الدين العام للحكومة الأمريكية .. إلى متى؟

الدين العام للحكومة الأمريكية .. إلى متى؟
الدين العام للحكومة الأمريكية .. إلى متى؟
الدين العام للحكومة الأمريكية .. إلى متى؟
الدين العام للحكومة الأمريكية .. إلى متى؟
الدين العام للحكومة الأمريكية .. إلى متى؟
الدين العام للحكومة الأمريكية .. إلى متى؟
الدين العام للحكومة الأمريكية .. إلى متى؟
الدين العام للحكومة الأمريكية .. إلى متى؟
الدين العام للحكومة الأمريكية .. إلى متى؟

كان الدين العام للحكومة الأمريكية نحو تريليوني دولار عام 1990 مشكلا نحو 50 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، واستمر في الارتفاع التدريجي إلى أن بلغ أكثر من 20 تريليون دولار بنهاية عام 2020، وبنسبة تجاوزت 100 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. تقترض الحكومة الأمريكية بشكل مستمر، وقد ازدادت حدة الاقتراض بسبب تداعيات فيروس كورونا منذ شهر مارس 2020، ولا شيء يوقف شهية هذه الحكومة نحو الاقتراض، عدا ربما الوصول إلى سقف الاقتراض المسموح به، الذي تم رفعه أكثر من 70 مرة منذ عام 1962، إلى أن تم أخيرا تعليق العمل به منذ عام 2019 ليتم تجاوزه باستخدام صلاحيات وزير الخزانة، وذلك إلى منتصف هذا الصيف، حيث سيتم تحديد سقف جديد.
لماذا تقترض الحكومة الأمريكية بكثرة، وكيف يتم الاقتراض، وما الوسائل المستخدمة في ذلك، وما دور البنك المركزي في ذلك، وما الجهات التي تقوم بإقراض الحكومة، وإلى متى ممكن أن تستمر وتيرة الاقتراض؟ هذه الأسئلة وغيرها نحاول الإجابة عنها في هذا التقرير.

لماذا تقترض الحكومة الأمريكية بكثرة؟

تقترض الحكومة الأمريكية لأن مصروفاتها أكثر من إيراداتها، ولذلك هناك عجز سنوي في الميزانية الحكومية، وهو الأمر الحاصل بشكل متواصل طيلة الـ20 عاما الماضية، حيث كان آخر فائض عام 2001. وحجم العجز في الميزانية السنوية عادة لا يتجاوز تريليون دولار، غير أنه تجاوز ثلاثة تريليونات دولار عام 2020 بسبب كورونا، ومن المتوقع له أن يتجاوز تريليوني دولار لعام 2021. لذا فإن الحكومة الأمريكية بحاجة إلى سد هذا العجز السنوي بشكل أو آخر، وغالبا هي تلجأ في ذلك إلى ثلاثة طرق: إما زيادة الضرائب أو تقليص المصاريف أو الاقتراض. وبما أن زيادة الضرائب عملية شائكة وتتطلب موافقة الكونجرس، ومثلها كذلك عملية تقليص المصاريف، فالذي يحدث هو أن تلجأ الحكومة إلى الاقتراض، وهو الخيار الأسهل والأسرع والأرخص، نتيجة الإقبال الكبير على السندات الحكومية من قبل جهات كثيرة داخل أمريكا وخارجها، بسبب الثقة العالية بهذه السندات ونتيجة لسيولتها العالية.
السبب الآخر المهم لارتفاع شهية الحكومة الأمريكية تجاه الاقتراض يعود إلى انخفاض تكلفة الاقتراض عليها، ما جعل البعض ينادي بإصدار سندات لمدة 50 عاما أو حتى سندات مائة عام!

أنواع السندات الحكومية وحجمها

بنهاية أبريل 2021 بلغ حجم الدين الإجمالي نحو 24.5 تريليون دولار، وهذا أكبر من حجم الناتج المحلي الإجمالي البالغ 21 تريليون دولار لعام 2020. اقتراض الحكومة يتم بإصدار سندات لآجال مختلفة: سندات قصيرة المدى وهي أذونات الخزينة التي لا تزيد مدتها على عام واحد، وسندات متوسطة المدى مدتها بين عامين إلى عشرة أعوام، وسندات طويلة المدى تصل إلى 30 عاما. من جدول الدين الحكومي العام، يتضح أن السندات المتوسطة التي معظمها سندات عشرة أعوام تشكل نحو نصف حجم قروض الدين العام، وتبلغ نسبة العائد فيها نحو 1.63 في المائة. ويلاحظ أن العائد للسندات قصيرة المدى قليل جدا ويقارب الصفر، بينما سندات 30 عاما تصل إلى 2.35 في المائة. ما السبب؟

مراقبة منحنى عائد الاستحقاق وكيفية شكله الحالي

منحنى عائد الاستحقاق هو شكل بياني لمعدلات الفائدة على أدوات دين مختلفة، لفترات استحقاق تبدأ من شهر واحد إلى 30 عاما، والشكل الطبيعي لهذا المنحنى هو أن تكون معدلات الفائدة على المدى القصير أقل من معدلات الفائدة على المدى الطويل، وهذا الشكل يعني أن الاقتصاد يمر بمرحلة نمو طبيعية ولا يوجد هناك تخوف من تضخم غير عادي في الأسعار أو في معدلات البطالة وغيرها.
أما إذا أتى المنحنى بشكل صاعد حاد، كما هو حاصل هذه الأيام، فإن ذلك يؤخذ على أن الاقتصاد مقبل على حركة ازدهار قوية ونمو كبير، ما قد يضطر البنك المركزي إلى رفع معدلات الفائدة، وبالتالي تقل جاذبية السندات طويلة الأجل في الوقت الحاضر. لاحظ أن السبب في ارتفاع معدلات الفائدة للسندات طويلة الأجل يعود إلى قيام المستثمرين ببيع هذه السندات "فيرتفع عائدها"، وذلك لرغبتهم في شرائها لاحقا عندما ترتفع معدلات الفائدة، وهذا ما يراهن عليه المستثمرون منذ بداية عام 2021، وازدادت احتمالية حدوث ذلك مع ظهور بيانات التضخم في الأسبوع الماضي، التي تشير إلى ارتفاع كبير في نسبة التضخم لشهر أبريل 2021 بلغ 4.42 في المائة.
لاحظ كذلك من شكل المنحنى أن المستثمرين يشترون السندات قصيرة الأجل بشكل كبير، وهذا ما جعل عوائدها تأخذ في الانخفاض، الذي يقارب الصفر حاليا. مثل هذه التفاعلات تتكرر في مثل هذه الأوضاع الاقتصادية، كون المستثمرين يبيعون السندات طويلة المدى ويضعون أموالهم في السندات قصيرة المدى، فترتفع العوائد على المدى الطويل وتنخفض على المدى القصير. السبب مرة أخرى، إنه إذا كانت هناك توقعات لارتفاع أسعار الفائدة مستقبلا، فمن الأفضل بيع السندات الطويلة وشراء السندات القصيرة، والهدف من شراء السندات القصيرة أنها وسيلة لركن الأموال إلى أن تتضح الأمور.
يحصل أحيانا أن يكون شكل المنحنى هابطا، ويسمى Inverted، حيث نجد فيه أن العائد على السندات قصيرة الأجل أعلى من العائد على السندات طويلة الأجل، وهو أقل حدوثا من الأشكال الأخرى لمنحنى عائد الاستحقاق، وإن حدث فلا يستمر طويلاً. المنحنى الهابط يعني أن المستثمرين يبيعون بشكل كبير السندات القصيرة، فترتفع عوائدها، ويشترون بشكل كبير السندات الطويلة، فتنخفض معدلاتها، وتدل هذه الظاهرة على أن التوقعات عالية بأن يقوم البنك المركزي بخفض معدلات الفائدة في الفترات المقبلة لتفادي حدوث تباطؤ في الاقتصاد، وهذا بعيد جدا عن الوضع الحالي.
لإكمال الحديث عن أشكال منحنى عائد الاستحقاق، الشكل الأخير هو المنحنى الثابت Flat، الذي يشير إلى أن معدلات الفائدة متشابهة على جميع المستويات الزمنية، وأنه لا يبدو هناك توجه واضح لمسار الاقتصاد في الفترة القصيرة المقبلة، فلا يكون هناك تفضيل لحقبة زمنية عن أخرى، ويلجأ المستثمرون إلى شراء السندات القوية ذات التقييمات العالية لتحقيق أعلى ربح ممكن مقابل المخاطرة التي يتعرضون لها، إلى أن يتبين الوضع الاقتصادي بشكل أفضل.

من الذي يقرض الحكومة الأمريكية؟

إذا كانت الحكومة الأمريكية تقترض باستمرار، بشكل أسبوعي منذ أعوام طويلة، فما الجهات التي تقرضها؟ الجدول الخاص بالجهات المقرضة يشير إلى أن دول العالم تشكل نحو 30 في المائة من الجهات المقرضة للحكومة الأمريكية، وهي حاليا اليابان والصين وبريطانيا وإيرلندا بشكل رئيس، تتصدرها اليابان بنهاية 2020 بنحو 1.5 تريليون دولار مستثمرة في هذه السندات. كون 30 في المائة من القروض تأتي من جهات خارجية يعني من جهة أخرى أن 70 في المائة من المقرضين هم من داخل الولايات المتحدة، وهؤلاء المقرضون الداخليون والخارجيون يقبلون بعوائد قليلة كما رأينا في متوسط العوائد التي تقارب الصفر على المدى القصير، وترتفع إلى 2.35 على المدى الطويل.
من تلك الجهات المقرضة هناك جهتان تستحقان شيئا من التفصيل في الشرح، الأولى هي البنك المركزي وفروعه، حيث يشكل اقتراضه نحو 22 في المائة من حجم الدين، والسبب هو أن معظم السندات التي تصدرها وزارة الخزانة لمصلحة الحكومة الأمريكية يتم شراؤها لاحقا من قبل البنك المركزي. هذه العملية تسمى توريق الدين أو طباعة النقود، حيث يقوم البنك المركزي بشراء السندات من السوق وإيداع المبالغ لمصلحة المشترين من خلال حساباتهم البنكية، وهذا ما يعرف كذلك بضخ السيولة، وهو الإجراء المتبع في عمليات التيسير الكمي. كثير من التفاعلات التي تتم في أسواق السندات تراهن على استمرار البنك المركزي في عمليات الشراء هذه، كونها عمليات مربحة لمستثمري السندات.
أما الجهة المقرضة الأخرى الكبيرة فهي مؤسسات معاشات التقاعد، وهي جهات حكومية تتوافر لديها أموال بشكل أسبوعي أو شهري نتيجة الاستقطاعات الدورية من مرتبات الموظفين، وبالتالي فهي تبحث عن وسائل استثمارية آمنة لاستثمار مدخراتها، وتجد ذلك دوما في السندات الحكومية. هذا يعني في حقيقة الأمر أن أموال المتقاعدين في أمريكا تستثمر في سبيل إقراض الحكومة، وهذا يبين جانبا مهما عن حقيقة اقتراض الحكومة الأمريكية وسبب قدرتها على الاستمرار في ذلك، وهو أن معظم الجهات المقرضة ليس أمامها إلا مواصلة الاقتراض حفاظا على استثماراتها. وهذه الجهات هي دولية أو معاشات تقاعد أو صناديق استثمار، التي بالمناسبة تبلغ نسبة إقراضها للحكومة 16 في المائة من حجم الديون، وتأتي في المركز الثالث.
ليس من مصلحة هذه الجهات أن تتعثر الحكومة الأمريكية في سداد ديونها، وهو الأمر الذي كاد أن يحدث في الماضي بسبب اعتراض الكونجرس على قرار رفع مستوى سقف الدين الحكومي، ونتيجة لتلك المخاوف حدث تخفيض في التقييم الائتماني للحكومة من قبل بعض وكالات التصنيف السيادي. ولهذا السبب هناك ثقة كبيرة بأن الحكومة الأمريكية لن تتخلف عن سداد مديونياتها، لأن حدوث ذلك سيؤدي إلى خسائر فادحة لجميع الأطراف، وسترتفع أسعار الفائدة بشكل كبير جدا وستتأثر الاقتصادات العالمية تبعا لذلك.

متى ترتفع مخاطر زيادة الاقتراض؟

الحكومة الأمريكية ستستمر في الاقتراض لأعوام طويلة، طالما أن تكلفة الاقتراض قليلة، وطالما هناك إقبال على شراء السندات الحكومية، واليوم تقريبا لا توجد حكومة في العالم تستطيع الاقتراض من الخارج بمستوى تكلفة الحكومة الأمريكية. وعلى الرغم من وجود مؤشر مهم يستخدم في قياس مستوى الدين، وهو نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، الذي تجاوز 100 في المائة في أمريكا لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، إلا أن الأهم من ذلك هو تكلفة الدين. بل حتى على المستوى الشخصي، تزداد الأريحية نحو الاقتراض إذا كانت التكلفة منخفضة.
ما يعرف بتكلفة خدمة الدين هو مقدار الفوائد الدورية الواجب سدادها عن الدين، وتقاس بنسبتها إلى الناتج المحلي الإجمالي، أي أن ذلك شبيه بقيام الشركات بقياس تكلفة الفائدة مقارنة بحجم المبيعات، وبالتالي إذا كانت التكلفة الدورية للاقتراض تؤدي إلى زيادة عالية في المبيعات، فقد ترى الشركة الاستمرار في الاقتراض. طبعا المقياس المناسب هنا هو صافي الدخل وليس المبيعات، لكن نورد هذا فقط من باب التشبيه.
ختاما، هذا التقرير عبارة عن استطلاع لطبيعة الدين العام للحكومة الأمريكية، وكيف أن الحكومة تقترض بإصدار سندات لآجال متعددة، ويتم شراء هذه السندات من قبل جهات كثيرة، داخلية وخارجية. وذكرنا أن الحكومة ستستمر في الاقتراض طالما كانت تكلفة الاقتراض متدنية، وطالما هناك جهات لديها الاستعداد للاقتراض، لأسباب خاصة بها، فستستمر الحكومة في الاقتراض.

الأكثر قراءة