيا من الشبكة فضلا عن أن يتولى قيادة (والقائد في النموذج الجديد له رسالة واضحة المعالم يستطيع إيصالها للآخرين بسلاسة وتعتمد في محتوى الرسالة والمهارة على إقناع الآخرين بها، إنها ليست تعميما يتم توزيعه بشكل روتيني قاتل معتمدا على صلاحيات المدير والرعب من البيروقراطية. كما أن السلطة لا يتم استغلالها وقهر الناس بها، بل العكس تكون السلطة في القيادة الشبكية معتمدة على السمعة الجيدة، والتحالفات داخل وخارج الشركة، إضافة إلى الإنجازات السابقة التي تتحدث عن نفسها.
إن الشبكة لا تجتمع في يد واحدة بل هي موزعة على الجميع، وعلى القائد أن يحصل على هذه الموارد من جميع أفراد الشبكة لكي تعزز قيمة الشبكة والمشاركين فيها لا قيمته كقائد أو فرد فقط، وأخيرا فإن الشبكة بهذا المفهوم قادرة على حل إشكالاتها بالإقناع والتفاوض بشكل أفضل مفهوم السلطة المرعبة التي تمارس في نماذج القهر الهرمية.
مفاهيم القيادة الجديدة هي التي تتمحور عليها معظم محاولات الإصلاح الإداري والقيادي في عالم اليوم مستندة إلى وجود شبكة الإنترنت كنموذج للتنفيذ، وإن كان معظم هذه الأفكار والقيم موجودة منذ فجر التاريخ في كثير من الثقافات بين شعوب مختلفة الأوطان والمشارب، وما حدث في القرون الأخيرة هو أن النموذج الغربي المادي المتسلط قد أزاحها جانبا حتى عادت من جديد في صورة من صور العودة إلى الفطرة القيادة التي رأينا نماذج
مدهشة منها في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه وتابعيه،إن كثيرا من المثل الجديدة هي مغروسة في تاريخنا الذي يعتمد في نموذجه القيادي على يتم التعاون، والأصالة، والتواصل والتواضع!!!
وهذه القيم قد تم الانحراف عنها لقرون، لكن نماذجها المدهشة تدفعنا إلى إعادة قراءتها من جديد والمشاركة مع الآخرين في إنضاج نموذج قيادي إداري يسهم في رسم العلاقات البشرية بما يتوافق مع الفطرة الإنسانية والسليقة السليمة؟
الإنترنت قد رسمت لنا نموذجا جديدا في التواصل وإقامة أكبر شبكة في تاريخ البشرية، فإننا مطالبون بأن نكون سباقين إلى الاستفادة منها للخير والمفيد، ولا سيما أن العالم يتحرك ويناقش ويفكر لكي يطوع مرحلة جديدة من مراحل التواصل البشري يقوم على هذا النموذج المتسارع لكي يتسنى له أن يكون في الصفوف الأولى...، في هذا السياق يحتاج المنخرط فيه إلى أن يكون صاحب مبدأ وهدف واضح متسلحا بمبادئ العدالة والصبر، مستندا إلى رصيد هائل من القدرة على الابتكار والتطوير.
الإنترنت علاقة شبكية هائلة تفرز نماذج جديدة ومعقدة من العلاقات الإنسانية وبينما العالم يتحرك لكي يسيطر عليها، يظل بعضنا يفكر في أردأ ما أفرزته أو في نماذج بالية وقديمة من نماذجها، لأن القديم في الشبكة، ربما من أيام أو من أسابيع.
الإنترنت ما هي إلا نموذج للشبكة كمفهوم أو نموذج، والنموذج الجديد يحدث أثر الزلزال على مستوى الحكومات والشركات والجمعيات والأفراد بصورة مدهشة وهائلة، والفائز غدا هو من يستطيع أن يكون مؤثرا لا متأثرا، قائدا لا تابعا، مشاركا لا متفرجا، فالزمن القادم لا مجال فيه لنصف فائز أو ربع مهزوم .... المعركة ستكون محصورة في أن "نكون أو لا نكون"، والفائزون في الغالب هم أصحاب الفطرة والقيادة السليمة.