سلمان .. ملك القول والفعل

سلمان .. ملك القول والفعل
سلمان .. ملك القول والفعل
خادم الحرمين يلقي أول خطاب له إثر توليه مقاليد الحكم في يناير 2015.
سلمان .. ملك القول والفعل
خادم الحرمين يرعى حفل جائزة الملك فيصل لعام 2017 ويتسلم جائزة خدمة الإسلام لنفس العام. "واس"
سلمان .. ملك القول والفعل

يتميز ملوك السعودية منذ عهد الملك عبدالعزيز، بأنهم لا يقولون إلا ما يعتقدون، ولذا فإن أفعالهم تأتي دائما مصداقا لأقوالهم. والمتتبع لخطبهم يلاحظ فيها عموما الهدوء في الأسلوب والرصانة في الطرح والتوازن في الصياغة والشفافية في المحتوى. وعلى الرغم من مرور المملكة بأزمات سياسية واقتصادية وحروب إعلامية شعواء، ظل الخطاب الرسمي رزينا مهيبا متمسكا بالمصداقية والحقيقة بعيدا عن الانفعال والتوتر، ولم تكن الخطب الرنانة التي تهيج المشاعر وتشحن الجماهير، نهجا لملوك بلادنا الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فأخلصوا النية وأجادوا العمل لمصلحة شعبهم وأمتهم منذ قيام هذه البلاد على يد الملك المؤسس - رحمه الله.
وبمناسبة مرور ستة أعوام على تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، مقاليد الحكم في المملكة، نستذكر هنا شيئا من خطبه وأقواله خلال هذه الأعوام الزاهرة من عهده الميمون، مركزين على بعض المضامين الراسخة، التي تتكرر فيها وتعبر عن شخصية الملك القيادية الصريحة ومنطلقاته السياسية الواضحة، التي تظهر في أفعاله قبل أقواله.

في كل المناسبات لا تخلو خطب الملوك السعوديين من الاعتزاز بمكانة بلادهم الدينية، لكونها قبلة المسلمين ومهبط الوحي، إذ شرفها الله بعمارة الحرمين الشريفين وخدمة ضيوف الرحمن من الحجاج والمعتمرين، ثم الافتخار بالتزامها بكتاب الله وسنة رسوله وتطبيق الشريعة الإسلامية، وهو ما يوحي بعظم المسؤولية التي يستشعرها أولئك الملوك نحو دينهم وأمتهم ووطنهم وشعبهم، لأن الله اختصهم بشرف قيادة الأمتين العربية والإسلامية دون غيرهم من الحكام والزعماء في مشارق الأرض ومغاربها، كيف لا ومؤسس هذه المملكة هو القائل، "إن هذا الوطن المقدس يوجب علينا الاجتهاد فيما يصلح أحواله، وإننا جادون في هذا السبيل قدر الطاقة حتى تتم مقاصدنا في هذه الديار، وتكمل للمسلمين جميعا راحتهم وأمنهم، وتتم لجميع الوافدين لمنازل الوحي المساواة في الحقوق والعدل".
وأما خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، فهو الامتداد الأعظم للملك عبدالعزيز، الذي ورث كثيرا من خصائصه بشخصيته وتفكيره الإبداعي، فوضع نصب عينيه قبل أن يتولى الحكم بـ50 عاما، أهدافا وطنية أشبه ما تكون بخطة الطريق الخالدة التي لا يزيدها مرور الأيام إلا تجديدا، ولا حدوث الحوادث إلا تأكيدا، أعلنها في الصحافة وسعى إلى تحقيقها، وما زال يبرهن في كل يوم على ذلك، ألا وهي:
1 - الإيمان بالله والعمل بكتاب الله وسنة رسوله.
2 - خدمة بلاده ورفع شأنها والتفاني في ذلك فعلا لا قولا.
3 - دعوة رجال بلاده ونسائها إلى العمل بالتقاليد العربية الإسلامية مع تطويرها بما يلائم العصر والابتعاد عن الانغماس في حياة الترف.
ويشير زين العابدين الركابي في حديثه عن الجانب الآخر من شخصية الملك سلمان، إلى أنه رجل فكر بمعنى التفكير الخلاق ذو الرؤية الواضحة المستقلة التي تنزع إلى التنوير، كما أنه رجل فكر من حيث أنه صاحب نظرية "الإبداع في ظل لا إله إلا الله"، وهو صاحب رؤية فكرية مفعمة بالنقد والتعامل مع المفردات والمصطلحات الثقافية المرتبطة بالتاريخ، وهو صاحب رؤية فكرية سياسية في فن الحكم وفي الجمع المتناغم بين الدين والدنيا والوطنية والعالمية والثبات والمرونة والشورى والحزم، فإذا أضفنا إلى ذلك سعة اطلاعه وثقافته واتصاله بالعلم والمعرفة وبالإعلام والصحافة، فإن خطابات مثل هذا القائد المحنك والسياسي الخبير تكتسب أهمية عظيمة نابعة من عظمة شخصيته ليبقى "كلام الملوك ملوك الكلام". فالمتتبع لخطب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، بعد توليه الحكم في الثالث من ربيع الأول 1436هـ، يلاحظ عموما انطلاقها من مكانة السعودية العالية ومنهجها الثابت وارتكازها في الشأن الداخلي على تنمية الاقتصاد وتحقيق الأمن، أما في الشأن الخارجي فترتكز على أن مصلحة المملكة وشعبها فوق كل اعتبار.

المكانة والمسؤولية

قال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، في كلمته الأولى التي ألقاها بعد توليه مقاليد الحكم في الثالث من ربيع الآخر 1436هـ، الموافق 23 يناير 2015، "إنني وقد شاء الله أن أحمل الأمانة العظمى، أتوجه إليه - سبحانه - مبتهلا أن يمدني بعونه وتوفيقه، وأسأله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، وسنظل بحول الله وقوته متمسكين بالنهج القويم، الذي سارت عليه هذه الدولة منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - وعلى أيدي أبنائه من بعده - رحمهم الله - ولن نحيد أبدا، ودستورنا هو كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم". في هذه الكلمة المختصرة يتجلى الشعور العميق بمسؤولية حمل الأمانة - وهو الملك سليل الملوك - فيبتهل إلى الله أن يمده بعونه وتوفيقه للقيام بها خير قيام، كما يؤكد على تمسكه بمنهج الدولة القائم على الكتاب والسنة.
والملك سلمان أكثر الناس إدراكا وأوسعهم معرفة بمكانة بلاده العالية، إذ يقول في خطبته في الدورة الـ75 للأمم المتحدة، موجها كلامه للعالم أجمع: "أتحدث إليكم اليوم من أرض الرسالة، مهبط الوحي، وقبلة المسلمين، موجها إليكم رسالة نستند فيها إلى تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، وثقافتنا العربية، وقيمنا الإنسانية المشتركة، ندعو فيها إلى التعايش والسلام والاعتدال، والتكاتف بين دول العالم وشعوبها في مواجهة التحديات الإنسانية الاستثنائية المشتركة، التي تواجه عالمنا".
وبقدر ما يفتخر هذا الملك العظيم بمكانة بلاده العظيمة، فإنه يؤمن إيمانا عظيما بأن ذلك يحملها مسؤولية عظيمة، ولذا نجده يلخص ذلك بقوله، "أقول وأكرر في كل مكان فخر هذه البلاد وعزها ومسؤوليتها أنها قبلة المسلمين ومهبط الوحي... إذن مسؤوليتها يا إخوان أكبر من مسؤولية الدنيا كلها".
ويؤكد مكانة بلاده ومسؤوليتها بقوله، "لقد شرف الله المملكة بأن جعلها حاضنة الحرمين الشريفين، اللذين تتوق إليهما نفوس المسلمين في كل مكان، وشرفها بخدمة ضيوف الرحمن، ومن منطلق اضطلاع المملكة بهذه المسؤولية الجليلة، فقد جاء برنامج خدمة ضيوف الرحمن على رأس أولويات رؤية 2030 لإتاحة الفرصة لعدد أكبر من المسلمين لأداء مناسك الحج والعمرة".
ويستلهم التاريخ ليدلل على قدرة الدولة السعودية وصلابتها واستمراريتها فيقول، "والجميع يدرك أن الدولة السعودية الأولى قامت منذ ما يقارب الـ300 عام، وتلتها الدولة السعودية الثانية، ومن ثم قامت الدولة السعودية الثالثة منذ قرابة الـ100 عام على يد الملك المؤسس عبدالعزيز - رحمه الله، ومرت عليها ظروف صعبة وتهديدات كثيرة تخرج منها دائما - بحمد الله - أكثر صلابة وأقوى إرادة، بتوفيق الله وعونه ثم بعزم رجالها وإرادتهم الصلبة".
وكما تحدث عن قدرة الدولة في الماضي، فإنه يدلل على قدرتها وتأثيرها في الحاضر والمستقبل، إذ قال "للمملكة دور مؤثر في المنظمات الإقليمية والدولية، وتحظى بتقدير إقليمي وعالمي مكنها من عقد قمم تاريخية في توقيتها ومقرراتها، شارك فيها عدد كبير من قادة الدول الشقيقة والصديقة، وأسست لعمل مشترك يستهدف تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم".

المنهج والنظام

يلاحظ في جميع خطب الملك سلمان حضور التأكيد على النهج والمنهج والدستور الذي تسير عليه السعودية منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز، وكأنه يوجه رسالة للعالم بأن الدولة سائرة في طريقها، محققة أعظم الإنجازات الحضارية ومحطمة جميع الأرقام التنموية في بحبوحة من الأمن والرخاء الاقتصادي، ولن تصرفها زوابع السياسة والاقتصاد عن تمسكها بنهجها القويم المستمد من القرآن والسنة، إذ قال في خطبته في افتتاح أعمال السنة الرابعة من الدورة السادسة لمجلس الشورى في 12 ربيع الأول 1437هـ، "لقد قامت دولتكم على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم، وتشرفت بخدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما، وشهدت منذ تأسيسها لحمة وطنية شهد بها الجميع، واستمرت عجلة التطوير والنماء في وتيرة متصاعدة، رغم التقلبات الاقتصادية الدولية".
وقال في افتتاح أعمال السنة الأولى من الدورة السابعة لمجلس الشورى، "إن ما نعيشه اليوم من إنجازات تنموية ما هو إلا امتداد للنهج الذي أرساه المؤسس الملك عبدالعزيز - رحمه الله، وسار على أثره أبناؤه البررة - رحمهم الله، وفق منهج مستمد من الشريعة الإسلامية، وقائم على مبادئ العدل والمساواة وتكافؤ الفرص، وحماية حقوق الإنسان".
وقال أيضا، "لقد قامت دولتكم على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم، وسخرت إمكاناتها لحماية أمن الدولة والمجتمع، وخدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما، وتقديم أفضل الخدمات للمواطن، واليوم - ولله الحمد - تسير بلادكم بخطى راسخة، نحو التكيف مع المستجدات، والتعامل مع التحديات بإرادة صلبة لنحافظ على ما تحقق من إنجازات، وعلى مكانة المملكة بين الأمم، ودورها الفاعل إقليميا ودوليا".
وقال في خطبة يؤكد فيها مضمون النظام الأساسي للحكم، "لقد قامت المملكة منذ أن أسسها الملك عبدالعزيز - رحمه الله - على تطبيق شرع الله، والالتزام بالعقيدة الإسلامية، وعلى العدل في جميع الأمور، والأخذ بمبدأ الشورى".
ويؤكد أهمية الأخذ بمبدأ الشورى فيقول، "منذ أن وحد الملك عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ المملكة العربية السعودية، وهي تأخذ بمبدأ الشورى، ما أسهم في تعزيز مسيرتها التنموية الشاملة لتحقيق ما تصبو إليه من أمن ورخاء وازدهار".
ويجمل النهج الذي تسير عليه الدولة في جميع شؤونها الداخلية والخارجية فيقول، "إن نهج المملكة منذ تأسيسها على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن ـ رحمه الله ـ قائم على تطبيق شرع الله والالتزام بالعقيد الإسلامية، وعلى أسس الوحدة والتضامن والشورى، وإقامة العدل واستقلال القرار، والحفاظ على الأمن والاستقرار الذي أنعم الله به على بلادنا، ومواصلة مسيرة التنمية الشاملة، وتعزيز أواصر الصداقة والتعاون مع الدول انطلاقا من المبادئ والغايات التي جاء بها ميثاق الأمم المتحدة".

الرعية والديمقراطية

كان المواطنون، وما زالوا، محور اهتمام الملك سلمان ومحل رعايته دائما، وهو في علاقته بالمواطنين وتعامله معهم ينهج سياسة الباب المفتوح مع الجميع دون تمييز، ولذا نجده في خطابه الشامل الذي ألقاه بعد مرور نحو 50 يوما على توليه الحكم يؤكد ذلك فيقول، "إن كل مواطن في بلادنا وكل جزء من أجزاء وطننا الغالي هو محل اهتمامي ورعايتي، فلا فرق بين مواطن وآخر، ولا بين منطقة وأخرى، وأتطلع إلى إسهام الجميع في خدمة الوطن، ولقد وجهت سمو وزير الداخلية بالتأكيد على أمراء المناطق باستقبال المواطنين والاستماع لهم ورفع ما قد يبدونه من أفكار ومقترحات تخدم الوطن والمواطن، وتوفر أسباب الراحة لهم".
كما يعبر - حفظه الله - عن ثقته التامة بالمواطن السعودي، مؤكدا دوره المهم في النهوض ببلاده بصفته شريكا في العمل والمسؤولية، إذ قال في افتتاح أعمال السنة الأولى من الدورة السابعة لمجلس الشورى، "وإننا على ثقة في المواطن السعودي وجديته، وهي ثقة لا حدود لها، ونعقد عليه الآمال الكبيرة في بناء وطنه بالعمل المخلص الجاد، والشعور بالمسؤولية الوطنية، وهذا ما نعرفه عن مواطنينا ونأمله منهم، ونحن - بعون الله - ثم بمساندة أبنائنا المواطنين ماضون في مواجهة المخاطر والتحديات، وتطوير بلادنا ورقيها بما يتفق مع قيم الإسلام وتعاليمه السامية". ويصف المجتمع السعودي وأهمية وحدته الوطنية فيقول، "إننا مجتمع مسلم يجمعنا الاعتصام بحبل الله، والتمسك بكتابه وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - عقيدة وشريعة ومنهجا، فالشريعة الإسلامية تقوم على الحق والعدل والتسامح ونبذ أسباب الفرقة، ولذلك فإن الجميع يدرك أهمية الوحدة الوطنية ونبذ كل أسباب الانقسام وشق الصف، والمساس باللحمة الوطنية، فالمواطنون سواء أمام الحقوق والالتزامات والواجبات، وعلينا جميعا أن نحافظ على هذه الوحدة، وأن نتصدى لكل دعوات الشر والفتنة أيا كان مصدر هذه الدعوات ووسائل نشرها، وعلى وسائل الإعلام مسؤولية كبيرة في هذا الجانب".
ويشير الملك سلمان إلى عمق العلاقة بين الراعي والرعية ومدى الترابط الوثيق بينهما على هذه الأرض فيقول، "نحن في هذه البلاد نشأنا من أرض هذه البلاد والحمد لله، وتكونت دولتها بجهود أبنائها، وأنتم - والحمدلله - من كل بلاد المملكة ومن كل مدنها متآلفين مجتمعين، جمعكم كتاب الله وسنة رسوله الذي قامت هذه الدولة عليه". وفي تأكيد للعلاقة الخاصة بين الحاكم والمحكوم في المملكة، يكرر الملك في إحدى لقاءاته مع المواطنين عبارة "نحن - والحمد لله - في بلادنا إخوان وعلى الحق أعوان". فهل هناك أسمى من علاقة الأخوة بين الحاكم والمحكوم؟!
وفي لقاء مع كبار المسؤولين، يتحدث عن وجود حصانة للرؤساء والمسؤولين في الدول الأخرى، ثم يشير بكل ثقة إلى انتفاء هذه الحصانة في السعودية، لأن العدالة تقتضي بأن يكون الجميع أمام الشرع سواء، لا فرق بين كبير وصغير ولا غني وفقير ولا مواطن وأمير، ليعلن الحقيقة بكل فخر قائلا، "هنا يستطيع أي مواطن يرفع قضية على الملك أو ولي العهد أو أي فرد من أفراد الأسرة". بل أتى بشاهد من تاريخ الدولة بمثول الملك المؤسس - رحمه الله - بكل أريحية بين يدي القاضي سعد بن عتيق، عندما رفع أحد المواطنين ضده قضية ما.
وفي تكريس لمبادئ الديمقراطية بالاستماع إلى آراء الجميع وإتاحة الفرصة لهم للتعبير والانتقاد بكل حرية، يقول - حفظه الله - بكل ثقة، داعيا ومشجعا كل مواطن ومسؤول على إيصال صوته دون قيود، مؤكدا حرصه على أهمية حقوق المواطنين، "رحم الله من أهدى إلي عيوبي، إذا شفتوا شي يضر بالمواطن أو بأفراد أو بقبيلة أو ببلدة أو بأي كائن كان فأبوابنا مفتوحة وتلفوناتنا مفتوحة وآذاننا مفتوحة لكم ومجالسنا مفتوحة لكم والله يحييكم".
ويقول، "رحم الله من أهدى إلي عيوبي... إذا شفتوا شيء فيهمني حق المواطن أهم من حق نفسي".
ويقول في لقاء في المدينة المنورة عام 2018، "رحم الله من أهدى إلي عيوبي.. إذا شفتوا شي.. يضر بدينكم أو وطنكم أو مواطنيكم، فالله يحييكم".

التنمية والإصلاح

من المعلوم أن الملك سلمان، صاحب دور فاعل في التنمية الحضرية ودعم المشاريع العمرانية، وله نظرته الثاقبة في التخطيط الاستراتيجي وخبرته في العمل المؤسسي المنظم، ويظهر أثر ذلك فيما نراه في الرياض، عاصمة السعودية، التي كان يقف وراء كل مشروع من مشاريعها الحضارية، وكل إنجاز من إنجازاتها التنموية، ولذا فهو يعبر عن سياسته الداخلية بعد تسلمه مقاليد الأمر فيقول، "إن سياستنا الداخلية تقوم على ركائز أساسية تتمثل في حفظ الأمن وتحقيق الاستقرار والرخاء في بلادنا، وتنويع مصادر الدخل، ورفع إنتاجية المجتمع لتحقيق التنمية، بما يلبي احتياجات الحاضر ويحفظ حق الأجيال القادمة". ويعلن بكل شفافية بعض الإجراءات التي سيتخذها في هذا السبيل، "اتخاذ إجراءات متنوعة لإعادة هيكلة الاقتصاد، قد يكون بعضها مؤلما مرحليا، إلا أنها تهدف إلى حماية اقتصاد بلادكم من مشاكل أسوأ فيما لو تأخرنا في ذلك". ويؤكد، "وإصلاحاتنا الاقتصادية اليوم انطلقنا فيها من استشراف المستقبل، والاستعداد له في وقت مبكر قبل حدوث الأزمات". ولا شك أن كل ذلك يأتي في سياق رؤية المملكة 2030، التي تهدف إلى رفع أداء مؤسسات الدولة لغد أفضل، ولتحقيق العيش الكريم لأبناء الوطن. والإنسان دائما يأتي أولا لدى الملك سلمان، ولذا فهو يؤكد في كل مناسبة، "أن الإنسان السعودي هو هدف التنمية الأول".
وقد تبوأت السعودية مكانة اقتصادية عالية بين دول العالم، وسجلت حضورا قويا على الساحة الدولية الاقتصادية، فأصبحت ضمن مجموعة العشرين التي تضم أكبر 20 دولة اقتصادية. وتشهد المملكة في هذا العهد الزاهر، نهضة اقتصادية واجتماعية هي نتاج الخطط التنموية الطموحة التي استطاعت أن تحقق أهدافا كثيرة، ومكتسبات عديدة، في ظل توجه ميمون نحو التحول إلى تنويع مصادر الدخل، وعدم الاعتماد كلية على النفط، سعيا إلى رسم مستقبل واعد للوطن. ومن أجل ذلك يؤكد الملك تبنيه "رؤية المملكة 2030"، التي تعكس قوة ومتانة الاقتصاد السعودي وفق رؤية إصلاحية جديدة، من شأنها الانتقال بالمملكة إلى آفاق أوسع وأشمل لتكون قادرة على مواجهة التحديات وتعزيز موقعها في الاقتصاد العالمي، ليؤكد - حفظه الله، "إن هذه الرؤية شملت خططا واسعة وبرامج اقتصادية واجتماعية تنموية تستهدف إعداد المملكة للمستقبل، ويأتي ضمن أولوياتها تحسين مستوى الأداء للقطاعين الحكومي والخاص، وتعزيز الشفافية والنزاهة، ورفع كفاءة الإنفاق من أجل رفع جودة الخدمات المقدمة بما يحقق الرفاهية للمواطن، كما تستهدف هذه الرؤية رفع نسبة الصادرات غير النفطية، ورفع نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والانتقال إلى مراكز متقدمة في مؤشر التنافسية العالمي، وتخفيض معدل البطالة، وزيادة الطاقة الاستيعابية لاستقبال ضيوف الرحمن، وزيادة الإيرادات غير النفطية، ورفع نسبة تملك السعوديين للمساكن، ورفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل".
ويشير إلى بعض الإجراءات المتخذة لتحقيق أهداف "رؤية 2030"، "وتحقيقا لأهداف الرؤية تم إعادة هيكلة بعض الأجهزة الحكومية، واتخاذ عدد من القرارات لخدمة مصلحة المجتمع، وتعزيز أمن الوطن ومكافحة الفساد، وزيادة مشاركة المواطنين والمواطنات في التنمية الوطنية".
ويتابع - حفظه الله - مدى تحقيق أهداف الرؤية، ويعمل على تقييمها، مؤكدا أهميتها، ومعلنا إنجازاتها المرحلية فيقول، "رؤية المملكة 2030 هي خارطة الطريق لمستقبل أفضل لكل من يعيش في هذا الوطن الطموح، فقد أسهمت الرؤية خلال مرحلة البناء والتأسيس في تحقيق مجموعة من الإنجازات على عدة أصعدة، أبرزها تحسين الخدمات الحكومية، ورفع نسبة التملك في قطاع الإسكان، وتطوير قطاعات الترفيه والرياضة والسياحة، واستقطاب العديد من الاستثمارات الأجنبية، إضافة إلى تمكين المرأة وتفعيل دورها في المجتمع وسوق العمل، ونستعد حاليا لمرحلة دفع عجلة الإنجاز التي تتسم بتمكين المواطن، وإشراك القطاع الخاص بشكل أكبر، وزيادة فاعلية التنفيذ. ويسرنا أن المملكة اليوم أصبحت الدولة الأكثر تقدما وإصلاحا من بين 190 دولة، وفقا للبنك الدولي، وأن المملكة حققت المرتبة الأولى خليجيا والثانية عربيا، في تقرير البنك الدولي: المرأة، أنشطة الأعمال والقانون 2020".
وكما أن الإنسان هو هدف التنمية، فإن الملك سلمان يؤكد أيضا، "إن المواطن السعودي هو المحرك الرئيس للتنمية وأداتها الفاعلة، وشباب وشابات هذه البلاد هم عماد الإنجاز وأمل المستقبل، والمرأة السعودية شريك ذو حقوق كاملة وفق شريعتنا السمحة".

المحاسبة ومحاربة الفساد
وظهر في عهد الملك سلمان بجلاء توجه صادق نحو تعزيز مسيرة التنمية الشاملة التي تشهدها المملكة في جميع المجالات من خلال حملة حازمة للقضاء على الفساد بأشكاله ومستوياته كافة في سبيل الحفاظ على المال العام وحماية المكتسبات الوطنية، يؤكدها ضبط كل من يتعدى على المال العام أو يستغل الوظيفة لتحقيق المصالح الشخصية أو الإضرار بالمصلحة العامة، وتطبيق ما يقضي به النظام، ومساءلة كل مسؤول مهما كان موقعه، عن أي تجاوزات أو ممارسات منطوية على فساد مالي أو إداري دون تهاون.
وقد أعلن الملك سلمان الحرب على الفساد بكل قوة ودون هوادة مدركاً لأبعاد هذه الحرب الإيجابية على الدولة والمجتمع ومقتنعاً بضرورتها وأهميتها إذا قال مشخصاً الداء والدواء وواضعاً النقاط على الحروف :"إن الفساد بكل أنواعه وأشكاله آفة خطيرة تقوض المجتمعات وتحول دون نهضتها وتنميتها، وقد عزمنا بحول الله وقوته على مواجهته بعدل وحزم لتنعم بلادنا بإذن الله بالنهضة والتنمية التي يرجوها كل مواطن، وفي هذا السياق جاء أمرنا بتشكيل لجنة عليا لقضايا الفساد العام برئاسة سمو ولي العهد ونحمد الله أن هؤلاء قلة قليلة. وما بدر منهم لا ينال من نزاهة مواطني هذه البلاد الطاهرة الشرفاء من الأمراء والوزراء ورجال الأعمال والموظفين والعاملين على كافة المستويات وفي مختلف مواقع المسؤولية في القطاعين العام والخاص، وكذلك المقيمون بها من عاملين ومستثمرين الذين نعتز ونفخر بهم ونشد على أيديهم ونتمنى لهم التوفيق"
ويقول مؤكداً أنه لا تأخذه في الحق لومة لائم: "تأسست المملكة على نهج إسلامي يرتكز على إرساء العدل، ونعتز بجهود رجال القضاء والنيابة العامة في أداء الأمانة الملقاة على عاتقهم، ونؤكد أن هذه البلاد لن تحيد عن تطبيق شرع الله، ولن تأخذها في الحق لومة لائم. كما أن الدولة ماضية في خططها لاستكمال تطوير أجهزة الدولة لضمان سلامة إنفاذ الأنظمة والتعليمات وتلافي أي تجاوزات أو أخطاء"

الوسطية والاعتدال

يشكل الإرهاب والفكر المتطرف تحديا رئيسيا يواجهه العالم بأسره، وقد نجحت السعودية في تحقيق نجاحات مهمة في مواجهة التنظيمات المتطرفة، بما في ذلك دحر سيطرة تنظيم داعش على الأراضي في العراق وسورية، من خلال جهود التحالف الدولي، كما نجحت قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن في توجيه ضربات مهمة لتنظيمي القاعدة وداعش في اليمن، ودعمت مركز الأمم المتحدة الدولي لمكافحة الإرهاب، وأنشأت المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف "اعتدال"، كما تستضيف المملكة المركز الدولي لاستهداف تمويل الإرهاب، وما زالت تواصل دورها الريادي الفاعل في التصدي لظاهرة الإرهاب وتجفيف منابعه.
ومنهج الدولة السعودية دائما هو منهج الوسطية والاعتدال، بلا إفراط ولا تفريط، ولذا نجد أن الملك سلمان، يؤكد هذا المنهج في كل خطبه وأحاديثه، ومنها قوله، "إن دولتكم دولة الإسلام، الدين القويم الذي نزل على رسول البشرية - محمد صلى الله عليه وسلم، دين الوسطية والتسامح نعمل به، ونسعى لتطبيقه على ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدون من بعده - رضي الله عنهم، فهو قدوتنا ومثلنا الأعلى، وسنواجه كل من يدعو إلى التطرف والغلو امتثالا لقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم (إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين)، بالقدر نفسه سنواجه كل من يدعو إلى التفريط بالدين".
وفي تشخيص دقيق لآفة الإرهاب، تتضح رؤية الملك الفكرية بعيدة المدى، فيقول الملك سلمان بن عبدالعزيز، "إن الإرهاب آفة عالمية، اكتوى بنارها العديد من الدول والشعوب، فليس له دين ولا وطن". ويعيد التأكيد على هذا التشخيص في خطاب آخر ملمحا إلى رفضه التام لربطها بالإسلام والمسلمين فيقول، "ونعيد التأكيد على أن الإرهاب آفة خطيرة لا يمكن ربطها بأي دين أو وطن أو ثقافة". ويؤكد - حفظه الله، "إن المملكة ماضية في مواجهة ظاهرة الإرهاب بكل قوة وحزم، وتتطلع إلى تكاتف جهود دول العالم لمحاربته والقضاء عليه باعتباره آفة عالمية"، وأنها ستستمر في التصدي للتطرف والإرهاب، والوقوف بحزم أمام أي فئة تحاول اختطاف ديننا الحنيف.
ويربط خادم الحرمين الشريفين مبدأ الوسطية والاعتدال بعجلة التطور والتنمية، مؤكدا أنه منهج الحياة الثابت في الحاضر والمستقبل فيقول، "تسعى بلادكم إلى تطوير حاضرها وبناء مستقبلها والمضي قدما على طريق التنمية والتحديث والتطوير المستمر بما لا يتعارض مع ثوابتها، متمسكين بالوسطية سبيلا والاعتدال نهجا، كما أمرنا الله بذلك، معتزين بقيمنا وثوابتنا".
ويوجه رسالة في هذا الشأن للجميع فيقول، "إنه لا مكان بيننا لمتطرف يرى الاعتدال انحلالا ويستغل عقيدتنا السمحة لتحقيق أهدافه، ولا مكان لمنحل يرى في حربنا على التطرف وسيلة لنشر الانحلال واستغلال يسر الدين لتحقيق أهدافه".
وشعور الملك سلمان، بصفته خادم الحرمين الشريفين، يحمله ويحمل بلاده مسؤولية خاصة في محاربة التطرف والإرهاب، لم يتردد بالقيام بها خير قيام، وقد عبر عنها - حفظه الله - بقوله، "إننا في المملكة انطلاقا من موقعنا في العالم الإسلامي نضطلع بمسؤولية خاصة وتاريخية، تتمثل في حماية عقيدتنا الإسلامية السمحة من محاولات التشويه من التنظيمات الإرهابية والمجموعات المتطرفة، فالدين الإسلامي الذي جعل جريمة قتل نفس بشرية واحدة مساويا لجريمة قتل الناس جميعا، هو بلا شك براء من كل الجرائم النكراء والفظائع التي ارتكبتها باسمه قوى الإرهاب والتطرف".
ويؤكد الملك سلمان، "إن التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، تجد بيئة خصبة للظهور والانتشار في الدول التي تشهد انقسامات طائفية، وضعفا وانهيارا في مؤسسات الدول، وعلينا إن أردنا أن ننتصر في معركتنا ضد الإرهاب ألا نتهاون في مواجهة الدول الراعية للإرهاب والطائفية، والوقوف بحزم أمام الدول الداعمة لإيديولوجيات متطرفة عابرة للأوطان، وهي إيديولوجيات تسعى في كثير من الأحيان لتغطية تطرفها وطبيعتها الفوضوية التدميرية بشعارات سياسية زائفة".

قضية فلسطين

يلاحظ المتأمل في خطب وخطابات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حضور قضية فلسطين بشكل جلي، وهي القضية التي عايشها في شبابه وبذل لأجلها الغالي والنفيس ولم يدخر جهدا في دعمها ماديا ومعنويا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا، منذ ذلك الحين إلى اليوم، لأنها تعيش في وجدانه كما عاشت في وجدان ملوك السعودية منذ عهد الملك عبدالعزيز - رحمه الله.
وموقف المملكة من القضية الفلسطينية موقف ثابت لم يتغير ولم يتبدل، رغم مرور الأعوام، فهي مع الشعب الفلسطيني واستعادته حقوقه المشروعة، ولم تتأخر عن مساعدته في يوم من الأيام، عبر عنه الملك سلمان بقوله، "وقد أكدنا خلال القمة (الـ29) التي أسميناها قمة القدس، أن القضية الفلسطينية هي قضية العرب والمسلمين الأولى، وموقف المملكة من القضية الفلسطينية والأراضي العربية المحتلة الأخرى موقف مبدئي. ومنذ عهد المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن ـ رحمه الله ـ لم تدخر المملكة أي جهد لنصرة الشعب الفلسطيني الشقيق، إيمانا منها بعدالة قضيته وضرورة وقف الممارسات والانتهاكات السافرة بحقه وإيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية يمكن الشعب الفلسطيني الشقيق من الحصول على جميع حقوقه، وعلى رأسها إقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، وفقا لمبادرة السلام العربية والقرارات الأممية ذات الصلة". بل إن إيجاد حل للقضية الفلسطينية هو، من أولويات السعودية، وهو ما أكده الملك سلمان بقوله، "إن من أولويات سياسة المملكة ومبادئها السعي لإيجاد حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية وفق مبادرة السلام العربية، وقرارات الشرعية الدولية، ومطالبتها الدائمة للمجتمع الدولي بالتدخل العاجل لوقف الاعتداءات والممارسات الإسرائيلية العدوانية والمتكررة ضد الشعب الفلسطيني، وستواصل المملكة جهودها دعما لهذه القضية من أجل إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، وإعادة الحقوق للشعب الفلسطيني الشقيق".
والمملكة تدعم بكل قوة حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، الأمر الذي جعل الملك سلمان، يؤكد استنكار المملكة وأسفها الشديد للقرار الأمريكي بشأن القدس، لما يمثله من انحياز كبير ضد حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية والثابتة في القدس، التي كفلتها القرارات الدولية ذات الصلة، وحظيت باعتراف وتأييد المجتمع الدولي.
وفي خطاب الملك سلمان، أمام الدورة الـ75 للأمم المتحدة موقف السعودي الشامل، مؤكدا دعمه للقضية الفلسطينية دون مواربة فيقول، "إن السلام في الشرق الأوسط هو خيارنا الاستراتيجي، وواجبنا ألا ندخر جهدا للعمل معا نحو تحقيق مستقبل مشرق يسوده السلام والاستقرار والازدهار والتعايش بين شعوب المنطقة كافة، وتدعم المملكة جميع الجهود الرامية للدفع بعملية السلام، وقد طرحت المملكة مبادرات للسلام منذ عام 1981، وتضمنت مبادرة السلام العربية مرتكزات لحل شامل وعادل للصراع العربي - الإسرائيلي، يكفل حصول الشعب الفلسطيني الشقيق على حقوقه المشروعة وفي مقدمتها قيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، كما نساند ما تبذله الإدارة الأمريكية الحالية من جهود لإحلال السلام في الشرق الأوسط، من خلال جلوس الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي على طاولة المفاوضات للوصول إلى اتفاق عادل وشامل".

الأكثر قراءة