تقارير و تحليلات

الاقتصاد البريطاني يفقد توازنه .. نقص في الغذاء وتضخم يهدد تنافسيته مع أوروبا

الاقتصاد البريطاني يفقد توازنه .. نقص في الغذاء وتضخم يهدد تنافسيته مع أوروبا

الاقتصاد البريطاني يفقد توازنه .. نقص في الغذاء وتضخم يهدد تنافسيته مع أوروبا

ما عليك إلا أن تقلب الصحف البريطانية، أو تفتح أحد مواقع الإنترنت المعنية بالشأن الاقتصادي المحلي، أو تستمع أو تشاهد إحدى نشرات الراديو أو التلفزيون، لتعرف عديدا من الأخبار عن تطورات الوضع الاقتصادي في المملكة المتحدة.
ستجد أن جميعها يكرر وبلا استثناء كلمة واحدة "نقص" وأحيانا "نقص حاد" عندما يتعلق الحديث عن مدى توافر السلع الضرورية، خاصة الغذائية.
وإذا كانت الرفوف الفارغة ونقص المواد الغذائية ليست من علامات الاقتصادات المتقدمة، لكن بريطانيا العظمى وخامس أكبر اقتصاد في العالم تعاني "النقص في المواد الغذائية".
هذا الأمر دفع اتحاد التجزئة البريطاني، إلى الإعلان أن فترة رأس العام الميلادي ستكون صعبة للغاية في بعض المناطق، والسبب باختصار نقص الموظفين وسائقي الشاحنات الثقيلة، إضافة إلى تراجع التصنيع وتجهيز الأغذية، إلى جانب "أن السكان الأصليين لا يريدون القيام بهذه الأدوار"، وفقا لاتحاد التجزئة.
ارتفاع أسعار المواد الغذائية كان النتيجة الطبيعية لنقص المتاح من السلع في الأسواق، فالشركات، التي تحملت زيادة الأسعار لبعض الوقت، لم تعد قادرة الآن على ذلك، ما دفعها إلى تمرير ارتفاع الأسعار للمستهلكين.
هذا الأمر يعكس من وجهة نظر كثير من الخبراء توقف التعافي الاقتصادي بسبب نقص العمال واضطراب سلاسل التوريد نتيجة الضربة المزدوجة، التي تلقاها الاقتصاد البريطاني من الخروج من الاتحاد الأوروبي وانتشار وباء كورونا.
وتكشف أرقام بنك إنجلترا حقيقة الأمر بشكل أكثر وضوحا، ففي الأسابيع الأخيرة انخفض الإنفاق باستخدام بطاقات الائتمان إلى 94 في المائة من مستواه قبل تفشي الوباء، ما يشير إلى أن الانتعاش الأولي، الذي حدث نتيجة رفع قيود الإغلاق وفتح المتاجر والمطاعم، قد تراجع، وأن الإقبال على الأسواق أقل من مستويات ما قبل كورونا، مع تراجع مبيعات التجزئة.
من جانبه، يفسر لـ «الاقتصادية» المصرفي دانيال هايمور؛ من بنك نيت ويست، هذا الوضع بالقول، "من الواضح أن العزلة الذاتية، التي عاناها الناس خلال 2020 وجزء كبير من 2021 كان لها تأثير كبير في الإنفاق، من جانب آخر اضطرابات سلاسل التوريد كان لها تأثير في عملية التصنيع".
ويضيف "الاقتصاد البريطاني لم يتوازن بعد من صدمة الخروج من الاتحاد الأوروبي أو إجراءات مكافحة كورونا، فلدينا حاليا نقص يقدر بنحو 100 ألف سائق شاحنة بسبب نزوح المواطنين الأوروبيين نتيجة قواعد الهجرة الجديدة، وعودتهم إلى بلدانهم أثناء وباء كورونا، حيث كانت المملكة المتحدة مغلقة، ولا يوجد فيها عمل، كما أن أغلب الصناعات لم تعد بعد إلى قوتها الكاملة، ما يعني أنها لم تصل بعد إلى الحد الأقصى من التوظيف لديها".
وبالفعل فقد كشفت دراسات مستقلة عن منظمة "اللوجستيات للمملكة المتحدة" أن 14 ألف سائق من الاتحاد الأوروبي غادروا المملكة المتحدة خلال الأشهر الستة الأولى من العام الماضي، ولم يعد منهم غير 600 سائق فقط.
ولكن هل سيتفاقم هذا النقص في السلع، خاصة الغذائية منها، في المملكة المتحدة خلال الفترة المقبلة أم أنه ستتم السيطرة على الموقف؟
أغلب التقديرات تظهر أن أزمة السائقين في المملكة المتحدة ستتفاقم في الفترة المقبلة، بسبب الاعتماد في السابق على سائقي الاتحاد الأوروبي، وعلى الرغم من أن الحكومة البريطانية تخطط لتجنيد أفراد القوات المسلحة المؤهلين ليكونوا سائقي شاحنات، فإن معظم قادة الصناعات البريطانية يعدون أن تلك الخطوة لن تكون كافية، ما دفع بعضهم إلى دعوة الحكومة للسماح للسائقين الأوروبيين بالعودة إلى المملكة المتحدة ولو بتأشيرات قصيرة الأمد.
مع هذا ترى إميلي جاسون؛ أستاذة الاقتصاد الأوروبي في جامعة لندن، أن قضية نقص السائقين ليست إلا نموذجا على فشل عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وأن المملكة المتحدة وخلال العقد المقبل ستواجه عديدا من الأزمات المماثلة نتيجة الترابط، الذي حدث بين الاقتصادين البريطاني والأوروبي خلال العقود الأربعة الماضية نتيجة عضوية بريطانيا في الاتحاد.
وتقول لـ «الاقتصادية» إن "سوق العمل، والقيمة الإجمالية للتبادل التجاري، والتداخل واعتماد الطرفين على المنتجات الصناعية لبعضهما بعضا، تعني أن هذا النوع من الاضطرابات الاقتصادية قابل للتكرار، وتلك الأزمات لا تقف عند حدود نقص في منتج أو سلعة أو حتى عدد من السلع والمنتجات، وإنما ستكون لها تبعات على معدلات التضخم في المملكة المتحدة. فنسبة التضخم عادت بالفعل إلى ما قبل أزمة وباء كورونا، والتضخم سيواصل الارتفاع، ووفقا لتقديرات بنك إنجلترا فيمكن أن يصل إلى 4 في المائة مع نهاية العام، وسينعكس هذا على الأجور في المملكة المتحدة، وعليه سترتفع الأجور في جميع القطاعات، وبذاك تزيد التكلفة الإنتاجية في المملكة المتحدة، وتفقد قدرتها التنافسية مع أوروبا، بل ستزداد وارداتها من الأسواق الأوروبية واعتمادها عليها، ما يعني أن بريطانيا لم تأخذ من الخروج من الاتحاد الأوروبي غير الاسم وأسوأ ما في الخروج من نتائج".
في الواقع، فإنه في عصر العولمة والتجارة الإلكترونية يصعب على الشركات تمرير الزيادة في أجور العاملين للعملاء عبر رفع الأسعار، وعليه سيقوم العميل باختصار بالبحث عن منتج بديل أو أرخص، ويعني هذا أن الاحتمال الأكبر في حال رفع الأجور أن تتحمل الشركات التكلفة، ما يعني هوامش ربح أقل، ومن ثم افتقاد رجال الأعمال حافز توسيع عملياتهم الإنتاجية.
تظهر الدراسات الاستقصائية لنشاط القطاع الخاص أن نمو الإنتاج انخفض بمعدل أكثر حدة في المملكة المتحدة، مقارنة بالولايات المتحدة ومنطقة اليورو، وتحديدا في آب (أغسطس) الماضي، ويرجع ذلك في الأساس إلى تفاقم النقص الحاد في الإمدادات منذ عقود، وانخفاض مخزون تجارة التجزئة في المملكة المتحدة إلى أسوأ مستوى منذ بدء تسجيل المخزون 1983.
لكن كولمن بلنت؛ نائب رئيس اتحاد العمال في بريطانيا، يعد أن الأزمة الراهنة وعلى الرغم مما تمثله من ضغط على الاقتصاد البريطاني، وما تحمله من علامات مقلقة، خاصة مع اقتراب رأس العام الميلادي، حيث يزداد الطلب الاستهلاكي في المملكة المتحدة بشكل كبير، إلا أنها تعد أزمة مؤقتة سيتم تجاوزها.
وقال لـ «الاقتصادية» "عدد الوظائف الشاغرة في المملكة المتحدة حاليا تجاوز مليون وظيفة لأول مرة على الإطلاق، ما يعكس صعوبة لدى أرباب العمل لتوظيف العمال بمستويات الأجور الراهنة، وعلى الشركات تقديم مكافآت مميزة لجذب موظفين جدد وتبدأ برفع الرواتب".
هذا المنطق، الذي يؤمن بأن أزمة النقص الحالي في عديد من المنتجات، خاصة الغذائية في المملكة المتحدة، أزمة مؤقتة، يحظى بقبول لدى قطاع لا بأس به من رجال الأعمال البريطانيين، الذين لا ينكرون الطابع الحاد والضغط الشعبي الناجم عن الأزمة الراهنة، لكنهم يشيرون إلى أن ذلك لم يؤثر في شعور عام بالثقة لدى قطاع الأعمال البريطاني، وفقا لمقياس أعمال بنك لويدز، على الرغم من الحذر الحالي بين الشركات بشأن التضخم ونقص الموظفين.
من جهته، يقول لـ «الاقتصادية» أريك أرسل؛ الباحث في بنك لويدز، "الاستطلاع الشهري الذي شمل 1200 شركة، والذي أجري الشهر الماضي كشف مدى التحول الإيجابي في الثقة لدى رجال الأعمال وارتفع المقياس إلى 36 في المائة، مدفوعا بتوقعات نمو أعلى العام المقبل، مسجلا أكبر مستوى في الثقة لدى قطاع الأعمال في الأعوام الأربعة الماضية، وربما يعود السبب في ذلك أيضا إلى النجاح المستمر في طرح اللقاحات المضادة لوباء كورونا وإزالة الحكومة لقيود الإغلاق".
ويؤكد أن انخفاض الاقتراض الحكومي مع انتهاء الدعم المقدم للقطاع الخاص بسبب الإغلاق، وارتفاع إيرادات الضرائب، صنع قناعة وشعورا متزايدا بالثقة لدى القطاع الخاص بأن المستقبل الاقتصادي يحمل لبريطانيا آفاقا واعدة رغم الصعوبات الحالية.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من تقارير و تحليلات