العلاقات الاقتصادية السعودية - البحرينية .. التاريخ والمستقبل
بعد أن استقبل العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود رئيس الوزراء البحريني الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة في قصره في الرياض, وذلك تقديراً? ?لدوره ومساهمته في? ?النموذج الفريد الذي? ?تمثله العلاقات البحرينية ـ السعودية،? قلد خادم الحرمين الشريفين رئيس الوزراء قلادة الملك عبد العزيز وهو أعلى تكريم سعودي? ?يمنح لكبار القادة والزعماء، ثم أشاد رئيس الوزراء البحريني بالنهضة ومسيرة التحديث التي تشهدها السعودية على جميع الأصعدة, تاريخيا فقد اتسمت العلاقات السعودية - البحرينية بكونها علاقات متميزة قائمة على التواصل والود بين قيادتي وشعبي البلدين, والتي سجلت تطورا مستمرا على كل المستويات انطلاقا من الثوابت والرؤى المشتركة التي جمعت بينهما تجاه مختلف القضايا, وروابط الأخوة ووشائج القربى والمصاهرة والنسب, ووحدة المصير والهدف المشترك التي جمعت بين الشعبين, فضلا عن جوارهما الجغرافي وعضويتهما في مجلس التعاون لدول الخليج العربية, بما انعكس إيجابا على وحدة وتماسك الصف الخليجي والعربي, على أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين قد حظيت هي الأخرى بأهمية كبرى في ظل تواجد السعودية التي تعد الشريك التجاري الأول للبحرين, لذلك تجسدت المشاريع الاقتصادية المشتركة واتخذت إجراءات تنمية التبادل التجاري وإزالة المعوقات التي تواجه العمل الاقتصادي كافة, بما في ذلك تسهيل انتقال رؤوس الأموال, ما أسهم في تعدد المشاريع الاقتصادية المشتركة بين البلدين والتي تعززت بشكل كبير بعد افتتاح جسر الملك فهد عام 1986, ذلك لأن السعودية مثلت عمقا استراتيجيا اقتصاديا للبحرين, كونها سوقا اقتصادية كبيرة أمام القطاع الخاص البحريني لترويج البضائع والمنتجات البحرينية, في المقابل فإن البحرين مثلت امتدادا للسوق السعودية في ترويج البضائع والمنتجات السعودية, وفي هذا الإطار فقد اضطلع مجلس رجال الأعمال البحرينيين والسعوديين بدور كبير في سبيل زيادة حجم الأعمال والمشاريع المشتركة, كما أن البحرين بفضل ما تتمتع به من سياسات اقتصادية تقوم على الانفتاح وتنويع مصادر الدخل وسن تشريعات تحمي المستثمرين والاستثمارات, استطاعت أن تستقطب كثيرا من الاستثمارات السعودية إليها, والتي أصبحت تستحوذ على النصيب الأوفر من السوق, إذ بلغت الاستثمارات السعودية في البحرين حتى تشرين الأول (أكتوبر) عام 2005 ما يزيد على 700 مليون دينار, أما نسبة الاستثمارات المملوكة من الشركات السعودية المسجلة في البحرين فقد بلغت أكثر من مليار دينار بحريني، فيما بلغ عدد الشركات الفاعلة التي فيها استثمار سعودي نحو 315 شركة، بينما بلغ عدد الشركات السعودية العاملة والمسجلة في البحرين 43 شركة.
ويعد جسر الملك فهد الذي يربط البحرين بالسعودية, أقوى هذه الروابط الاقتصادية على الإطلاق, إذ إنه جاء تجسيدا لنظرة الملك فيصل الصائبة وبعيدة المدى عندما اعتبر مشروع إنشاء الجسر من المشاريع ذات الطابع القومي الاستراتيجي، فأهمية الجسر لا تكمن في دعم وزيادة الصلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين السعودية والبحرين فحسب، وإنما في ربط البحرين بعمقها العربي, ما يسهل إرسال المساعدات بمختلف أنواعها في حالة الطوارئ أو في حال تعرضها لأي خطر خارجي. وبلغت التكلفة الإجمالية لبناء الجسر والمرافق التابعة له مبلغ 2769 مليون ريال سعودي, ويبلغ عرض الجسر نحو 25 مترا، أما طوله فيبلغ 25 كيلو مترا، ويعد هذا الجسر أطول جسر في العالم يربط بين دولتين, وثاني أطول جسر في العالم بعد جسر "بونتشارت ترين" في ولاية لويزيانا الأمريكية, هذا المشروع الضخم لا شك أنه أسهم في إنعاش الوضع الاقتصادي وأوجد منفذا بريا لجزيرة البحرين, وبموجب المادة الثالثة من اتفاقية إنشاء الجسر, فقد أنشئت في منتصف الجسر منطقة خدمات تقام فيها إدارات إشرافية لكلتا الدولتين لتنفيذ الأنظمة المتعلقة بالأمن والصحة والجمارك, حتى تقوم هذه الإدارات المختصة لكلتا الدولتين بالتنسيق فيما بينها لتنفيذ الأنظمة الخاصة بكل منها واختيار الطريقة الأنسب لتيسير المرور, وفي هذا السياق فإننا نأمل ألا تؤدي الاختناقات المرورية على الجسر إلى إفراغ الاتفاقيات الاقتصادية الخليجية من محتواها بعد أن دخلت حيز التنفيذ عام 2008، حيث إن حركة المركبات على الجسر ما زالت تسجل نموا مستمرا, ومع تصاعد الحركة التجارية بين السعودية والبحرين, وتصاعد أعداد الشاحنات على جسر الملك فهد, بدأت إدارة الجسر عمليات توسعة لرفع قدرات الجسر بهدف استيعاب هذه الحركة التجارية المتزايدة التي تصل حاليًا إلى 21 ألف مركبة, و80 ألف مسافر يوميا في بعض الأحيان, ومن المتوقع ارتفاعها خلال الفترة المقبلة, وزادت المؤسسة العامة لجسر الملك من ميزانيتها لعام 2009 بنسبة 76 في المائة عن عام 2008، وتركزت هذه الميزانية على المشاريع التي يتم تنفيذها خلال العام, والتي بلغت تكلفتها الإجمالية 94 مليون ريال.
على صعيد آخر, فقد شكل مشروع الحاضنات التكنولوجية الذي بدأ تأسيسه في معهد الجبيل التقني في السعودية, نموذجا آخر للتعاون وتبادل الخبرات بين البحرين والسعودية, تم على أثره تذليل الصعوبات وشرح الأفكار وحجم التسهيلات الممنوحة من قبل مركز الحاضنات وبنك البحرين للتنمية من حيث المبالغ والأدوات والخدمات الاستشارية والفنية والإدارية وغير ذلك, ما عمل على إذكاء روح التحدي لدى الشباب لتحفيزهم على الإبداع والعطاء في ابتكار مثل هذه المشاريع حسبما تقتضيه متطلبات السوق وتحديات الأوضاع الاقتصادية البحرينية المتكاملة, التي برهنت على عمق التخطيط ودقة الاختيارات. وصولا عند هذا الحد فإني أود أن أؤكد أن العلاقات الاقتصادية البحرينية - السعودية هي علاقة نموذجية فريدة يمكن أن تحتذي بها بقية الدول العربية, وأن زيارة رئيس الوزراء البحريني إلى السعودية جاءت تعزيزا لهذا الاتجاه.