القصدير يقود قفزات سعرية لـ 4 معادن صناعية .. نقص حاد في الإمدادات

القصدير يقود قفزات سعرية لـ 4 معادن صناعية .. نقص حاد في الإمدادات
زيادة الطلب على النحاس مؤشرا موثوقا به على تحسن أداء الاقتصاد الدولي.

تشهد أسعار القصدير ارتفاعا لم تشهده منذ نحو عقد من الزمان، ففي بورصة لندن للمعادن ارتفع سعر طن القصدير، الذي سيتم تسليمه في غضون ثلاثة أشهر من التعاقد 48 في المائة ليبلغ الطن المتري نحو 30 ألف دولار، ليتجاوز بذلك أسعار معادن صناعية أخرى آخذة في الارتفاع مثل النحاس والألمنيوم والبلاديوم.
ومع ارتفاع أسعار القصدير عادت الآمال إلى نفوس التجار المضاربين بعودة الأيام الخوالي عندما تجاوز سعر الطن 33 ألف دولار 2011.
لا شك أن ارتفاع الطلب على الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية خاصة خلال فترة الإغلاق بسبب تفشي وباء كورونا، إضافة إلى الصعوبات اللوجستية المتعلقة بعمليات الشحن من آسيا قد أدت إلى نقص حاد في المتاح من المعدن بصورة لم يسبق لها مثيل، ما أسهم في القفزات السعرية الكبيرة التي تحققت.
من جهته، قال لـ"الاقتصادية" أي إم فروستر الاستشاري في الاتحاد الدولي للقصدير، "ارتفعت قيمة مبيعات أشباه الموصلات في جميع أنحاء العالم 3.6 في المائة في الأشهر الثلاثة الأولى من 2021 مقارنة بالربع الأخير من العام الماضي، و17.8 في المائة على أساس سنوي، في الوقت ذاته أخذت الإمدادات في النفاذ، حيث كان هناك 490 طنا فقط من القصدير المكرر متاحا في مستودعات بورصة لندن للمعادن المنتشرة في جميع أنحاء العالم الأسبوع الماضي، وتم تخصيص 840 طنا إضافيا للسحب، وهذا يزيد قليلا على نصف ما كان متاحا في نهاية العام الماضي".
ويضيف، "ارتفاع الأسعار يبدو مغريا لمنتجي القصدير، ولكن إذا أخذنا في الحسبان أنه أغلى المعادن الأساسية، إضافة إلى أنه من بين أكثر المعادن استخداما، فإن الأسواق تخشى أن يؤدي ذلك إلى إيجاد مناخ تضخمي، فالمصنعون سيمررون التكلفة المتزايدة نتيجة استخدام القصدير إلى المستهلكين، والمخاوف من ارتفاع أسعار المنتجات، التي تستخدم القصدير بكثافة مثل الأدوات الإلكترونية والاستهلاكية، تؤدي إلى توترات في سوق الأسهم".
لكن ارتفاع أسعار القصدير مثل فرصة ذهبية لشركات المناجم، حيث ارتفعت أسعار أسهمها وتمكنت من جمع مزيد من رؤوس الأموال لإعادة التنقيب عن النحاس والقصدير في مناطق كانت تعرف بإنتاجها المميز في القرن الـ18 والـ19 في إنجلترا لكن الإنتاج توقف فيها منذ زمن لأنه لم يعد مربحا.
وتحسن أسعار المعادن الصناعية الأساسية لم يكن حكرا على القصدير وإن كان أكثرهم ارتفاعا، حيث إنه في المراحل الأولى من انتشار وباء كورونا تراجعت أسعار النحاس إلى أدنى مستوى لها في أربعة أعوام، لكن مع اتخاذ البنوك المركزية في كبرى الاقتصادات العالمية إجراءات لتعزيز اقتصادها الوطني، ارتفعت أسعار النحاس، وها هي تبلغ الآن مستويات قياسية، ففي بورصة لندن للمعادن قفزت الأسعار إلى مستويات مرتفعة، وبلغت 10600 دولار للطن الأسبوع الماضي.
وعلى الرغم من تراجع الأسعار إلى 10257 دولارا، إلا أن النحاس حقق مكاسب بأكثر من 120 في المائة، مقارنة بأدنى مستوى لها 2020.
هذا الاتجاه لم يكن حصرا على بورصة لندن، وإنما لوحظ اتجاه مماثل في العقود الآجلة في بورصة شنغهاي ومومباي.
أحد الأسباب الرئيسة وراء هذا الارتفاع مراهنة عديد من المستثمرين على أن الطلب المستقبلي على النحاس سيرتفع بشكل كبير، حيث يركز العالم بشكل متزايد على تقليل انبعاثات الكربون، ويستخدم هذا المعدن الذي يعد أحد أبرز المعادن الصناعية إلى حد كبير في صناعة السيارات الكهربائية، ويقدر الطلب عليه بأربعة أضعاف الطلب في المركبات التي تسير بالوقود الأحفوري.
كما أن محطات إنشاء محطات شحن السيارات الكهربائية يتطلب كميات كبيرة من المعدن الأحمر، ما يعزز الطلب عليه بشكل ملحوظ.
خبير التحليل المالي في بورصة لندن للمعادن تامبي دانيال يعلق لـ"الاقتصادية" قائلا، "لا شك أن عملية التحفيز الاقتصادي، التي تبنتها الحكومة الصينية ليستعيد الاقتصاد الوطني عافيته، التي تراجعت نتيجة تفشي وباء كورونا في مدينة ووهان العام الماضي، وكذلك نتيجة الخسائر الناجمة عما يمكن وصفه بتقييد الولايات المتحدة لعلاقتها الاقتصادية مع الصين في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، أسهمت في زيادة الطلب العالمي على النحاس، كما أن عمليات التعافي الاقتصادي في الاقتصادات الصناعية الكبرى الأخرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا واليابان أسهمت في ارتفاع أسعار المعدن الأحمر".
ويضيف، "المشكلة الكبرى أن الزيادة في الطلب لم يقابلها زيادة مماثلة في العرض، حيث يصعب العثور على مناجم جديدة، كما أن عملية التطوير وبدء الإنتاج من مناجم جديدة يعد مكلفا".
وفي الواقع، فإن ارتفاع أسعار النحاس وعلى الرغم مما تمثله تلك الزيادة من ضغوط على التكلفة الإنتاجية لعديد من الصناعات، التي تستخدم هذا المعدن الحيوي، إلا أنها توجد شعورا نسبيا بالارتياح في الأسواق، نظرا لأن زيادة الطلب على النحاس تعد مؤشرا موثوقا به على تحسن أداء الاقتصاد الدولي.
الدلائل الراهنة تشير أيضا إلى أن الألمنيوم سيتبع النحاس في مسيرة الأسعار التصاعدية، إذ عززت البيانات التجارية القوية للصين وانتعاش الأنشطة الصناعية توقعات الطلب على الألمنيوم، وربما يعد نقص المعروض سببا آخر للارتفاع الراهن في الأسعار.
وأحد الأسباب البارزة في هذا الشأن تكمن في الضغوط الدولية المكثفة التي تمارس على الصين، فيما يتعلق بخفض انبعاثات الكربون، ما يتطلب كبح التوسعات الخاصة بزيادة إنتاج الألمنيوم، يضاف إلى ذلك أن العام الماضي شهد ارتفاعا ملحوظا في تكاليف النقل والخدمات اللوجستية، ما انعكس على أسعار الألمنيوم.
بدوره، يشير كيبليج وليم الخبير في مجال المعادن الصناعية إلى أن الصراع السياسي بين الصين وأستراليا واحد من الأسباب التي تقف خلف الزيادة في الأسعار.
ويقول لـ"الاقتصادية" إن "التوترات الراهنة بين الصين وأستراليا في عديد من القضايا الدولية والإقليمية انعكست على الجانب التجاري بين البلدين، خاصة فيما يتعلق بالمعادن المكون الرئيس في هيكل التجارة البينية بين البلدين، والتي تعد ضرورية لمواصلة الصين نموها الاقتصادي، وهذا النزاع الثنائي أدى إلى زعزعة سوق الألمنيوم في العالم، فالصين أكبر مشتر للألمنيوم دوليا، بينما تعد أستراليا منتجا رئيسا للمواد الخام الضرورية لإنتاج المعدن، ويتوقع أن يستمر توتر العلاقات الثنائية بين الطرفين لبعض الوقت، ما يعني أن أسعار المعدن ستواصل الارتفاع".
التفاؤل بارتفاع الأسعار يمتد أيضا إلى البلاديوم، الذي يستخدم في أجهزة التحكم في انبعاثات الغازات من السيارات، إذ ارتفعت أسعار المعدن إلى مستويات قياسية في بداية هذا الشهر وسط مخاوف من نقص المعروض منه، حيث يبلغ سعر الكيلو جرام حاليا من البلاديوم 93376 دولارا.
من جانبه، يؤكد لـ"الاقتصادية"، جورج سومرسيت الخبير في مجال المعادن، أن الاستثمار في البلاديوم استثمار رابح بكل المعايير، فالأسعار ستواصل الارتفاع في الفترة المقبلة، والانخفاضات التي قد تحدث من حين لآخر انخفاضات طفيفة ومؤقتة، لكن الاتجاه العام هو ارتفاع الأسعار.
ويبرر ذلك بالقول "الضوابط ومحددات التلوث باتت أكثر صرامة على مستوى العالم، وهذا يصب في مصلحة السيارات الكهربائية وفي مصلحة الطلب على البلاديوم، يضاف إلى ذلك تفاقم المخاوف من نقص الإمدادات بعد أن أعلنت شركة نوريليسك نيكل الروسية المنتج الأساسي للبلاديوم في العالم تعطل منجمين بسبب الفيضانات، ما يعني السحب من المخزون حاليا على أن يتم إعادة التخزين لاحقا، وهذا يؤكد أن الطلب المستقبلي سيكون قويا".

الأكثر قراءة