أبحاث الجامعات منتجات بلا سوق

المنتج الناجح يلبي متطلبات السوق والمستفيد النهائي وعليه أن ينافس المنتجات الأخرى، وفي هذه الحالة نستطيع القول: إن هذا المنتج ناجح اقتصاديا وربما له أثر اجتماعي ونفسي يسد جزءا من حاجة المجتمع. ولو نظرنا إلى الأبحاث العلمية في المجمل، فلن نجد لدينا سوقا ناضجة تستفيد من مخرجات هذه الأبحاث ولا منتجات ذات مردود كبير يعود بالنفع على الباحثين والمخترعين والمؤسسة الراعية والاقتصاد بصورة أشمل.
ولقد نجح عديد من الجامعات في الدول المتقدمة في تقديم مخرجات ذات مردود اقتصادي واجتماعي بسبب وجود بيئة ومنظومة متكاملة، بدءا من الدراسة الأولية الموجهة لحل مشكلة أو تطوير منتج لوجود سوق ناضجة ولها مستفيدون وتحكمها أنظمة وتشريعات محفزة وموارد متعددة ومستدامة. ولا شك أن إنشاء هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار التي أقرها مجلس الوزراء سيكون لها دور جوهري لإيجاد البيئة السليمة والمتكاملة لتعزيز مخرجات الأبحاث وربطها بمتطلبات السوق ورؤية المملكة 2030 والتنسيق بين الجامعات ووزارة التعليم ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية والقطاعات ذات العلاقة.
ولتعزيز أثر البحث والابتكار في الاقتصاد والمجتمع، فنحن بحاجة إلى ربط جزء كبير من الأبحاث بما تتطلبه السوق. فنحن بحاجة إلى تحديد متطلبات المستفيد النهائي كالشركات الكبرى والجهات الحكومية وربط حاجتهم بالباحثين داخل المملكة للقيام بدراسات علمية، وليس استيراد متطلباتهم من الخارج أو ربما استيراد منتج جاهز قد لا يناسب بيئة المملكة، إن من يبحث عن التميز والتنمية لا بد أن يستعين بخبراء وباحثين لمساعدته، وكلما زاد الطموح زادت الحاجة إلى من هم أكثر خبرة وكفاءة، فإلى أي مدى وصل الطموح للتميز والتنمية على أرض الواقع؟ كان ولا يزال هناك عديد من المبادرات والإنجازات المتميزة التي قامت بها وزارة التعليم والجامعات ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وجهات أخرى لكن مع برامج "الرؤية" الطموحة نحتاج إلى هيئة للبحث تقوم بتقويم ودعم هذه الجهود والإنجازات من عدة جوانب وهذا هو المأمول من هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار.
والحقيقة أن هناك فجوة كبيرة بين ما تحتاج إليه السوق وما يقوم به الباحثون لعدة أسباب، منها وجود فجوة في التواصل بين الباحثين ومتطلبات السوق بسبب ضعف المحفزات والتشريعات. فما الذي يدفع شركة محلية كبرى إلى أن تطلب من جامعة سعودية تطوير منتج أو حل مشكلة، بينما توجد جامعات ومراكز دولية تقوم بذلك؟ ومن منظور آخر هل يوجد لدينا عديد من المراكز المختصة والمتكاملة بباحثيها على دراية بحاجة السوق وتستطيع أن تلبي متطلبات الصناعة؟ وهل يوجد التحفيز الكافي للتعاون بين الباحثين في المراكز المختلفة أو مع الصناعة؟ فما الذي يدفع أعضاء هيئة التدريس والباحثين في الجامعات للقيام بمشاريع بحثية تخدم الصناعة مثلا ولا تتطلب أنظمة الترقيات أو التقييم السنوي ذلك؟ فضلا عن التحديات لتوفير الموارد وتعقيدات أنظمة مشاريع البحث في الجامعات، وما الذي يدفع الطلبة السعوديين لمتابعة الدراسات العليا وحاجة سوق العمل لهم محدودة، لأن عديدا من الشركات الكبرى والجهات الحكومية تستورد متطلباتها من الدراسات والأبحاث من الخارج. وما مدى ربط برامج ريادة الأعمال ببرامج البحث في الجامعات ومدى نجاحها؟.
والخلاصة: إن السوق والتحديات على مستوى الوطن هما من يحددان الاستراتيجيات والأولويات لأغلب الأبحاث والدراسات. وينبغي اعتماد مؤشرات الأداء المناسبة وإيجاد التشريعات والأنظمة المحفزة والمرنة، وإنشاء المراكز المختصة والبيئة المحفزة للإبداع وريادة الأعمال وموارد متعددة ومستدامة من باحثين وطلاب وفنيين ومختبرات ومواد، وربط ذلك برؤية المملكة 2030، وهذا جزء من الدور المأمول في أن تقوم به هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار. ولا بد من الإشارة هنا إلى الجزء الآخر من الأبحاث التي تهدف إلى اكتساب وزيادة المعرفة وكل ما هو جديد، ما ينعكس إيجابيا على تعليم الطلاب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي