Author

مستقبل النفط من زوايا مختلفة

|
استشراف مستقبل النفط ليس بالأمر المستجد، بل هو موضوع خصب وجاذب دائما وسيبقى كذلك كونه يلامس الجميع بصورة مباشرة أو غير مباشرة. هناك من يرى أن نجم النفط آفل لا محالة في المديين القصير أو المتوسط في أعلى تقدير، وهناك من يراهن أنه سيبقى متربعا على عرش مصادر الطاقة إلى أمد بعيد. القول بأفول النفط ليس قولا جديدا، حيث إنه في الخمسينيات من القرن الماضي استشرف ماريون كينج هوبرت الدكتور الأمريكي وعالم الجيولوجيا مستقبل النفط من منظوره ومن خلال نظرية ذروة الإنتاج التي تسمى نظرية قمة هوبرت. استنتج هوبرت عام 1956 أن إنتاج النفط في الولايات المتحدة سيبلغ ذروته عام 1965، وكحد أقصى عام 1970، لكن هذا لم يحدث على أرض الواقع حيث كان العقد الأخير استثنائيا في صناعة النفط الأمريكية، ارتفع إنتاجه بما يقارب 144 في المائة.
توقعت منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" في تقريرها السنوي بلوغ الطلب العالمي على النفط ذروته أواخر العقد المقبل، وكون هذا التقرير صادرا من جهة بحجم وثقل "أوبك" فمن الطبيعي أن يكون لهكذا تقرير ردود أفعال قوية تتفاوت بين المؤيد والرافض لمخرجاته سواء بصورة جزئية أو كلية. الفرق بين نظرية هوبرت واستشراف "أوبك" لمستقبل النفط، أن الأول تناول ذروة الإنتاج بينما تناول الأخير ذروة الطلب، فهناك اختلاف بلا شك بينهما من حيث المدخلات التي تم الاعتماد عليها وتحليلها للوصول إلى هذه النظرية أو التوقع المستقبلي.
مخرجات الدراسات الاستشرافية ليست مسلمات ذات طبيعة جامدة، بل يجب أن تتصف المراكز المختصة بهذا النوع من الدراسات بالديناميكية ومتابعة المتغيرات التي تطرأ على مدخلات المواضيع محل الدراسة دوريا، فقد تتغير المدخلات التي بنيت عليها هذه الدراسات جزئيا أو كليا ما سينعكس بالضرورة على مخرجاتها ودقتها. في رأيي أن هوبرت أغفل عامل التطور التقني في الستينيات من العقد الماضي الذي لعب دورا رئيسا في رفع كفاءة الإنتاج وهذا ما حدث فعلا وأدى إلى بزوغ نجم النفط الصخري الذي جعل الولايات المتحدة من أكبر منتجي النفط في الفترة الحالية.
تقرير "أوبك" يجري عليه ما يجري على جميع الدراسات الاستشرافية، فالمدخلات متغيرة وبتسارع مطرد، ولن أكون متفاجئا إذا تأخر توقعها حول ذروة الطلب، فيما يخص مستقبل أسعار النفط، قد يعتقد البعض أنها ستنخفض وستصل إلى أسعار متدنية جدا عازين ذلك إلى ما يثار إعلاميا حول محاربة العالم له كسبب رئيس للتغير المناخي، وهذا في اعتقادي طرح إعلامي سطحي بعيد كل البعد عن الموضوعية والواقع. تقويض صناعة المنبع خطأ استراتيجي بل خطر على مستقبل الطاقة العالمية، فالعالم ينمو على جميع الأصعدة بتسارع لافت، هذا النمو يتوازى مع نمو قوي في الاستهلاك العالمي للطاقة. أستحضر هنا تصريح رئيس شركة شيفرون الذي قال: "ستبقى أسعار النفط والغاز مرتفعة لوقت طويل، ما دامت شركات النفط تمانع رفع إنتاجها بسبب المناخ" زيادة الطلب المستقبلي بسبب النمو بالتزامن مع تقويض صناعة المنبع سيحلق بأسعار النفط إلى مستويات تاريخية لن يتحملها ولا يريدها حاملو لواء محاربة النفط.
إنشرها